المقالات

العدوان الإسرائيلي على لبنان: محاولة لفك الارتباط عن غزة

بقلم: جمال بن ماجد الكندي

معركة “طوفان الأقصى” ستكمل بعد أيام قليلة عامها الأول، والصمود الأسطوري لقوى المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها في غزة هو العنوان الأول والأبرز لهذه المعركة. العنوان الثاني هو جبهات الإسناد اللبنانية، اليمنية، والعراقية. هذه الجبهات كانت وما زالت مصدر إزعاج كبير للجيش الإسرائيلي، وخلقت القيمة العسكرية المضافة، والمعادلة الصعبة التي لم يستطع الإسرائيلي ومن معه تجاوزها أو فصلها عن جبهة غزة، فشكلت على الأرض استراتيجية “وحدة الساحات”.
جبهة لبنان هي من أقوى جبهات المساندة لغزة، فقد دخلت فعليًا في معركة “طوفان الأقصى” في اليوم الثاني لهذه المعركة، وبدأت مساندتها للمقاومة الفلسطينية في غزة بضرب القواعد العسكرية الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة. وكانت توسع حربها وفق قواعد اشتباك معينة مع العدو الصهيوني، فتسببت هذه الجبهة بتهجير أكثر من 150 ألف مستوطن إسرائيلي من شمال فلسطين المحتلة، فأصبحت هذه الجبهة عامل ضغط عسكري واقتصادي كبير على إسرائيل، خاصة أنها لن تتوقف إلا بوقف العدوان على غزة، كما ذكر ذلك السيد حسن نصر الله في أكثر من مناسبة.

لذلك، جاء العدوان البربري الإرهابي على لبنان لعزلها وفصلها عن جبهة غزة. فقواعد الاشتباك كانت منذ بداية معركة “طوفان الأقصى” معروفة، ولم يتجاوزها الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية، وحتى إذا كان هناك تجاوز في المسافة والمكان، تعود قواعد الاشتباك بعد ذلك إلى المسافات المتعارف عليها.
الذي حصل قبل عدة أيام غير من هذه المعادلة، والتغير كان من قبل الجيش الإسرائيلي بسبب الضغوط الشعبية عليه لإرجاع مهجري الشمال الفلسطيني المحتل. فكان الخيار إما وقف القتال في غزة وقبول شروط المقاومة الفلسطينية، وهذا سيؤدي إلى وقف القتال في الجبهة اللبنانية، والجبهة العراقية، واليمنية، أو توسيع الصراع العسكري مع الجبهة اللبنانية وتحديد هدف رئيس لمعركة “سهام الشمال” كما سماها العدو الإسرائيلي، وهو فصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة وإرجاع مهجري الشمال.
لتحقيق هذا الهدف، قام الكيان الصهيوني قبل عدوانه الواسع على لبنان بعمليتين أمنية وعسكرية، وسنقوم بتحليل هاتين العمليتين، وهل كانتا ذات تأثير قوي في البنية التكوينية والعسكرية للمقاومة اللبنانية؟!

العملية الأمنية كان الهدف منها ضرب منظومة القيادة والسيطرة في المقاومة اللبنانية بتفجير أجهزة النداء (البيجر) التي كانوا يستخدمونها. الهدف من هذه العملية كان قتل أكبر عدد ممكن من قيادات وأفراد المقاومة اللبنانية لضرب منظومة القيادة والسيطرة وخلق الفوضى، التي من خلالها يبدأ العدو الإسرائيلي الهجوم البري.
هذه العملية القذرة أدت إلى وفيات وإصابات في أفراد المقاومة اللبنانية، فكانت ضربة قوية وغير متوقعة من العدو الصهيوني، وربما كانت بمساعدة خارجية بعد عملية ضرب قاعدة الاستخبارات 8200 من قبل المقاومة اللبنانية.
العملية لم تستطع ضرب هيكلية القيادة والسيطرة لدى حزب الله. صحيح أن العملية كانت قاسية ومؤلمة، لكنها لم تتمكن من خلق الفوضى المراد منها. ولو كانت ناجحة وأصابت قيادات الصف الأول في المقاومة اللبنانية وفي بنيتها القيادية، لكانت هذه فرصة للعدو الإسرائيلي لبدء المعركة البرية مستغلًا نتائج عملية تفجير (البيجر) والتي تلتها ضربة اللاسلكي واغتيال القائد العسكري إبراهيم عقبل.
فشل العملية الأمنية في إضعاف منظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة اللبنانية جعل العدو ينتقل إلى العملية العسكرية الاستباقية.
العملية العسكرية بدأها العدو بأكثر من 1000 غارة جوية في الجنوب والبقاع اللبناني، وكان هدفها شل القدرة الصاروخية لدى المقاومة اللبنانية وتدمير مخزونها من الصواريخ الدقيقة والاستراتيجية. فهل تحقق ذلك؟!
الرد جاء سريعًا من المقاومة اللبنانية، فقد قصفت المطارات العسكرية الإسرائيلية، مطار مجيدو 3 مرات، قاعدة ومطار “رمات ديفيد”، قاعدة “عاموس” للنقل والدعم اللوجستي للمنطقة الشمالية. كما ضربت القواعد العسكرية، وقاعدة “دادو” مرتين، والمخازن اللوجستية للفرقة 146 في قاعدة “نفتالي”. كذلك استهدفت المستودعات والمصانع العسكرية، ومنها مصنع المواد المتفجرة في منطقة “زخرون”، وضربت قواعد عسكرية وبحرية أخرى.
الحدث الأهم الذي أرسل رسائل عسكرية قوية للعدو الصهيوني هو استهداف جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” بصاروخ باليستي، والذي يعد أول استخدام لصاروخ باليستي من قبل المقاومة اللبنانية. هذه الهجمات الصاروخية من قبل المقاومة اللبنانية زادت من نسبة تهجير المستوطنين في الشمال الفلسطيني المحتل، وكانت ضربات تدريجية بدأت بصواريخ “فادي 1″، “فادي 2″، و”فادي 3” مختلفة المديات، والمفاجأة كانت صاروخ “قادر” الباليستي، وما القادم أعظم.
المقاومة اللبنانية بردها التدريجي وتوسيعها لمديات صواريخها تؤكد كذب القادة العسكريين الإسرائيليين عندما قالوا إنهم أعادوا المقاومة اللبنانية 20 سنة للوراء بعد أكثر من 1000 غارة جوية، زعموا أنهم استطاعوا من خلالها ضرب 50% من القدرة الصاروخية للمقاومة اللبنانية. فجاء الرد من صاروخ “قادر 1” وأدخل أكثر من مليون مستوطن صهيوني إلى الملاجئ. وركزت المقاومة اللبنانية ضرباتها الصاروخية على القواعد والمطارات العسكرية، على عكس العدو الصهيوني الذي لا يقاتل ولكنه يقتل المدنيين، وهذه المرة في لبنان.
العدد الكبير للشهداء المدنيين في اليوم الأول من العدوان كان محاولة لزعزعة البيئة الحاضنة للمقاومة اللبنانية، لأنه يعلم أن قوة المقاومة اللبنانية تكمن في حاضنتها الشعبية. وكما فشل في غزة، فشل في لبنان. مشاهد اللحمة الوطنية اللبنانية في استقبال المهجرين من الجنوب اللبناني دليل على فشل الكيان الصهيوني في خلق الفتنة المذهبية والمناطقية. فالتهجير كان من الجانبين، الإسرائيلي واللبناني، فهل يتحمل الكيان الصهيوني ذلك، خاصة في مدينة حيفا الاستراتيجية ذات البعد الاقتصادي والعسكري؟
لذا بدأت الأصوات الغربية والأمريكية من منصة الأمم المتحدة تنادي بإيجاد حل دبلوماسي لوقف توسيع نطاق الحرب، بعد فشل المراحل الأربعة الأمنية والعسكرية في ضرب منظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة اللبنانية.
أمريكا لا تريد أن تتحول معركة لبنان وغزة إلى حرب إقليمية واسعة، خاصةً أنها مقبلة على انتخابات رئاسية. لكن التسوية تواجه عقبة في معناها، فمن منظور المقاومة اللبنانية لابد أن تشمل غزة، فهي مفتاح التهدئة للمنطقة برمتها. فهل سنشهد ذلك قريبًا؟! إلى أن تظهر هذه النتائج، سيبقى الميدان مشتعلاً بقواعده العسكرية الجديدة، ومفاجآت المقاومة ستظهر تباعًا، وليس آخرها الصاروخ الباليستي “قاهر 1”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى