رغم شظف العيش كانت سعيدة
كتب-لبخيت زعبنوت
الجدة خير تبلغ من العمر 74 سنة ، تعيش مع أبنائها وأحفادها في عائلة ممتدة في قرية شنقور بمحافظة ظفار، عاشت الجدة عبر مراحل مختلفة تمثلت بدايتها والجزء الأكبر من سنواتها الماضية بين الجبال الشاهقة وفي حياة تميزت بالصعوبة وشظف العيش ومن جانب آخر تميزت بالبساطة والسعادة بين الأهل والأقارب. عاشت الجدة خير بين مرحلتين مختلفتين جدا فترة ما قبل النهضة وما بعد النهضة، واجهت العديد من الصعوبات في حياتها وكافحت مع أهلها من أجل العيش والاستمرار، ولقد أجريت معها حوار حول ذكرياتها وحياتها الماضية وعن المواقف البارزة فيها وحول الحياة التي تعيشها الآن في الحوار التالي:
ذكريات الجدة
تقول الجدة في تصفحها لسجل ذكرياتها القديم والذي قد يسعدها حينا ويبكيها حينا آخر لما في الذكريات من أحداث متباينة: لم نعش حياتكم يا بني التي تعيشونها الآن ، فمنذ ولادتي التي كانت في تلك الجبال الشاهقة – تشير الجدة الى جبال مطلة على القرية التي تعيش فيها حاليا- ونحن بين تنقل وآخر خلف مساقط الامطار ومنبت العشب، من أجل المواشي التي كنا نمتلكها آن ذاك التي تعتبر مصدر رزقنا الوحيد، حيث كانت والدتي تحملني -رحمها الله -أثناء التنقل والترحال على ظهرها، ولما كبرت قليلا كان الواجب المعروف مني أن أساعد أهلي رغم حداثة سني فتعلمت دبغ الجلود وصناعة القرب -أدوات جلدية لحفظ الماء- من والدتي وأنا في العاشرة من عمري وكنت أرعي الغنم في الجبل أثناء النهار وعند المساء كنت أجلب الماء من العيون المائية لنطهي الطعام عند تجمع أفراد العائلة وذلك عندما يحل الظلام ليأكل الجميع بعد فتره من العمل الشاق وكنا ننام مباشرة بعد صلاة العشاء لكي نقوم مبكرا، فلم نكن نعلم شيء اسمه الكهرباء ولا حتى أجهزة الهاتف الحالية غير جهاز واحد وهو المذياع الذي أهداه عمي لأبي عندما أتى من خارج السلطنة، وهكذا كانت تتكرر تلك الايام على ذلك الروتين، ولكن رغم ذلك كنا نعيش بسعادة جدا بين الأهل والأقارب الذين لا نفارقهم الا أوقات العمل والنوم.
ولادة في الجبل
وعندما كبرت تزوجت بإبن عمي الذي طلبني من أبي ووافق عليه، لأنني قلت لأبي رأيي من رأيك، انتقلنا أنا وزوجي للعيش معا لنكمل تلك الحياة التي لم تختلف على ما كانت عليه خلف الكلاء والماء، وأتذكر عندما ولدت ابني الأكبر كنت تلك اليوم مع المواشي في الجبل وكنت بعيدة عن المنزل وليس معي أحد، حيث لدت والحمد لله بيسر وأتيت المساء وأنا أحمله بين يدي الى المنزل ليستقبلني زوجي الذي ظهرت عليه علامات التعب والحزن، فكيف لامرأة قرب موعد ولادتها أن تعمل بهذا المقدار ولككنني لم ألومه لأنه كان يعمل على جني اللبان وبيعه لنحصل على لقمة العيش، أخذ مني الطفل، وذهب الى المنزل وأتذكر أنه تلك الليلة ذهب ليجلب أمي رغم الظلام الدامس في تلك الجبال لتجلس عندي بضعة أيام، وفي اليوم التالي ذبح زوجي غنمتان ترحيبا بالمولود الجديد. استمرت تلك الحياة ورزقنا الله بأطفال آخرين واكتملت العائلة ومرت السنين الى أتى شخص – السلطان قابوس – غير مجرى الحياة بإذن الله في السلطنة وتغيرت أشياء كثيرة لم تخطر على البال آن ذاك، قمنا بالنزول الى القرى حيث كانت هناك بدايات بسيطة للتعليم والخدمات الصحية البسيطة، وكان الأعوام تمشي عاما بعد عام وكل عام
يأتي شيئا جديد.
اشتقت للماضي
تقول الجدة في حديثها: انتشر التعليم والمستشفيات في ربوع السلطنة وجميع خدمات البنية التحتية والبيوت والمنازل وصرنا نعيش ولله الحمد في رفاهية دون مشقة أو تعب، ولكن اشتقت للماضي وكل ما فيه ، اشتقت لرحابة السهول الخضراء وأنفة الجبال الشاهقة ، اشتقت لأهلي وصاحباتي، اشتقت للهدوء وصوت الطبيعة وبساطتها ، اشتقت للقناعة وراحة النفس، اشتقت لكل شيء في تلك الأيام، وفي لحظات معينة تقف الجدة عن الكلام وتمسح دموعها لتعود للحديث مرة أخرى: ابني ذكرتني بالماضي الذي لم أنساه، فهناك ذكريات مؤلمة أحاول تناسيها ولا أستطيع.
وأضافت كذلك الجدة خير: إن ما نراه الآن من كثرة التذمر على أمور تافهة يجعلني في شدة الاستغراب فالمرأة الآن لا تحتاج الى جلب الماء أو الحطب للطعام وليست مجبوره للخروج في الشمس وكل شيء متوفر لديها في المطبخ ومع كل ذلك تجدها شديدة التذمر ولا تؤدي حقوقها لزوجها كما ينبغي، فالزوج يحتاج الى من يخفف عنه متاعب العمل ويحتاج أن يجد الطعام بعد يوم شاق ومتعب، أما ما نلاحظه في الآونة الاخيرة من مشاكل زوجية وخلافات سببها عدم معرفة كل شخص بمهامه المنوطة به.
نصيحة
وفي نهاية الحوار تقول الجدة خير: أحب أن أوجه كلمة الى كل شخص يعيش في حدود هذه الدولة سواء كان مواطنا فيها أو مقيما ،نريد أن نعيد التلاحم بيننا وأن نحافظ على قيمنا وعاداتنا الأبية الجميلة ولا نترك العولمة تمسح هذه القواعد الثابتة من الوجود وعلينا بالدين فحياتنا بدونه لا تسوى جناح بعوضة، فإن العيشة الهنية والسعيدة لا تأتي بالمال والجاه فقط وانما بالقناعة والعيشة بدون حقد أو شحناء فهذه الحياة غير مضمونة لأحد ولا مهرب من الموت ولذلك علينا أن نستعد للحياة الآخرة بالدين القويم والقيم النبيلة.