ندوة علمية تجمع المؤرخين والباحثين لاستكشاف تاريخ محافظه شمال الباطنه
وهج الخليج ـ مسقط
انطلقت اليوم أعمال الندوة العلمية “شمال الباطنة في ذاكرة التاريخ العُماني” التي تنظمها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في قاعة مجان بولاية صحار وذلك تحت رعاية معالي محمد بن سعيد المعمري، وزير الأوقاف والشؤون الدينية.
وأكد سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في كلمة له خلال حفل الافتتاح على أهمية إقامة هذه الندوة العلمية حول محافظة شمال الباطنة للوقوف على دورها الحضاري والتاريخي باعتبارها حاضرة عُمانية قامت على أرضها حضارات متنوعة ما بين التجارية والعلمية وغيرها، وامتدت لقرون عديدة وأضحت موطنًا تجاريًّا ومعبرًا للتواصل التجاري والاجتماعي كما أنها محورًا مهمًّا من محاور الأحداث العُمانية.
كما تحدث سعادته عن أهمية الوثائق للمجتمع وأشار إلى أنها تلعب دورًا حيويًّا في الحفاظ على حقوق الأفراد والمجتمعات، وتؤثر على القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تناول دور الوثائق باعتبارها شاهد على الحضارات المتعاقبة وتشكل مرجعًا هامًّا للباحثين والمخططين.
وقال: “لقد تعاقبت الحضارات واهتمت منذ القدم بالوثائق بمختلف أنواعها ومراحلها التعبيرية والتصويرية والكتابية وغيرها من مراحل توثيق الإنجازات البشرية أدراكًا منها بأهمية التاريخ لمسارها على كل المستويات كل ذلك شاهدًا على منجزاتها ومستشرفًا لمستقبلها وعنوانًا لاستمراريتها”.
اشمل حفل الافتتاح على عرض مرئي حول محافظة شمال الباطنة في ذاكرة التاريخ كما تم تقديم عرض آخر حول هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تحت عنوان (ذاكرة وطن).
وتناقش الندوة 29 ورقة عمل يقدمها مجموعة من الباحثين والأكاديميين المختصين من داخل سلطنة عُمان وخارجها، وتتركز على ثلاثة محاور وهي المحور التاريخي والسياسي والمحور الاقتصادي والاجتماعي والمحور الثقافي.
وستناقش الندوة في المحور التاريخي والسياسي الموقع الجغرافي وأهميته التاريخية، والأحداث السياسية، والمعاهدات والاتفاقيات، والشخصيات المؤثرة والفاعلة تاريخيًّا.
وفي المحور الاقتصادي والاجتماعي ستتم مناقشة الطرق والقوافل، والرحلات التجارية، والأنشطة الاقتصادية، إلى جانب الأفلاج والقنوات المائية وعلاقتها بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وحضور المرأة في المجتمع، أما المحور الثقافي فسيتطرق إلى الإنتاج العلمي لأبرز العلماء والأدباء والمفكرين، وكتب الرحّالة والمستكشفين، والتحصينات الدفاعية (الحصون، والقلاع، والأبراج) ، والمواقع الأثرية (المدافن، والشواهد، واللُقى، والمقتنيات)، إضافة إلى الروايات الشفوية والوثائق والمخطوطات، حيث ستوزع المحاور الثلاثة على 5 جلسات مقسمة على مدى ثلاثة أيام.
وتهدف الندوة إلى الوقوف على واقع التاريخ العُماني والحضارة العُمانية، وإلقاء الضوء على تاريخ وحضارة محافظة شمال الباطنة، إلى جانب إبراز دور أبناء وأهالي محافظة شمال الباطنة في مسيرة الحضارة العُمانية والإنسانية، ودراسة الأبعاد الاقتصادية والسياسية للموقع الجغرافي والاستراتيجي لمحافظة شمال الباطنة، إضافة إلى إلقاء الضوء على الحضارات القديمة التي قامت فيها والتعرف على الآثار والشواهد التاريخية.
ويصاحب الندوة معرضًا وثائقيًّا يحكي الجوانب التاريخية لمحافظة شمال الباطنة ويضم مجموعة من الوثائق والصور التاريخية والخرائط والمحفوظات التي تبين جزءًا من التاريخ العريق للمحافظة وهو مقسم إلى ستة أركان هي: ركن عُمان عبر التاريخ، وركن محافظة شمال الباطنة في الصحافة، وركن محافظة شمال الباطنة في ذاكرة التاريخ العُماني، وركن المخطوطات، وركن مراسلات المواطنين، والركن التفاعلي الرقمي. وسيستمر المعرض الوثائقي حتى الـ 26 من أكتوبر الجاري.
وقد بدأ اليوم الأول من جلسات الندوة تحت مظلة المحور التاريخي بورقة للدكتور. محمد بن ناصر المنذري تناول فيها محافظة شمال الباطنة في العهد النبوي حيث تحدث عن كيفية انتشار الإسلام في عمان في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف استجاب العمانيون لدعوة الإسلام، ووصف زيارة وفد من سلطنة عُمان للرسول صلى الله عليه وسلم، وقبولهم للإسلام، والشرف العظيم الذي حصلوا عليه نتيجة لذلك، والدور الهام الذي لعبته سلطنة عُمان في نشر الإسلام في المنطقة.
