مائة يوم على الرئاسة الترامبية فشل في الداخل والخارج
بقلم:جمال الكندي
حسب ما هو دارج في الحكومات ذات المنحى الديمقراطي يقيم أي رئيس دولة أو رئيس الوزراء في الحكومة البرلمانية بأدائه الداخلي والخارج، ومدي تحقيق الأهداف التي كان قد رسمها خلال فترة الدعايات الانتخابات، والولايات الأمريكية المتحدة ليست بمعزل عن هذا العرف.
فها هي الأقلام تتبارى في تحليل إنجازات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال المائة يوم الأولى له في الرئاسة الأمريكية كلاً حسب أجندته السياسية، بالمقابل على أرض الواقع أصابت مؤيدي الرئيس دونالد ترامب خاصة في توجهاته التي تتقاطع معهم في الشأن الإيراني خيبة أمل كبيرةً من تذبذب تصريحاته ، فالمعروف عن الرئيس ترامب التغيير السريع في أرائه السياسية ولا غرابة في ذلك فهو ينطلق من فكر رجل الأعمال الذي تغلب عليه سمة المنفعة المالية في اتخاذ قراراته، فنجده يرضي معسكر الحرب على إيران ونجده في مواقف أخرى تصدر منه تصريحات تتوافق مع الروسي في الشأن السوري خاصة في مستقبل الرئيس بشار الأسد فيخالف مع من توافق معه في الشأن الإيراني، وهذه هي مشكلة ترامب ضبابية التوجه السياسي في سوريا وإيران وهذا ناتج عن العجر في إيجاد استراتيجية واضحة تجاه الأوضاع في الشرق الأوسط .
قبل الحديث عن ما حققه الرئيس ترامب خلال المائة يوم الأولى في رياسة البيت البيض لابد لنا أن نوضح الخلفية السياسية التي حملها الرئيس ترامب خلال فترة الداعية الرئاسية للانتخابات الأمريكية، حيث تميزت أرائه بأنها مخالفة نوع ما عن أفكار حزبه الجمهوري لذلك راينا كثير من أعضاء هذا الحزب لا يؤيدون ترشيحه من قبل الحزب ليمثلهم في الانتخابات الرئاسية خاصةً، لكون خبرته السياسية ضعيفة مقابل فكره التجاري الذي نراه يطغى على الحنكة السياسية المراد توفرها لزعيم أقوى دولة في العالم . على هذا الإساس جاء ترشيح ترامب لرئاسة أمريكا لأن المرحلة القادمة لمستقبل أمريكا تريد هذه الشخصية الغريبة نوعاً ما عن الشخصيات التي سبقته في رئاسة أمريكا، فهي لا تراعي البروتكولات الرئاسية، وجاءت من أجل خلع ثوب العولمة الفجة التي كانت تلبسها الولايات المتحدة الأمريكية على حساب الدولة القومية في أمريكا، فجاء رجال الأعمال ترامب وأراد أن يغير هذه السياسة بسياسة جديدة عنوانها أمريكا أولاً ونحن لسنا معنيين بأن نكون شرطي العالم ولابد من الدول التي تريد منا حمايتها ان تدفع لنا الأموال مقابل ذلك وبدأ بالكلام على حلفائه الأوروبيين والعرب ، وكلامه معروف تجاه الناتو والسعودية .
سياسة ترامب في الداخل الأمريكي فشلت لوجود قوى مازالت تريد عولمة أمريكا وجعلها ملاذاً لمستضعفين من دول العالم والاستفادة منهم، فهي تقوم على التكسب من هذه العقول الهاربة من أوطانها إلى الحلم الأمريكي والرئيس ترامب يريد أمريكا للأمريكيين كما كان يصرح دوماً في معركته الانتخابية مع كلنتون، لذلك كان الفشل في الداخل الأمريكي مع أول قرارات الرئيس ترامب لأنه واجها ثوابت قامت عليها أمريكا من الصعوبة بمكان أن تتحول من العولمة إلى الوطنية الصرفة التي تقدم الأمريكي في الداخل وتهتم به مقابل فتح الأبواب وجعلها مشرعةً أمام الكل لدخولها، من هنا قبلت أول قرارات ترامب الداخلية بمعارضة من الشارع الأمريكي ومن قضائها .
