الجسد الخليجي المتحد يرفض الانقسام
بقلم:لارا ابراهيم
استيقظت الشعوب العربية يوم أمس على زلزال دبلوماسي لم يخطر على البال و لم يحسب له أي حسبان، زلزال يتمثل في قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود مع وقف جميع رحلات الطيران وصولا الى طرد رعايا دولة قطر في كل من السعودية و الامارات و البحرين و مصر. في حين جاء أول رد فعل لدولة قطر كإبداء الأسف حيال قطع العلاقات الدبلوماسية معها.
أما ردود الفعل الدولية فقد تتابعت و تنوعت الا أن أغلبها كان يصب في نقطة محورية واحدة ألا و هي تهدئة الأوضاع في الخليج العربي لاحتواء الأزمة و الحد من تفاقمها في جو أقرب منه الى التجاهل. حيث أعربت أقوى الأطراف الدولية أمريكا عن موقفها الذي جاء على لسان وزير خارجيتها تيلرسون الذي دعا من منبره دول الخليج الى الحفاظ على وحدتها و تسوية الخلافات فيما بينها.
هذا و يستبعد أغلب المحللين السياسيين فرضية التدخل العسكري على الأرض نظرا لأسباب عديدة لعل أهمها حرب اليمن التي لازالت تدور رحاها مستنزفة الموارد العسكرية و البشرية و الاقتصادية للدول المقاطعة، اضافة الى العبر المستخلصة من الحروب الأخيرة التي دارت في المنطقة و التي أكدت على أفضلية اللجوء للحلول الدبلوماسية و تأخير الحلول العسكرية الى حين فشل تلك الأخيرة.
الا أن ما سبق ذكره لا يبشر بالخير فقطر اليوم باتت تواجه بمفردها موجة من الاخضاع السياسي و الاعلامي و الاقتصادي و الاجتماعي بسبب القرارات غير المسبوقة التي اتخذت ضدها. حيث بات الاقتصاد القطري مهددا أمام تحديات هوجاء جاءت كنتيجة حتمية لقطع العلاقات. حيث من البديهي أن يكون القطاع المالي الأكثر تأثرا في محاولة جدية لشل اقتصاد بلاد آل ثاني حيث أن الاقتصاد القطري لن يستطيع تجاهل ما سيؤول اليه حرمانه من التسهيلات الاستثمارية و المشاريع الاقتصادية بينه و بين الدول المعنية. اذن الحرب على الريال القطري باتت قائمة و ليس من الممكن تكهن قدرة البنك المركزي القطري على مجابهة هذا الصراع في المرحلة الحالية.
السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة في ظل هذه المعمعة هو كيف وصل الاختلاف في المواقف السياسية المتبناة الى حد قطع العلاقات الديبلوماسية بين دول متجانسة من ناحية الارث الثقافي و العرقي و الديني و اللغوي؟
هل من الممكن غض البصر عن ما وصل اليه مجلس التعاون الخليجي من تنسيق في أغلب الأمور السياسية و الاقتصادية والأمنية و الثقافية أم أن في السياسة لا تشكل الأمور غير المنطقية عقبة كما يقول نابليون بونابارت؟
يبدو أن الأيام قد دارت لتثبت أن السياسة لا تعترف بعدو دائم أو صديق دائم بل المجد كل المجد للمصلحة مما سيعطي تنبيها لبعض التحالفات الدولية و مصيرها مستقبلا.
هل من الانصاف أن يؤدي تدهور العلاقات الديبلوماسية الى قطع صلات الأرحام و تشتيت الأسر بعد علاقات التصاهر في دول الخليج؟ أنا حقا أتساءل عن مصير العائلات التي نتجت عن الزواج المختلط بعد قرار الدول المقاطعة مغادرة المواطنين القطريين خلال مدة لا تتجاوز ال 14 يوما…
الا أن الحقيقة الجلية في وسط كل هذه التساؤلات، الحقيقة التي يعلق عليها الآمال لتكون بلسما للجرح الخليجي النازف هو وحدة صف شعبه الذي يأبى الانقسام. الشعب الخليجي المسلم الذي يستند في مواقفه الى حديث الرسول صلى الله عليه و سلم: “مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم :مثل الجسد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له شائر الجسد بالسهر و الحمى”. الشعب الخليجي الواعي بحتمية وجود استفادة أطراف خارجية من أي نزاع واقع. الشعب الخليجي نفسه الذي بات معجبا بالسياسة الحكيمة التي تنتهجها السلطنة في الابتعاد عن التدخل في شؤون الاخرين و عدم اثارة القلاقل. نعم اني مؤمنة حق الايمان بالشعوب و بحكمتها و قدرتها على التصدي للفتن.
نسألك اللهم في هذه الأيام المباركة وحدة الخليج فالخريطة العربية الخائرة القوى لن تستحمل شرخا جديدا يضاف الى جروح لم تشفى بعد…