الهوية العُمانية كرافدٍ للصحة النفسية .. دعائم الإنسان العُماني بين الأصالة والرفاه في ظل رؤية 2040
بقلم : ملاك الغفيلية
ماجستير علم النفس التربوي
أخصائية نفسية
في زمنٍ تتسارع فيه وتتعاظم فيه التحديات النفسية التي تواجه الأفراد والمجتمعات، لم تعد الصحة النفسية ترفًا أو مطلبًا هامشيًا؛ بل باتت حاجةً إنسانيةً ملحّة، وأحد أبرز مؤشرات جودة الحياة وركائز استقرار المجتمعات. ومن هنا يبرز الدور الحيوي الذي تؤديه الهوية الوطنية في دعم السلام الداخلي وتعزيز التوازن النفسي لدى الأفراد. فالهوية العُمانية، بما تحمله من عمقٍ حضاريٍّ وتجذّرٍ ثقافيٍّ، ليست مجرّد إطارٍ معرفيٍّ، بل هي مأوى وجدانيٌّ يُشبع حاجة الإنسان إلى الانتماء، ويثبّت أقدامه في مواجهة القلق والاغتراب النفسي.
لقد تكوّنت الشخصية العُمانية عبر قرونٍ من التجربة الحضارية والتفاعل الواعي مع الثقافات الأخرى، مرتكزةً على ثوابت متينة من التسامح، والحكمة، والتوازن؛ وهي قيمٌ تأصّلت في البيئة العُمانية منذ آلاف السنين وأسهمت في صياغة نمطٍ نفسيٍّ هادئٍ ومستقر، انعكس أثره على سلوك الأفراد والمجتمع. وفي ضوء رؤية عُمان 2040، التي جعلت “الإنسان” محورًا لكلِّ تحولٍ وهدفًا لكلِّ تنمية، أمسى من الضروري استحضار الهوية الوطنية كأداةٍ فاعلةٍ في تعزيز الصحة النفسية، لا سيّما لدى الشباب الذين يواجهون ضغوط العولمة، والانفتاح الثقافي، وصراع القيم.
وعندما تُغرس الهوية الوطنية في النفوس منذ الصغر، عبر التعليم والتربية، تتحوّل إلى درعٍ نفسيٍّ متينٍ يُحصّن الفرد من الذوبان في ثقافاتٍ مغايرة، ويمنحه القدرة على التفاعل الواعي مع متغيّرات العصر دون أن يفقد توازنه أو انتماءه.
ولذا، فإن تعزيز الصحة النفسية في المجتمع العُماني لا يُختزل في تقديم الخدمات العلاجية أو الدعم النفسي فحسب؛ بل يرتكز على عمليةٍ تربويةٍ شاملةٍ تبدأ من الطفولة، تُعنى بترسيخ الانتماء، وتعزيز الهوية، وربط الفرد بجذوره الثقافية والتاريخية. وتأتي هذه الرؤية منسجمةً مع فلسفة التعليم في رؤية عُمان 2040، التي تسعى إلى بناء شخصيةٍ متكاملةٍ للطالب، متجذِّرةٍ في هويّتها، وقادرةٍ على التكيّف والإبداع والإسهام في تنمية الوطن. وفي هذا السياق، تُعدّ البيئة المدرسية الآمنة والداعمة عنصرًا حاسمًا في تعزيز الشعور بالانتماء، والنمو النفسي والاجتماعي المتوازن. فالصحة النفسية لا تعني فقط غياب الاضطرابات النفسية، بل هي حالةٌ من الاتزان الداخلي والنضج الانفعالي، تتحقق حين يُمنح الإنسان بيئةً تعليميةً وثقافيةً تُغذّي وجدانه برموز وطنه وقيمه، وتدعمه في بناء هويّته الذاتية والاجتماعية بثقةٍ ووعي.
وختامًا، تظل الهوية العُمانية ركيزةً أساسية لتعزيز الصحة النفسية في ضوء رؤية عُمان 2040، لما توفره من شعورٍ بالانتماء والاعتزاز، وما ترسِّخه من قيمٍ قادرةٍ على مواجهة تحديات العصر. وهكذا لا تغدو الهوية مجرد بُعدٍ ثقافي، بل ضرورةٌ وجوديةٌ لاستقرار الفرد وازدهار الوطن.