المقالات

الدبلوماسية العُمانية وآفاق رئاسة ترامب

وهج الخليج – مسقط

أكد جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لمركز دراسات وتحليلات دول الخليج في واشنطن “دي سي” أن سلطنة عُمان تعد واحة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب، حيث تعزو نجاح سياستها الخارجية إلى حد كبير إلى حيادها. وأوضح كافيرو في مقال نشره ” معهد أوريون للسياسات” وهو مركز أبحاث مستقل مقره في واشنطن “أن للدبلوماسية العُمانية القدرة على مساعدة الرئيس دونالد ترامب على الوفاء بوعده الانتخابي لعام ٢٠٢٤ بأن يصبح صانع سلام في الشرق الأوسط”.
وقال كافيرو أن العُمانيون يؤكدون أن حيادهم لا يعني اللامبالاة بالنزاعات الإقليمية، بل على العكس، تُشجع سلطنة عُمان شكلاً من أشكال “الحياد الإيجابي” أو “الحياد البنّاء”، حيث تتجنب عمومًا الانحياز إلى أي طرف في النزاعات، ثم تلعب دورًا فاعلًا في الحوار والوساطة الإقليمية والدولية ـ وهو دور يُشيد به رجال الدولة حول العالم لمسقط. يتمتع العُمانيون بتاريخ عريق في هذا المجال الدبلوماسي، مما يجعلهم يتمتعون بخبرة ومهارة استثنائية في هذه الممارسة، التي تتطلب صبرًا وفهمًا إقليميًا عميقًا. لقد أثبتت عُمان فعاليتها في العديد من الأزمات بما في ذلك الحرب الإيرانية العراقية (1980 ـ 1988)، والأزمة اليمنية (2015 حتى الآن)، وحصار قطر (2017 ـ 2021)، ومحادثات إعادة التطبيع السعودية الإيرانية (1988 ـ 1991 و2021 ـ 2023).
إن ما تعنيه ولاية ترامب الثانية لسلطنة عُمان بالنسبة لـ”الحياد الإيجابي” سؤالاً مهماً، لا سيما تجاه اليمن وإيران، فمع استعادة الرئيس الأميركي “الضغط الأقصى” على طهران وتكثيف حملة القصف الأمريكية ضد “أنصار الله” في اليمن تضطلع سلطنة عُمان بدور فريد في تخفيف التوترات في الشرق الأوسط، مع مساعدة واشنطن على تحقيق بعض أهداف سياستها الخارجية المعلنة، مثل إبرام اتفاق نووي جديد مع طهران.
يُحذّر المسؤولون في مسقط من امتداد عدم الاستقرار في دولة اليمن، التي تشترك مع سلطنة عُمان في حدود تمتد 187 ميلاً، وفوق كل شيء، ينصب اهتمام سلطنة عُمان الرئيسي في اليمن على تعزيز الاستقرار، وهو ما يُفسر إلى حد كبير التزام مسقط بمساعدة اليمنيين على إيجاد حلول دبلوماسية لصراعاتهم، ومواجهة التحديات الإنسانية، والعمل مع السلطات اليمنية لمواجهة الجماعات المتطرفة العنيفة، مثل تنظيم القاعدة وفروعه المحلية في منطقة البحر الأحمر.
ومن دواعي القلق في سلطنة عُمان النهج العسكري لإدارة ترامب تجاه “أنصار الله” وأمن البحر الأحمر، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في اليمن، مع تداعيات مزعزعة للاستقرار به وبدول أخرى. وفي هذا السياق، أعربت مسقط عن قلقها إزاء التصعيد المستمر للعنف في اليمن، الذي بدأ في 15 مارسمع القصف الأمريكي لصنعاء وأجزاء أخرى من اليمن، ويُعتقد عموماً أن هذه الضربات استهدفت اليمن كدولة، وليس “أنصار الله” كجهة فاعلة غير حكومية.
وتدعو سلطنة عُمان دوما إلى الحوار والدبلوماسية كبديل لقصف اليمن، علاوة على ذلك، يرى العمانيون أن الطريق إلى أمن مستدام في البحر الأحمر يمر عبر وقف إطلاق نار مستدام في غزة ورفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية للقطاع الممزق بالحرب، وليس عبر العمل العسكري ضد أي طرف يمني، على الرغم من معارضة صانعي القرار في سلطنة عمان لهجمات “انصار الله” على التجارة الدولية، إلا أن مسقط ظلت ملتزمة بالحفاظ على قنوات الاتصال مع الجماعة اليمنية، حيث تستضيف السلطنة المتحدث باسم الحركة في مسقط، مما يجعلها مركزًا لفتح قنوات تواصل بين “أنصار الله” والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى.
إن دعوة مسقط إلى حلول دبلوماسية للأزمات في اليمن تتوافق مع تقاليد وقيم السياسة الخارجية لسلطنة عمان، وبصفتها الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تنضم إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن قبل عقد من الزمان، سرعان ما رسخت سلطنة عمان مكانتها كجسر دبلوماسي فعال بين “أنصار الله” من جهة، والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من جهة أخرى، في ذلك الوقت، اعتبرت الرياض وبعض العواصم العربية الأخرى رفض مسقط الانضمام إلى التحالف المناهض لـ”أنصار الله” علامة على الحياد السلبي من جانب سلطنة عمان مشتبهةً في أن علاقة السلطنة الودية مع إيران كانت عاملاً رئيسيًا. ولكن مع تحول الحملة إلى مستنقع مكلف أضر بمصالح الأمن القومي السعودي، بدأت الرياض تنظر إلى علاقة سلطنة عمان بالجماعة اليمنية على أنها إيجابية ومفيدة.