وفي معرض هذا السياق ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية ” أن الرئيس الأمريكي نجح في تنفيذ سبعة وعود فقط من أصل 38 وعداً قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية، وأوضحت الصحيفة كذلك أن من ضمن الوعود التي لم ينفذها ترامب خلال المائة يوم حتى الآن هي تجديد التوظيف على الموظفين الاتحاديين ، وتعديل دستوري لفرض حدود على أعضاء الكونجرس الأمريكي ، وفرض حظر كامل على جماعات الضغط الأجنبية لجمع الأموال للانتخابات الأمريكية ، وإلغاء جميع التمويل الاتحادي ، وقانون نقل الأعمال إلى الخارج وفرض التعرفة الجمركية” ولو لحظنا هذه الوعود فإنها تصب في توجه ترامب إلى التحول من العولمة الأمريكية الفجة كما قلنا إلى الأمريكية الوطنية وهي كانت محاولة من ترامب أظهرت المائة يوم أنه فشل في الاختبار إلى الآن ولكنه مازال يحاول .
في الطرف الآخر نرى قرارات الرئيس ترامب في الشأن الخارجي كانت تتقاطع مع بعض الحلفاء خاصةً مع الكيان الصهيوني في مسالة معاداة إيران واعتبرها راعية الإرهاب، وطبعاً المقصود هنا وقوفها مع قوى المقاومة الإسلامية والوطنية في مجابهة إسرائيل، فكان التلويح بإعادة النظر في الاتفاق النووي المبرم بين إيران والمجتمع الدولي وهذا طبعاً كرمي لعين إسرائيل ومن معها ولو على حساب الاتفاق مع الشركاء الأوربيين، فخلق هذا إحراجاً بين ترامب والاتحاد الأوروبي الذي يريد الاستفادة من هذا الاتفاق من أجل مكاسبه الاقتصادية مع إيران بعد رفع الحضر عنها وحتى الآن لم ينجح ترامب في إلغاء الاتفاق أو إعادة النظر فيه بمعزل عن شركائه الأوربيين وحلفاء إيران إلى الآن ومازال الاتفاق ساري المفعول .
وفي المسالة السورية نرى التخبط في التصريحات الترامبية وإدارته حيال الرئيس بشار الأسد في أن مستقبله السياسي يقرره الشعب السوري، وهذا طبعاً يتقاطع مع التوجه الروسي ولكن لا يرضي حلفاء أمريكا من العرب والأتراك ومن الدولة العميقة في أمريكا التي مازالت تمسك بخيوط اللعبة الأمريكية وتحرك رئيسها حسب مصلحة تجار الأزمات في أمريكا ، وعندما تأزمت العلاقة بينه وبين الإعلام المسير من قبلهم أرد ترامب إرضاء هذه المؤسسة وحلفائه العرب والأوربيين ويبين لهم أنه ليس كرئيس السابق فهو يضع خطوط حمر ويعاقب من يتجاوزها، فقامت من أجل ذلك صواريخ توم هوك الأمريكية بقصف قاعدة الشعيرات في سوريا على خلفية مسرحية كيمياوي خان شيخون المفبركة، والتي أريد منها تلميع الرئيس ترامب في الداخل الأمريكي أكثر منها إعلان رسائل حرب على الدولة السورية وحلفائها .
هذا فشل أخر في رصيد الرئيس ترامب في القرارات الخارجية فنراه تارة يصعد لإرضاء حلفائه، وتارةً يتفق مع حلفاء سوريا في شأن الرئيس بشار الأسد وفي حربه ضد الإرهاب، وهذا يدل على ضعف الشخصية السياسية التي تقود الرئيس ترامب وتخبطه بين مبادئ العولمة الأمريكية المصنعة من قبل منظري الإمبريالية الغربية التي تسيطر على القرار الأمريكي، وبين التوجه إلى الانكفاء في الداخل الأمريكي من أجل بناء أمريكا قوية اقتصادياً وعسكرية للمحافظة على الثوابت الأمريكية في الداخل الأمريكي ، وهذه السياسة تواجهها عقبات حكومات الظل الأمريكية التي تحاول إيجاد عقبات أمام الرئيس ترامب لعدم تحقيق ذلك .