لنصنع التزاما يمشي على الأرض
بقلم:د.رجب العويسي
في حياتنا اليومية، نحن بحاجة إلى الالتزام كقيمة حياتية، ومسؤولية فردية وجماعية وعقد اتفاق أخلاقي ومهني، مبني على الاختيار الواعي السليم، وحس المسؤولية في التنفيذ ، والشعور بما يترتب عليه من تعهدات، فهو حبل عطاء ممتد ، ومنطلق لبناء الثقة، ومدخل لقراءة الاداء، بصورة يتناغم فيها المنجز المتحقق مع عمق محطات التفكير في صياغته ، ليبني على مساراته أفضل الممارسات، ونماذج عمل مضيئة تعكس روح المسؤولية، نحو الله والنفس والوطن والإنسان، حتى إذا ما كبرت في النفس قيمته، ورسخ في القلب نبضه، وانطلق في البوح ذكره، وارتسم في الحياة نغمه، انطبع في السلوك مبادئ حياة، تبني فينا الأمل بصناعة التجديد، وتنقلنا من دائرة السطحية إلى التأثير والفعل في اتساعه وعمقه ليصبح قانونا نسير به في الناس، ليكون الالتزام طريقنا الآمن الذي يمكننا خلاله أن نحقق أهدافنا الطموحة لبناء مجتمعنا، ونؤصّل الهوية التي نتميز فيها عن غيرنا، في ظل وعي بالممارسة وقدوة في السلوك وحس ظن بالآخر وثقة في أن التزامنا سبيلنا لنجاحنا وتفوق وطننا وقوة وحدتنا، ملتزمون بأن نعيش في وطننا بحب، ونتعامل مع منجزه بمهنية، وننظر إلى ثرواته باحترام، ونتخاطب مع رموزه وقياداته بإجلال، نصلح ضمائرنا، ونهذب سيرتنا ونصفّي سريرتنا، لنجعل من أنفسنا رسل محبة، ومنبر رشاد وإصلاح، ونصنع من حياتنا واقعا متجددا يملؤنا سعادة، ويمنحنا بهجة.
إن الالتزام بذلك قيمة مضافة تصنع واقعا جديدا في حياة الإنسان والمؤسسات وتتيح فرص أكبر للثقة والاعتراف ، لتظل فرص العطاء ممدودة ، وحبل الاداء مشدودا، لأن الجميع ينطلق من تعهداته ويعمل على تطبيقها، ويصنع منها واقعا عمليا، تعهد بالتجديد، وابتكار في المهمة، وتحول في الأداء، ومنهجية متوازنة في الطريقة، وسير على خطى التميز، يصنع في حياتنا قيمة ، ويبني في ذاتنا ضمير المسؤولية، بوصلة أمان توجه مسار عملنا، وتشخّص عثرة الانحراف في سلوكنا، وتضمن بقاؤنا في خط سير واضحةٌ معالمه، سالكة سبله، ممهدة طرقه، موجهة أهدافه ، تلتزم معايير أداء وتشريعات وقوانين وأنظمة ومبادئ وسياسات وموجهات داخلية وخارجية، وعلاقات دولية وعهود ومواثيق، علينا أن نفهم مقاصدها وندرك أهدافها ونستذكر آليات عملها، التزام يتسم بالاستمرارية والعمق والفهم والوعي بأهدافها، وبمسؤولياتنا نحو تطبيقها، ما يبعدها عن جانب الوقتية والذاتية والمزاجية والظرفية، ، ليكون شاهد اثبات لنا في عرف الجدارة والتميز، واستراتيجيات الشعور بالرضا والاطمئنان، ومحطة تقييم تقيس مستوى وعينا بالممارسة، وجديتنا في إظهارها في ثوب الاتقان وهيبة الجودة، لتكون لنا زادا يفتح لنا الآمال العراض بمساحات من الاعتراف ، ومحطات من الشعور بالثقة، ولغة استحقاق متجددة تقرأ منتج الالتزام في مدى اقترابه من إنسان هذا الوطن وارتباطه به، وشعور الأخير بأن ما يقدم له إنمّا هو تعبير عن صدق الالتزام ووضع التعهد في طاولة التطبيق، ليكون مدخلا يقينا عثرة التأخر ، واطار عمل يضمن لنا مساحات أكبر للجدية ، والبحث عن فرص تطبيقها في تعامل المؤسسات مع أهدافها واستراتيجية عملها ووفائها بأنظمة الجودة ، والتزامها بتحقيق الشراكة مع المستفيد، في مسؤوليتها الاجتماعية ، واختصار الاجراءات الادرية والروتينية، في اهتمامها بسعادة المستفيد ، و واقتناعه بأهمية ما تتخذه من قرارات أو توجهات ، والوقوف مع المواطن خاصة والمستفيد عامة في معالجة اشكالية الترويج التي تتجه اليها بعض المؤسسات، والتي قد تصطدم بواقع التطبيق بما يؤصل للازدواجية وازمة عدم الثقة، ويفتح المجال لممارسات أخرى قد تتجانب وضوابط الالتزام ، في تخليها عن مسؤوليتها، وتملصها من تعهداتها، وتأخر بعض المؤسسات عن بلوغ الأهداف الوطنية فيما يتعلق بالتقنية والحكومة الالكترونية، أو ضعف أطرها التطويرية عن مسايرة التحولات الحاصلة في مجال عملها، وحالات الخلل الاداري الناتج عن التناقض والاختلال الحاصل في الأهداف والتوقعات والأحلام التنظيرية، المفتقدة لاستراتيجيات التطبيق السليمة لها في الواقع .
من هنا فإننا مطالبون أن نصنع من التزامنا طريق نهضة وطننا، وقوة اقتصادنا وتفوق تعليمنا وإثراء سياحتنا، ونهج تسامحنا، وأن ننقل ما نتحدث عنه من التزامات وتعهدات بالجودة والتنافسية وتحقيق رضا المواطن واختصار الاجراءات وأطر الدعم والمساندة والاهتمام بثقة المواطن وصحته وأمنه وأمانه ، في إعلاناتنا وتسويقنا التجاري لبرامجنا ومشروعاتنا وأهدافنا ، وطموحاتنا كمؤسسات وأفراد، من مجرد كونها شعارات براقة وعبارات جوفاء وظواهر صوتية كلامية وقتية، إلى واقع فعل وممارسة راقية يلمسها أبناء هذا الوطن وبناته، تترجمها استراتيجيات عمل ومنهجيات أداء، وتعكس روح التعاون والشعور بالمسؤولية الوطنية، والحرص على جعل رضا المستفيد أولوية ، وطريق بلوغ المهمة. إن مسؤوليتنا جميعا، أن ننقل هذا الثراء الفكري والمعلوماتي والخبراتي والتجارب التي نعيشها في واقعنا العماني في مختلف المجالات، إلى صناعة وطنية تحمل هويتنا، وتتقاسم مشتركنا، وتبرز قيمنا وخصوصيتنا، وتحكي قدراتنا وإمكانياتنا، وتؤطّر ممارساتنا، لتصب جميعها في قلب الوطن وقالبه، من أجل سعادة إنسانه وتقدم بنيانه، فإن شهر رمضان المبارك صناعة حقيقية للالتزام المصحوب بقدسية الهدف ونقاء السيرة وسمو السريرة، وترفّع النفس عن كل ما يعكّر صفو الالتزام أو يحيد به عن غاياته.