كانت الهدنة بين الرياض و”أنصار الله” التي دخلت حيز التنفيذ في أبريل 2022 إلى حد كبير نتيجة للمفاوضات التي عُقدت برعاية عُمانية. واليوم، يشعر السعوديون بالامتنان لأنه على الرغم من كل العنف في اليمن، فإن “أنصار الله” لا يطلقون الصواريخ والطائرات المسيرة على أهداف في مملكتهم. وينطبق الأمر نفسه على الإماراتيين وبلادهم، التي هاجمها “أنصار الله” في يناير 2022، حيث تتشاطر جميع دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء البحرين، مخاوف سلطنة عُمان إزاء الضربات الأمريكية ضد “أنصار الله” التي تُهدد أمن الخليج، نظرًا لخطر رد “أنصار الله” على القواعد العسكرية الأمريكية في دول مجلس التعاون. وبدلًا من اعتبار علاقة سلطنة عُمان بـ””أنصار الله” تهديدًا لأمنها، ترى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى أن انخراط مسقط الدبلوماسي مع “أنصار الله” بنّاء من منظور تعزيز السلام والاستقرار في اليمن.
لقد استطاعت مسقط توظيف أوراقها الدبلوماسية بما يخدم مصالح واشنطن في اليمن، بدءًا من التفاوض على وقف إطلاق النار الذي أوقف هجمات “أنصار الله” على السعودية، وتأمين حرية المواطنين الأمريكيين المعتقلين في المناطق التي يسيطر عليها الجماعة اليمنية، وصولًا إلى التوسط في إطلاق سراح طاقم سفينة “جالاكسي ليدر”. بشكل عام، يمكن لسياسة سلطنة عُمان الخارجية المتوازنة تجاه اليمن أن تستمر في خدمة المصالح الأمريكية من خلال الحفاظ على قناة اتصال خلفية موثوقة وفعالة بين واشنطن و”أنصار الله”. إن حث مسقط على قطع جميع علاقاتها مع “أنصار الله” من شأنه أن يُضعف هذا الجسر الدبلوماسي، ويجعل إيران وروسيا الدولتين الوحيدتين اللتين يمكن للولايات المتحدة من خلالهما التعامل مع “أنصار الله”.
وفي سياق مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرامية للتفاوض على اتفاق نووي جديد مع إيران، تلعب سلطنة عُمان دورًا محوريًا في التواصل بين البيت الأبيض وطهران.
الجدير بالذكر أن إدارة ترامب أرسلت رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عبر الإمارات العربية المتحدة. إلا أن الرد الإيراني جاء عبر سلطنة عُمان، وهو أمرٌ غير مفاجئ، نظرًا لكونها الدولة الأكثر ثقةً بين دول مجلس التعاون الخليجي في نظر طهران. علاوةً على ذلك، لا توجد نزاعات إقليمية بين إيران وسلطنة عُمان، على عكس دولة الإمارات وإيران اللتين تتنازعان على ثلاث جزر خليجية. وفي عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ أصبحت سطلنة عُمان أول دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي تُرسّم حدودها البرية والبحرية بالكامل، وهو ما رأته مسقط ضروريًا من منظور السلام والأمن في السلطنة، والذي لن يتحقق إلا بتمتعها بعلاقات خالية من النزاعات مع الدول المجاورة. وقد تم التأكيد على اجراء مباحثات غير مباشرة بين طهران وواشنطن في مسقط السبت القادم بقيادة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ووفودهما المعنية، وسيتولى وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي دور الوسيط فيما سيكون أول تواصل دبلوماسي من نوعه بين طهران وواشنطن منذ بداية ولاية ترامب الثانية.
إن التعامل مع الشرق الأوسط يتطلب من الولايات المتحدة إشراك جهات فاعلة مثل “انصار الله” وإيران، ويُعد العمل مع دول مثل سلطنة عُمان وقطر وسويسرا أمرًا بالغ الأهمية من حيث وجود قنوات خلفية موثوقة تُمكّن من إجراء مثل هذا الحوار. وبينما تُوفر سلطنة عُمان منصةً للمحادثات مع “أنصار الله” والمسؤولين الإيرانيين، فإن “الحياد الإيجابي” الذي تتبناه يمكن أن يُساعد ترامب على الوفاء بتعهده الانتخابي لعام 2024 بأن يصبح صانع سلام يمنع الولايات المتحدة من الانجرار إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، حيث تعد سلطنة عمان لاعبا إقليميا يتحالف مع الغرب في العديد من القضايا، ويتعاون بشكل وثيق مع واشنطن ولندن في قضايا مكافحة الإرهاب، ويلعب دوراً قيماً كجسر دبلوماسي إلى صنعاء وطهران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى