المقالات

الإقصاء في قانون المحاماة والاستشارات القانونية

بقلم: الدكتور بدر المسكري
جامعة السلطان قابوس – كلية الحقوق

لطالما كان حسن السياسة التشريعية يقتضي من المشرّع سبك النصوص التشريعية بما يحقق غايات التشريع النبيلة الرامية إلى تنظيم جانب حياتي يراه المشرّع بحاجة للتنظيم والتأطير القانونيين، ولا ينفصل عن ذلك أن يكون رائد المشرّع عند صياغة النص التشريعي توخي عموميته وتجرده، وبخلاف ذلك فإن النص يغدو فاقداً لطبيعته القانونية وخصائصه البنيوية، ولا أجد أعيب على النص التشريعي من تعمده إقصاء شرائح مجتمعية من نطاق تطبيقه دونما مسوّغ واضح يبرره فيجعله مقبولاً لدى المجتمع قابلاً للحياة والتطبيق العملي، وإذا كان من المستغرب لدى متتبع التشريعات العُمانية أن يشاب قانون عُماني بوصمة الإقصاء فإن قانون المحاماة والاستشارات القانونية الجديد قد أخذ راية السبق في هذا النهج المستغرب وغير المعتاد، فالبيئة العُمانية بجميع أطيافها – والتشريعية أحدها – دأبت على استيعاب الجميع تحت مظلة التطوير والإصلاح والنهوض بمجالات الحياة على نحو تشاركي تعاوني، لا إقصائي أو انفرادي.
ولعل أبرز مظاهر الإقصاء الذي اشتمله القانون المذكور استبعاده لأعضاء هيئة التدريس بكليات الحقوق من ممارسة مهنة المحاماة؛ بحيث يمتنع عليهم جمع التدريس مع مهنة المحاماة؛ إذا كانت غاية هذا المنع ضمان تفرغ المحامي لأعمال مهنته فإن هذه الغاية تغدو حجة واهنة أمام مسقطاتها الكثر؛ إذ لا يخفى على القارئ القانوني أن يدرك مدى الإثراء الكبير الذي يضيفه الأكاديمي القانوني لمهنة المحاماة، والعكس كذلك فالأثر جم على طلبة كليات الحقوق حين يكون مدرسهم محام متخصص يسقط خلاصات خبرته على الجانب النظري في مقرراتهم الأكاديمية، بل إن حظر الجمع بين المهنتين قد يفرز إشكاليات عملية أقلها تفريغ الأوساط الأكاديمية القانونية من المحامين العُمانيين المتميزين، أو تفريغ مهنة المحاماة من الأكاديميين العمانيين الألمعيين، وهو مالم يتنبه إليه المشرع العُماني في القانون أعلاه.
وقد تنبهت العديد من التشريعات العربية لأهمية الجمع بين عضوية هيئات التدريس في كليات الحقوق وبين مهنة المحاماة وجعلته استثناءً على حظر الجمع بين الوظيفة بين المحاماة؛ ونذكر على سبيل المثال قانون المحاماة الكويتي الذي نص في المادة 12 (… ويستثنى من حكم البند (4) المحامون المشغلون الذين يعملون في مكاتب المحامين والمشتغلين والكويتيين من أعضاء هيئة التدريس بكلية الحقوق جامعة الكويت الذين لا تقل درجتهم عن أستاذ مساعد بشرط الحصول على إذن خاص من السُلطة المختصة بالجامعة …)، وكذلك نجد أن قانون نقابة المحامين النظاميين الأردنيين في نص المادة 11 على (…. لا تسري أحكام هذه المادة على الاشتغال بالصحافة الحقوقية والثقافية وعضوية المجالس التمثيلية وعضوية هيئات التدريس في كليات الحقوق الأردنية أو العمل في نقابة المحامين بتفرغ كامل أو جزئي).
وكذلك يتجلى المظهر الثاني من مظاهر الإقصاء في القانون الحالي في إقصاء خريجي الشريعة الإسلامية في حين كان القانون السابق يسمح لهم بممارسة المهنة، وهذا الإقصاء لا يمكن فهمه وتبريره ومعرفة دوافعه خصوصاً أنه استثنى من حصل على شهادة الشريعة الإسلامية لمن سبق له العمل في الوظائف القضائية ووظائف الادعاء العام لمدة لا تقل عن 10 سنوات مع العلم أنه كان يمكن أن يشترط حد أدنى من مواد القانون التي يجب على الخريج أن يستوفيها، وكذلك يمكن أن يتطلب لتقييد المحامي من خريج الشريعة في جداول المحامين النجاح في اختبار تضعه اللجنة المختصة لضمان توفر المعرفة والعلم الكافي للخريج. كما أن الجهات القانونية المختصة مثل الادعاء العام والقضاء تشترط للمتقدم في وظيفة معاون ادعاء عام أو وظيفة مساعد قاضي الحصول على مؤهل البكالوريوس في القانون أو الشريعة الإسلامية فكيف للجهات أن تقبل خريجي الشريعة الإسلامية ولا يتم قبولهم في مهنة المحاماة.
وفي الختام أود الإشارة إلى أن الهدف من تحديث وتطوير القوانين هو تحسينها لتكون مواكبة لمتطلبات الواقع وليس بغرض الإقصاء والتهميش والذي تحرص الكثير من الاتفاقيات والقوانين الدولية للحد منه، وقد علمتنا الحياة أن الإقصاء عندما يبدأ لا ينتهي عند حد معين وهذا أمر يدعو للقلق من القادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى