مع اقتراب المغرب والسعودية من تنظيم المونديال.. الكرة العربية تواصل فرض نفسها على الساحة العالمية
وهج الخليج ـ وكالات
بعد نجاحها في استضافة العديد من منافسات الساحرة المستديرة الدولية وتحقيق العديد من منتخباتها وأنديتها إنجازات استثنائية يشار لها بالبنان، لاسيما في الأعوام الأخيرة، لا تزال كرة القدم العربية تواصل توهجها وفرض نفسها على الساحة العالمية. ويعقد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) اجتماعا استثنائيا عبر شبكة الإنترنت غدا الأربعاء، لتحديد الدول المستضيفة لدورتي كأس العالم 2030 و2034، ولمناقشة الميزانية المعدلة للدورة المالية بين عامي 2023 و2026 والميزانية التفصيلية للعامين القادمين 2025 و2026، وطرح هذه البنود للتصويت بين أعضائه.
ونشر فيفا تقارير تقييم ملفات الترشح لاستضافة نسختي 2030 و2034 من بطولة كأس العالم، وذلك في أعقاب إجراء دراسة شاملة لكل ملف من الملفات، تخللتها زيارات تفقدية للبلدان المترشحة المعنية، حيث ستحال الملفات المذكورة إلى كونجرس فيفا الاستثنائي المزمع انعقاده عبر الفيديو غدا لتحديد الدول المضيفة. وتم تقديم ملف مشترك مقدم من اتحادات المغرب وإسبانيا والبرتغال لكرة القدم، لاستضافة كأس العالم ،2030 وملف الاتحاد السعودي للعبة لتنظيم مونديال 2034.
كما تمت مناقشة ملف احتفالية الذكرى المئوية لأول نسخة من كأس العالم، مقدم من اتحادات أوروجواي وباراجواي والأرجنتين لكرة القدم، لاستضافة مباراة واحدة من نسخة مونديال 2030 في كل منها. واستناداً إلى الخلاصات التي توصلت إليها تلك التقارير، وطبقاً للوائح تقديم ملفات الترشح ونظام النقاط المعمول به، أعلن فيفا أنه تم اعتبار هذه الملفات تفوق الحد الأدنى من متطلبات الاستضافة. وأعلن فيفا حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034 على تقييم 8ر419 من 500 ، والذي يعد أعلى تقييم فني يمنحه الاتحاد الدولي لكرة القدم عبر التاريخ لملف تم تقديمه لاستضافة بطولة العالم، كإنجاز سعودي جديد يجسد الدور الريادي والنقلة النوعية والاستثنائية التي تعيشها السعودية.
ويأتي إعلان التقييم الفني لملفي كأس العالم 2030 و 2034 تمهيداً لقرار اختيار الدول المستضيفة للبطولتين من خلال اجتماع الجمعية العمومية لفيفا. وبعد النجاح الباهر لقطر في استضافة النسخة الأخيرة لكأس العالم عام 2022، تستعد المنطقة العربية لتنظيم نسختين أخريين من المونديال، حيث يتعلق الأمر بالمغرب، التي تقدمت بملف مشترك لاحتضان المسابقة مع كل من إسبانيا والبرتغال، بالإضافة لثلاثي أمريكا الجنوبية أوروجواي وباراجواي والأرجنتين لإقامة مباراة وحيدة فقط بتلك النسخة في كل منها.
كما يتعلق الأمر أيضا بالمملكة العربية السعودية، البلد الوحيد الذي تقدم بطلب استضافة مونديال 2034، لتصبح أول دولة تنظم “بمفردها” البطولة العالمية الأهم والأكبر على مستوى كرة القدم بمشاركة 48 منتخبا.
وكان فيفا نشر في أكتوبر الماضي بالتعاون مع شراكة كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 واللجنة العليا للمشاريع والإرث، تقرير الاستدامة النهائي للمونديال الذي جرى قبل عامين، وهو التقرير الأكثر شمولية في تاريخ المسابقة، إذ يسرد بالتفصيل النتائج المتوخاة ويقارنها باستراتيجية الاستدامة التي أُعدت لمونديال قطر 2022. وقال ماتياس جرافستروم، الأمين العام لفيفا:”عند تنظيم المسابقة الأبرز من بين مسابقاتنا، والتي تعتبر الحدث الرياضي الأكبر في العالم للعبة واحدة، فإننا ندرك تماما ما تنطوي عليه من تأثير هائل، حيث تجري الاستعدادات لها على مدى سنوات عدة كما ينخرط فيها طيف واسع من الجهات الفاعلة، إذ توجد هناك إمكانات كبيرة لإحداث تغيير إيجابي وترك إرث مهم في البلد المضيف”.
وأضاف “استفادت بطولة كأس العالم قطر 2022 من هذه الإمكانات، حيث شهدت تحقيق العديد من الإنجازات غير المسبوقة، ولا سيما في مجال الإدارة المستدامة للأحداث والفعاليات، إذ رفع فيفا وشراكة كأس العالم قطر 2022. واللجنة العليا للمشاريع والإرث سقف معايير الاستدامة في الأحداث الرياضية الكبرى، قبل سنوات على انطلاق البطولة، وهو ما سيستمر بتشكيل مصدر إلهام في مجال إدارة استدامة الفعاليات على مدى سنوات طويلة”.
من جهته، تحدث حسن الذوادي، الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والارث، قائلا “أدى العمل الذي تم إنجازه منذ حصولنا على حقوق الاستضافة عام 2010 لإحداث تحول في قطر بقدر ما شكل نموذجاً لإحداث تغيير إيجابي على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وهو ما يمكن للبلدان المضيفة الأخرى استخلاص الدروس منه والبناء عليه”. وأضاف :”من خلال عملنا المشترك، حققنا رؤيتنا المتمثلة في استغلال قوة كرة القدم لفتح الباب على مصراعيه أمام عالم حافل بالتجارب المذهلة، وإبراز روعة بلدنا ومنطقتنا للعالم، وترك إرث حقيقي للتنمية المستدامة”.
ومن بين الإنجازات العديدة التي كشفت عنها البطولة، يعكس 11 إنجازاً رئيسياً نجاح كل من فيفا وقطر 2022 واللجنة العليا للمشاريع والإرث والجهات الفاعلة ذات الصلة في تحقيق النتائج المتوخاة من البطولة، سواء في مرحلة التحضير أو المشاريع أو الإرث، علماً أن هذه الإنجازات توزعت على عدد من المجالات مثل حماية البيئة، وحقوق الإنسان، ورعاية العمال، وسهولة الوصول، وكانت سابقة من نوعها في هذه البطولة وتميزت بأفضل الممارسات والبرامج التي ستضمن استدامة إرث النسخة الـ22 من بطولة كأس العالم على مر السنوات والعصور.
كما أكد تقرير التفاعل الجماهيري والمشاهدة على الصعيد العالمي أن خمس مليارات مشجع تفاعلوا مع مونديال قطر 2022 في شتى أرجاء العالم، وهو رقم قياسي غير مسبوق يفوق بكثير ما تحقق في النسخ السابقة، إذ تؤكد الأرقام – التي جمعتها شركات مستقلة رائدة وذات شهرة عالمية – أن نسخة 2022 هي الأعظم في تاريخ البطولة المتميز الذي يمتد على مدار 94 عاماً.
وبلغ إجمالي عدد المشاهدين للمباراة النهائية للمونديال بين فرنسا والأرجنتين 42ر1 مليار مشاهد، وهو أعلى رقم على الإطلاق، وبلغ المتوسط العالمي لعدد مشاهدي المباريات الفردية في أول بطولة تقام في الشرق الأوسط 175 مليون مشاهد، في حين كانت تغطية شبكة “تيليموندو” للمباراة النهائية هي الأكثر بثاً في تاريخ نقل وسائل الإعلام الأمريكية لمباريات كأس العالم.
وشهدت قنوات التواصل الاجتماعي التابعة لفيفا متابعة مكثفة، حيث ارتفع إجمالي المشاركات (811 مليوناً) بنسبة 448% عن عام 2018، إذ تم إحصاء 6ر3 مليار مشاهدة للفيديوهات ذات الصلة خلال فترة البطولة، وهو ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 202%.
ويظهر التقرير أيضاً زيادة في استهلاك المحتوى المتعلق بالبطولة، وهو ما يعكس مدى تطور المشهد الإعلامي الواسع، الذي يشمل البث التليفزيوني الأرضي والفضائي والرقمي/البث عبر الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمنصات المملوكة والمدارة من قبل فيفا، علماً أن التقرير يشمل كذلك جداول ورسوماً بيانية تسلط الضوء على التوزيع الجغرافي لاستهلاك المحتوى.
ومنحت كل هذه المعطيات الثقة لدى فيفا في قدرة البلدان العربية على مقارعة نظرائها في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية على استضافة هذا المحفل العالمي الضخم الذي يقام كل 4 سنوات، وهو ما جعل المغرب والسعودية تستعدان الآن لنيل شرف تنظيم نسختي 2030 و2034 على الترتيب.
ولم يقتصر نجاح الوطن العربي في استضافة مسابقات فيفا على مونديال 2022 فقط، بل أثبت ذلك منذ عدة عقود بعدما قام بتنظيم العديد من بطولات فيفا في مختلف الفئات السنية، حيث كانت البداية من تونس، التي احتضنت النسخة الأولى من كأس العالم للشباب تحت 19 سنة عام 1977، التي شهدت بزوغ نجومية أسطورة الكرة الأرجنتيني دييجو مارادونا.
ودفع النجاح التونسي الاتحاد الدولي لكرة القدم لإسناد تنظيم مونديال الشباب أيضا إلى كل من السعودية وقطر والإمارات ومصر أعوام 1989 و1995 و2003 و2009 على الترتيب، كما استضافت مصر والإمارات مونديال الناشئين تحت 17 سنة عامي 1997 و2013 على التوالي، واحتضنت الأردن كأس العالم للناشئات تحت 17 سنة أيضا عام 2016.
