أداء المحافظين في الميزان
بقلم الدكتور : سالم بن سلمان الشكيلي
تُولي سلطنة عمان اهتمامًا خاصًا بنظام الإدارة المحلية وتفعيلها ، إيمانًا منها بدوره في تنمية المحافظات والمجتمعات المحلية . وقد برز ذلك من خلال التشريعات الوطنية التي تمّ سَنُّها ، والدعم اللامتناهي الذي أكد عليه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ، من خلال توجيهاته المستمرة للحكومة والمحافظين ، سواءً في الخطابات السلطانية السامية أو الأحاديث المباشرة في لقاءات جلالته بالمحافظين والشيوخ والرشداء ، على ضرورة تطبيقه ، بل وجعل الباب مفتوحًا للإبداعات الخلّاقة كلٌّ في محافظته حسب الرؤى التي تتناسب مع تلك المحافظات ، وبما لا تخرج عن دائرة النظام العام للإدارة المحلية . فالدولة لا تنهض إلا بالمشاركة الفاعلة بكل سواعد أبنائها.
وتجسد الحرص السامي والنظرة الثاقبة للدور المستقبلي المنوط بالمحافظات في تخصيص موزانات لأغراض التنمية المتوازنة لهذه المحافظات ، على اعتبار أنها أدرى بمتطلباتها وحاجات مجتمعاتها ، فالمعلوم أن لكل محافظة حاجات معينة تختلف عن باقي المحافظات ، ولها مقومات وموارد ذاتية قد تزيد وتنقص ، وقد تتفق وتختلف ، وكلها تحتاج إلى تنمية وتطوير مناسبَين حتى يمكن تسخيرها بامتياز في خدمة المجتمع المحلي ، وهذا لا يتأتى إلا في وجود عقليات ناضجة وأفكار واعية وخبيرة .
وممّا لا شك فيه ، فقد مهدت الدولة لهؤلاء المحافظين وهيأت كل السبل الكفيلة لتعريفهم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم ليقوموا بالدور المنوط بهم ، وذلك بإقامة الندوات وورش العمل والبرامج التدريبية والمحاضرات المعمقة ، ونظمت لهم الحكومة لقاءات مجدولة ومبرمجة مع الوزراء والمسؤولين فيها ؛ لشرح توجهات وخطط الحكومة في هذا الشأن ، بالإضافة إلى مقتضيات ومتطلبات الإدارة المحلية في التنمية الشاملة التي يجب أن تعم كل أرجاء الوطن .
وبتجرّد تام وإنصاف عادل ، فإن بعض المحافظين كان أداؤهم ملحوظًا وعملهم متميزًا وبارزًا لا تخطئه العين ، سواءً من خلال المشاريع المنفذة في محافظاتهم في مجالات عدة.، وتنوّع تلك المشاريع والإبداع فيها ، فخلقت تنمية فعلية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية ، انتعشت بسببها الحياة العامة وتعززت بموجبها موارد تلك المحافظات بصورة تنبيء عن مستقبل واعد . كما كان حضور أولئك المحافظين واضحًا في كل ولايات المحافظات وكأنهم خلايا نحل تتسابق لإرضاء المواطنين وإسعادهم ، والعمل على تنفيذ خطط الحكومة . وهذا الجهد المقدر شكّل حالة من الرضا التام ، في الوقت الذي تحرك فيه شعور الأفراد وإحساسهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم ، فشمّروا عن سواعد الجد وعمدوا إلى المساعدة والتكاتف والتعاون في تطوير ولاياتهم ، لمّا وجدوا ذلك الاهتمام والجهد الحكومي بمحافظتهم .
وقد شهدنا بكل فخر واعتزاز مبادراتٍ مجتمعيةً عدة في ولايات مثل نزوى وبهلاء والحمراء ، وامتد ذلك العمل المجتمعي إلى قرى كثيرة ، صنعت كلها فارقًا كبيرًا في البذل والعطاء والتفاني من أجل خدمة الأوطان ، وانعكست هذه الجهود المتنامية على الأوضاع الاقتصادية والسياحية وفرص العمل ، والأهم من ذلك صنعت حلقات وصل واتصال بين الجميع في مشهد يعزز مفهوم المواطنة والانتماء ، ويقوي النسيج الاجتماعي . وما أحوجنا إليه في ظل هذا الطوفان الهادر للأفكار الهدامة ، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، التي تواجهها شعوب منطقتنا العربية على وجه الخصوص ، وشعوب العالم عامة .
غير أنه ، ومما يؤسف له حقًّا ، أن أداء المحافظين الآخرين كان باهتًا ، حيث اكتفوا بالتنظير لمشاريع لم تر النور إلا في وسائل الإعلام ، وظلت حبيسة الأدراج حتى الآن ، ويبدو انهم ممّن يهوون الظهور الإعلامي وصخبه وبريقه . ووجدوا ، بل وأوجدوا من يزين لهم أعمالهم ، حتى ليحسبون أنهم يحسنون صُنعًا ، وما تلك الأعمال إلا كسراب يحسبه الظمآن ماءً وما هو بماء ، إنْ هو إلا غثاء أحوى .
إن سياسة الانكفاء وغلق الأبواب وكثرة الاجتماعات وإطالتها ، وكثرة اللجان ، وعدم الاستماع إلا للصوت الواحد ، التي يتبعها بعض المحافظين لا تنبت زرعًا ولا تؤتي ثمرًا . ويبدو أن هذا الأداء المتدني الباهت هو أقصى ما يمكن لهؤلاء تحقيقه ، رغم مضي فترة كافية للإنجاز لمن لديه الإرادة والقدرة على الإنجاز ، وخلق فرص التطوير ، لذلك فإن الأعذار غير مقبولة والمبررات لا تشفع في هكذا موقف ، فالعمل المقترن بالإنجاز ، الظاهر والمحسوس على أرض الواقع هو وحده فقط ، الذي يشفع على حسن الأداء وإتقانه .
ولما كانت المرحلة القادمة مرحلة دقيقة وحساسة بسبب كثرة التحديات وتشابكها ، فهي تحتاج إلى جهد أكثر وأفكار أعمق في تطبيق رؤية عمان ٢٠٤٠ ، ومن هنا فنحن بحاجة إلى قيادات تدرك دقة المرحلة وحساسيتها ، وتعي معنى الإدارة المحلية قولاً نافذًا وعملاً مخلصًا ، ويبدو أننا في حاجة إلى إعادة تقييم عاجلة لتلك المرحلة بأعمالها وأشخاصها ، وما تحقق وما لم يتحقق ، وأن يعمل مبضع الجرّاح ما يجب أن يعمله في قطع الزوائد غير اللازمة ، والتي تعيق تقدم العمل وإنجاحه .