التخريب الأيديولوجي
بقلم: مسلم بن احمد العوائد
تحدث يوري ألكسندروفيتش بيزمينوف، العميل السابق للاستخبارات الروسية، الذي انشق عن جهاز الاستخبارات 1970 م ، عن مفهوم التخريب الأيديولوجي، مؤكداً أن معظم أجهزة الاستخبارات العالمية تركز على هذا النوع من التخريب دون الحاجة إلى خوض حروب عسكرية. (المصدر: مقابلة أجراها عام 1984م، بالإضافة إلى محاضراته المتوفرة على موقع يوتيوب). اوضح أن التخريب الأيديولوجي يستهدف الدول عبر أربع مراحل رئيسية:
1. المرحلة الأولى – إسقاط الدين والأخلاق والروح المعنوية:
تستغرق هذه المرحلة من 15 إلى 20 عاماً على الأقل، تستهدف العقيدة، وهرم السلطة، واستبعاد الكفاءات الوطنية، مع إحلال أسوأ الكفاءات في المناصب القيادية المهمة، وهي المدة الضرورية لتغيير فكر وثقافة جيل.
2. المرحلة الثانية – زعزعة الاستقرار:
يتم ذلك من خلال إذكاء الفتنة الطائفية اوالمذهبية او المناطقية او الحزبية، كالتضييق على مكون معين والسماح لآخر بالسيطرة.
3. المرحلة الثالثة – الأزمة:
تُفتعل في هذه المرحلة أزمات اقتصادية، واجتماعية، ويتم تمويل المظاهرات ونشر الفوضى للخروج على نظام الدولة.
4. المرحلة الرابعة – التطبيع:
تُصبح الدولة في هذه المرحلة عرضة للاستيلاء بسهولة بعد تشكيل قيادات ضعيفة وانتشار ثقافة الفساد، والجهل، والظلم، والإقصاء.
هذا قبل…
أما بعد…
لماذا استهداف العقيدة والدين والأخلاق في المرحلة الأولى؟ ولماذا تستغرق هذه المرحلة 25 سنة على الأقل؟
لأن العقيدة هي مفتاح القوة والنصر والبناء الحضاري. فعندما تكون العقيدة قوية، تبقى الامم والحضارات قوية واذا ضعفت تنهار حضارات عظيمة. على سبيل المثال:
حضارة الأندلس استمرت أكثر من 800 عام، وخلال هذه المدة الطويلة تعرضت لهجمات مختلفة ولكن لم تُهزم بعون من الله ثم بعقيدتها القوية والكفاءة العالية للقيادات الرسمية والاجتماعية والقدوات الدينية. ثم استخدم الخصوم سلاح ” القوة الناعمة” من اجل اضعاف الدين و الأخلاق والروح المعنوية (العقيدة)، خاصة بين الشباب، ودعم قيادات ضعيفة وغير كفؤة لتولي السلطة، حينها فقط انهارت حضارة استمرت ٨٠٠ عام.
الدولة العباسية أيضا انهارت حينما تولى الحكم دخلاء وقيادات تفتقر إلى العقيدة والكفاءة والولاء، أُهملت المجتمع ومؤسسات الدولة ، وخاصة العسكرية، مقابل الإسراف على الرفاهية والقصور والحاشية. والنتيحة السقوط المأساوي على يد التتار.
في المقابل، عندما تصدى لقيادة الأمة رجال أقوياء في عقيدتهم وكفاءتهم كصلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس:
انتصر المسلمون على التتار في معركة “عين جالوت”، رغم أنهم كانوا قد أخضعوا مناطق واسعة من أوروبا وآسيا. وكذلك استعاد المسلمون القدس في معركة حطين بعد حوالي 90 عامًا من الاحتلال الصليبي. وفي كلا المعركتين جيوش الصليبيين والتتار كانوا اضعاف جيوش المسلمين. إنها قوة العقيدة والكفاءة والولاء والانتماء بعد توفيق الله.
والشواهد والامثلة التاريخية والحالية حية.
اخيرا…
كيف نحمي الأجيال من التخريب الأيديولوجي؟ يمكن ذلك من خلال التركيز على؛ اختيار قيادات مؤهلة وصادقة تمتلك عقيدة سليمة، وتعمل على تحقيق المصلحة العامة، وتسليح الشباب بالعقيدة الإسلامية السمحة والمبادئ الراسخة التي تعزز فيهم الولاء والانتماء، و نشر العلم والمعرفة وخاصة في زمن الذكاء الاصطناعي لبناء وعي حقيقي، قادر على التمييز بين الحق والباطل، و معاملة الناس بالحكمة والعدل والمساواة، ونبذ الفتن الطائفية و تعزيز الوحدة الوطنية وعقيدة الولاء والانتماء.
ختاماً…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم”. في الإسلام، الأصل هو إحسان الظن بالناس ومعاملتهم بما يظهر منهم، لا بما يُظن من بواطنهم. وهذه امانة على كل من تولى مسؤولية، سواء كان وزيرًا، او مديرًا، او اعلى او دنى من ذلك. لأن التركيز على بواطن الناس وتصيد الأخطاء يُفسدهم، وهذا يؤدي إلى إفساد الافراد و المجتمع ، ثم الفتن والاضطرابات.
احسان الظن بالناس ضرورة لكسب ثقة الافراد والمجتمع، ثم بناء العقيدة والفطرة السليمة وخاصة بين الشباب، قبل بناء القوة الاقتصادية و العسكرية والاجتماعية.