وأعلن فيفا استضافة قطر كأس العالم للناشئين تحت 17 عاما الموسعة، التي تضم 48 منتخبا، على أساس سنوي بين عامي 2025 و2029، فيما ينظم المغرب مونديال الناشئات تحت 17 عاما سنوياً خلال فترة السنوات الخمس نفسها.
وكان فيفا منح أيضا شرف تنظيم كأس العالم للأندية للعديد من البلدان العربية، حيث كانت البداية في الإمارات العربية المتحدة، التي احتضنت المسابقة أعوام 2009 و2010 و2017 و2018 و2021، والمغرب أعوام 2013 و2014 و2022 وقطر عامي 2019 و2020 والسعودية عام 2023.
ولا يتوقف نجاح البلدان العربية في كرة القدم العالمية على الصعيد التنظيمي فحسب، بل شهدت الأعوام الأخيرة عدة نجاحات للمنتخبات والأندية العربية في المحافل الدولية الكبرى، لعل أبرزها حصول المغرب على المركز الرابع في كأس العالم الأخيرة بقطر.
ومثلما كان أول منتخب عربي وأفريقي يتأهل للأدوار الإقصائية في كأس العالم عام 1986 بالمكسيك، كان المغرب على موعد مع التاريخ أيضا بعدما بات أول منتخب عربي وأفريقي يبلغ المربع الذهبي للمونديال، وذلك في النسخة الأخيرة بقطر.
وشق المنتخب المغربي طريقه في البطولة بعدما تصدر ترتيب مجموعته في الدور الأول للمونديال، على حساب منتخبات بلجيكا وكرواتيا وكندا، قبل أن يطيح بإسبانيا والبرتغال من دوري الـ16 والثمانية على الترتيب.
وكان منتخب (أسود الأطلس) قريبا من تحقيق المعجزة بالتأهل لنهائي كأس العالم، لولا خسارته صفر / 2 أمام المنتخب الفرنسي، حامل اللقب آنذاك، في المربع الذهبي للبطولة، ليحصل في النهاية على المركز الرابع عقب هزيمته 1 / 2 أمام نظيره الكرواتي في مباراة تحديد صاحب الميدالية البرونزية.
وشهد العام الجاري فوز منتخبي المغرب ومصر الأولمبيين تحت 23 سنة بالمركزين الثالث والرابع على الترتيب في منافسات كرة القدم للرجال بأولمبياد باريس 2024، بعدما صعدا للدور قبل النهائي إثر تخطيهما العديد من منتخبات الصفوة في العالم خلال مشوارهما نحو المربع الذهبي.
وعقب الإنجاز الذي حققه في أغسطس/آب الماضي، صار منتخب المغرب أول فريق عربي يحصل على ميدالية في منافسات كرة القدم بمنافسات الأولمبياد.
كما حصل فريق الهلال السعودي على المركز الثاني ببطولة كأس العالم للأندية عام 2022 بالمغرب، مكررا إنجاز شقيقيه العربيين الرجاء البيضاوي المغربي والعين الإماراتي، اللذين حصلا على الوصافة أيضا في نسختي البطولة العالمية عامي 2013 و2018 على الترتيب.
وتمكن الأهلي المصري من الحصول على الميدالية البرونزية والمركز الثالث في نفس المسابقة أعوام 2020 و2021 و2023، بعدما سبق أن نال الترتيب ذاته عام 2006، علما بأن الفريق الأحمر تأهل الآن للدور قبل النهائي ببطولة كأس القارات للأندية (كأس إنتر كونتيننتال)، حيث يطمع في التأهل للمباراة النهائية للمسابقة التي تستضيفها قطر وملاقاة ريال مدريد الإسباني.
وأعادت تلك الإنجازات الاستثنائية إلى الأذهان النجاحات السابقة للكرة العربية في المنافسات العالمية، فالجميع مازال يتذكر تتويج المنتخب السعودي للناشئين بكأس العالم تحت 17 عاما في اسكتلندا عام 1989، وحصول المنتخبين البحريني والقطري على المركز الرابع في البطولة عامي 1989 و1991 على الترتيب، وفوز المنتخب القطري بوصافة نسخة مونديال الشباب تحت 19 سنة عام 1981.
كما سبق للمنتخب المصري للشباب نيل المركز الثالث بكأس العالم للشباب تحت 19 سنة عام 2001، فيما حصد منتخبا المغرب والعراق المركز الرابع في البطولة ذاتها عامي 2005 و2013 على الترتيب.
وإذا تتبعنا نتائج كرة القدم العربية في الدورات الأولمبية السابقة، سنجد حصول منتخب مصر على المركز الرابع في دورتي 1928 و1964 وكذلك فوز المنتخب العراقي بذات الترتيب في دورة 2004.