وقدّم الباحث إبراهيم بن خميس القنوبي ورقة حول عمارة أراضي الباطنة ( من 251هـ إلى عهد اليعاربة)؛ حيث تحلل الورقة التاريخ العمراني لساحل الباطنة، مع التركيز على التراث العُماني الفقهي، و تتناول تضارب الأقوال حول عمارة أراضي الباطنة بعد فترة من الهجر، وتوثق التغيرات العمرانية من عام 251هـ إلى عهد اليعاربة، أوضحت الورقة أن الباطنة لم تخلُ من العمران يومًا، وأن الشيخ خلف بن سنان الغافري في عهد اليعاربة أفتى بجواز عمرانها بعد فترة من التدهور العمراني، مؤكدة على أهمية استقراء نصوص التراث للإجابة على التساؤلات المتعلقة بتاريخ المنطقة.
كما قدّم الدكتور ناصر بن علي الندابي ورقة بعنوان آل الجلندى في مدينة صحار في الفترة ما بين القرنين (1 – 3 هـ / 7-9 م) حيث تسلط الضوء على الدور الريادي لآل الجلندى في مدينة صحار خلال الفترة من القرن الأول إلى الثالث الهجري. مشيرة إلى أنهم كانوا حكام سلطنة عُمان واتخذوا صحار عاصمة لهم، وأسهموا في إدخال أهل عُمان في الإسلام. تتناول الورقة تأثيرهم السياسي التاريخي، بدءًا من تولي الإمام الجلندى منصب الإمامة وتقدم تحليلًا تاريخيًّا وسياسيًّا لدورهم وتبرز علاقتهم العميقة بتطور مدينة صحار وتأثيرهم على مدن سلطنة عُمان الأخرى.
كما قدمت خلال جلسات الندوة ورقة علمية تحت عنوان انتقال العاصمة السياسية من صحار خلال الفترة (-177 280هـ / 793 893-م) الأثر والأهمية التاريخية للباحثة تهاني بنت عبد الله الحوسنية التي تناولت دور مدينة صحار الحضاري والسياسي بوصفها أول عاصمة سياسية واقتصادية لعُمان، وناقشت الأسباب التي أدت إلى انتقال العاصمة إلى نزوى بعد إعلان الإمامة الإباضية الثانية عام 177هـ/786م، وأثر ذلك على الأهمية التاريخية لصحار. كما قدمت تفسيرًا لتأثير تغيير العاصمة على قوة الدولة العُمانية. وحللت المقومات التاريخية لصحار، وأسباب انتقال العاصمة، وأثر ذلك على أدوارها الوظيفية خلال عهد الإمامة الإباضية الثانية.
من جانب آخر تناولت الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية التاريخ السياسي لمحافظة شمال الباطنة في عهد دولة النباهنة من القرن (579هـ/ 1283م _ 1026هـ/ 1617م) حيث تتبعت التاريخ السياسي لمحافظة شمال الباطنة خلال حكم أسرة النباهنة الممتد لأكثر من أربعة قرون، مع التركيز على مدينتي صحار ولوى. وأبرزت أهمية تتبع هذا التاريخ لفهم الصلات والروابط بين صحار والمراكز الأخرى في تلك الفترة.
وقدم الدكتور موسى بن سالم البراشدي ورقة حول الدور الحضاري لولاة صحار في عهد اليعاربة حيث تناول دور الولاة الذين تعاقبوا على مدينة صحار في عهد اليعاربة منذ تأسيس دولتهم عام 1034هـ/1624م، واستعادة الوحدة العُمانية وتحرير المدن من السيطرة البرتغالية. و ركز على الأدوار الحضارية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية التي قدمها الولاة في صحار .
و اختتمت جلسات اليوم الأول من الندوة بورقة للدكتورة ابتسام حسن الزهراني من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض حول صمود أحمد بن سعيد في قلعة صحار ضد الحصار الفارسي في أربعينيات القرن الثامن عشر من خلال المصادر المحلية والأجنبية، حيث لخّصت هذه الورقة الجهود السابقة في دراسة حصار قلعة صحار من قِبل الفرس بقيادة نادر شاه، مع التركيز على دور أحمد بن سعيد في مقاومة هذا الغزو؛ بهدف تعميق الفهم لهذه الحقبة التاريخية الهامة من خلال تحليل الأوراق البحثية السابقة، ومقارنة المصادر المحلية بالأجنبية، وكشف جوانب جديدة من هذه الأحداث. كما سعت إلى توضيح الدور الذي لعبه الدعم الخارجي، مثل الإرساليات التبشيرية والقبائل العربية، في هذا الصراع بالإضافة إلى إبراز أهمية صمود أحمد بن سعيد في تأسيس الدولة البو سعيدية.
و من المقرر أن تستمر جلسات الندوة حتى الـ 23 من أكتوبر الجاري، فيما يستمر المعرض الوثائقي المصاحب لغاية 26 من أكتوبر الجاري .