قراءة في قانون الإعلام الجديد
بقلم : المختار الهنائي
أطلعت على قانون الإعلام الجديد، ومن مبدأ حرية الرأي أعتقد بأن القانون كان ممكن أن يظهر بصورة أفضل من هذه، خاصة وأنه خرج بعد 40 عاما من صدور قانون المطبوعات والنشر، الذي لم يواكب في سنواته الأخيرة التطور الذي يشهده العالم في وسائل الإعلام الحديثة، حتى أنني أذكر بأنني حضرت ندوة في عام 2012 تتحدث عن ضرورة صدور قانون إعلام جديد، واليوم نقول شكرا لكل من ساهم في خروج هذا القانون بعد تأخرنا طوال هذه السنوات، ولكن السؤال، هل القانون بهذه الصورة يلبي المرحلة الحالية والمستقبلية؟
أقولها وبكل صدق، كان ممكن للقانون أن يظهر بصورة أفضل، نعم هناك مواد كثيرة تعزز من حقوق الإعلامي منها المواد 20 و21 و22 وفي المقابل هناك مواد “عدم وجودها” يخفف من التقييد على وسائل الإعلام ، وتعزز أكثر من دور الإعلام الخاص ، ومن خلال مطالعة القانون لدي عدة ملاحظات:
أولا: خلى القانون من أي مادة تعطي وزارة الإعلام الدور والمسؤولية في تطوير قطاع الإعلام وتنميته وتقديم الدعم اللازم والتسهيلات لممارسيه ومواكبة التطور التكنلوجي والتقني للإعلام وخاصة الإلكتروني، وتقديم قطاع الإعلام كقطاع أساسي ومهم للدولة.
ثانيا: الفقرة الثانية من المادة الرابعة حظرت نشر كل ما يتعلق بالتحقيقات والمحاكمات، وكوني تعرضت لهذا الموضوع سابقا، هذه الفقرة تعارض مبدأ علنية الجلسات التي أقرها النظام الأساسي في المادة 80 بأن جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية، أما فيما يتعلق بالنشر فقانون الجزاء حدد ما هو مسموح بالنشر، ولم يحظر النشر إلا في التحقيقات القائمة أو الجلسات السرية أو أسماء وصور المتهمين والمجني عليهم، ولم يحظر النشر بشكل كامل كما جاء في قانون الإعلام، وهنا تساهم هذه المادة في تقييد النشر الإعلامي والقيام بدوره، خاصة وأن أغلب القضايا التي يتناولها الإعلام هي قضايا الفساد والقضايا الاجتماعية، والنشر عنها هو نوع من التوعية القانونية بالحقوق والواجبات وأداة غير مباشرة للردع ضد من تسول له نفسه، وأما الحكم القضائي النهائي الذي أشارت له المادة فيأتي ضمن العقوبات التكميلية ويقوم الإدعاء العام بنشرها وفق قرار المحكمة.
أضف عليه بأن العالم اليوم يتوجه إلى علنية وشفافية الجلسات والتقاضي، وهناك بث مباشر لكثير من المحاكم حول العالم وحتى في دول عربية ومنها مصر، فلماذا نحن نمنع النشر بشكل نهائي، كان بالإمكان أن تتناغم المادة بشكل متوافق مع قانون الجزاء وقانون الإجراءات التي لم تحظر النشر.
ثالثا: الفقرة الثالثة من المادة الرابعة، ذكرتني بالمادة 32 من قانون المطبوعات والنشر، والتي أعطت الوزير الصلاحية المطلقة في منع نشر أي موضوع سواء مقال أو خبر أو صور أو مستند، والمادة في القانون أعطت ذات الصلاحية ولكن بصورة أوسع، وبدل الوزير أصبحت الوزارة، كما أن المادة فضفاضة جدا وتعطي للوزارة الحق في منع نشر أي موضوع دون مبرر أو أسباب، وهو أمر يتعارض مع المادة 3 من ذات القانون، ولنا تجارب سابقة مع هذه الموضوع كوني ممارس للعمل الصحفي في أكثر من مؤسسة سابقا، منها مواضيع تخص مجلس الشورى وأخرى لمواضيع تخص الشأن العام.
رابعا: المادة 17 أعطت للمدعي العام والمحكمة المختصة إجازة وقف مزاولة النشاط الإعلامي في مرحلة التحقيق، وهي تعارض المادة التي تعلوها المادة 16 بأن وقف المزاولة لا يتم إلا بحكم قضائي نهائي، حتى أن إجازة وقف المزاولة حدد ب45 يوم قابل لتجديد لمدة أو لمدد أخرى دون تحديد عددها، يعني من الممكن أن يكون الوقف بمدد غير محدودة.
خامسا: كنت أتمنى أن يكون هناك مادة تحظر حبس الصحفي والإعلامي إحتياطيا في أي أمر يتعلق بصميم عمله، وهناك قوانين إعلام كثيرة حول العالم منعت حبس الصحفي احتياطيا لتجنب استخدامه للضغط أو كعقوبة قبل المحاكمة، وهناك مادة مثلا في القانون المصري تقول : لا يجوز الحبس الاحتياطي في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف.
سادسا: كان من الممكن للقانون أن لا يضم المادة 52 من العقوبات، كون المخالفة التي أقرها لها عقوبات مماثلة في قانون الإجراءات وقانون الجزاء، بجانب أن عدم الالتزام بتوجيهات الوزارة المطلقة وغير المسببة لا يفترض أن يكون له عقوبة تصل للسجن مدة عام أو غرامة 15 الف ريال عماني.