قوة الدول
بقلم : مسلم بن أحمد العوائد
قوة الأمم والدول تستمد قوتها من قوة شعوبها، وهذه القوة تبدأ بوعي المجتمع بمفهوم الدولة من خلال عقيدة سليمة خالية من شوائب التعصب الطائفي و المناطقي و الحزبي، وكذلك قوة النظم القضائية والرقابية الفاعلة في مكافحة الفساد والفاسدين، وفي تمكين سياسات تعليمية تتطور مع التطورات التقنية والعلوم الانسانية والفضاء، فالتعليم الحقيقي ينطلق من تربية سليمة، وهذه التربية تتحقق عبر استغلال مختلف محاضن التربية، مثل الأسرة، والمدرسة، والأندية، والمجالس الأهلية وتفعيل دور المسجد والسماح للائمة القيام بدروس ومحاضرات اسبوعية او يومية كل حسب قدراته العلمية.
إضافةً إلى ذلك، فإن تعزيز الاقتصاد الوطني يمثل ركيزة أساسية في قوة الدول، وذلك من خلال إنشاء المصانع، وخاصة في قطاع الأمن الغذائي والصناعي والسياحي والتجاري، وقبل ذلك تسهيل الإجراءات الإدارية والمالية والاستثمارية، ودعم الباحثين عن العمل بتوفير فرص وظيفية متنوعة. يُعدّ حجر الأساس في بناء شعوب ودول قوية.
هذا قبل…
أما بعد…
شهد العالم الرأسمالي في عام 1929 أزمة اقتصادية حادة استمرت حتى منتصف الثلاثينيات، عُرفت باسم أزمة “الكساد الكبير”، وكانت الولايات المتحدة من أكثر الدول تضرراً، حيث انهارت أسواق المال، وأفلست معظم البنوك والشركات الكبرى، وارتفعت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق.
حينها أطلق الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت سياسة “العهد الجديد”، اساسها ضخ الأموال في الأسواق، وتقديم الإعانات للباحثين عن العمل، ودعم المصانع، وإنقاذ بعض البنوك، وتعزيز القطاع الزراعي. وبفضل هذه السياسة الجريئة، تعافت الولايات المتحدة بسرعة، وأصبحت اليوم من اقوى اقطاب العالم في كل المجالات.
يُستفاد من هذه الأزمة أن القوة الاقتصادية، من أهم ركائز قوة الشعوب والدول، وأن أي أزمة اقتصادية إذا لم تُعالَج في مهدها، فقد تؤدي إلى انهيارات كارثية، كما حدث في الكساد الكبير.
أخيرًا…
أوصى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفته بقوله: “…ولا تجعل المال دُولةً بين الأغنياء منهم، ولا تُغلق بابك دونهم، فيأكل قويُّهم ضعيفهم.”.
إن غلق الأبواب أمام المحتاجين والمظلومين، وحصر الثروات في أيدي فئة محددة، يؤدي بلاشك إلى ازمات مختلفة، وخاصة الإقتصادية منها والإجتماعية والسياسية والأمنية، قد تصل إلى مستوى خطير يهدد استقرار قوة الشعوب و الدول.
ختامًا…
لقد أنقذت سياسة “العهد الجديد” للرئيس روزفلت الاقتصاد الأمريكي من الانهيار، وأعادت التوازن بين الدولة والشعب، عبر ضخ الأموال في الأسواق، ودعم الشركات الواعدة، وإنقاذ البنوك، وقبل ذلك دعم الباحثين عن العمل، ومحاسبة الفاسدين مباشرة ودون تسويف او مجاملة.
عند الأزمات، تتجلى معادن الرجال الأوفياء، الأقوياء الأمناء، الذين يغلقون أبواب الفتن، ويفتحون قلوبهم وأبوابهم للمحتاجين والمظلومين، لأن عقيدتهم مستمدة من القيم الاسلاميةالسمحة، هؤلاء تقوى بهم الشعوب والدول، وفي المقابل، يفرّ الضعفاء والجبناء، أصحاب الأموال الفاسدة، ومناصب الابراج العاجية، لأن عقيدتهم وولاءهم للمصالح الشخصية فقط، هؤلاء تضعف بهم قوة الشعوب والدول بل وتنهار.