المقالات

الدور التفسيري لمبادئ اليونيدروا

بقلم: الدكتور بدر المسكري
جامعة السلطان قابوس – كلية الحقوق

لا يختلف الدارسون لعقود التجارة الدولية والباحثون في تنظيمها القانوني على أهمية تلك القواعد التي صاغها المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص، والتي تعرف اختصاراً بـــ (اليونيدروا) UNIDROIT؛ إذ تمثل مبادئ اليونيدروا تقنيناً غير رسمي لعقود التجارة الدولية باعتبارها مبادئ رامية إلى إرساء تنظيم أنموذجي موحد لأحكام هذه العقود، بدءاً من إبرام العقد وأركانه، مروراً بتنظيم المراكز القانونية الناجمة عن هذا العقد (حقوق الطرفين والتزاماتهما)، وتفسيراً لبنود العقد، ووصولاً إلى تنظيم موجبات انقضائه. وتجدر الإشارة هنا إلى أن توحيد قواعد عقود التجارة الدولية لم تكن قاصرة على اليونيدروا بل أن هناك الكثير من الهيئات والمنظمات الدولية المتخصصة التي تُسهم بشكل كبير في توحيد القواعد القانونية الخاصة خصوصًا فيما يتعلق بالتجارة الدولية، ولعل أبرز هذه الهيئات نشاطًا في هذا المجال لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) UNCITRAL، ومؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص Hage conference on Private International Law.
وتنتمي قواعد اليونيدروا إلى فئة القانون المرن (soft law) وهي بوصفها كذلك لا تعد ملزمة لطرفي العقد الدولي إلا بناء على رضائهما بالخضوع لها، وعليه فإن القاضي أو المحكم لا يستطيع إعمال هذه القواعد إلا بناء على إرادة الأطراف واتفاقهم.
ولعل أبرز ما يميز مبادئ اليونيدروا حرصها الملحوظ على تحقيق العدالة التعاقدية، وحماية التوقعات المشروعة لأطراف عقود التجارة الدولية، ومحاولتها وضع تنظيم موحد لهذه العقود بحيث يغدو تقنيناً معيارياً يبني عليه أطراف العقد سير علاقتهم التعاقدية.
وإلى جانب الدور المهم لمبادئ اليونيدروا في إبرام عقود التجارة الدولية، فأنها تلعب دورا متميزاً في تفسير بنود هذا العقد؛ ويمكن الإشارة هنا إلى أربعة أدوار لهذه المبادئ في نطاق تفسير العقد: حيث يتمحور الدور الأول في توفير إطار مرجعي موحد حيث إن اختلاف الأنظمة القانونية (اللاتيني والانجلوسكسوني) قد يؤدي إلى تضارب وتعارض الأحكام مع بعضها بعضا في قضايا متشابهة، في حين وجود الإطار المرجعي الموحد الذي توفره مبادئ اليونيدروا يساعد القضاة والمحكمين على إصدار أحكاما متسقة وموحدة.
بينما يتلخص الدور الثاني في محاولة سد الثغرات القانونية التي تنشأ نتيجة اختلاف تطبيق الأنظمة القانونية المختلفة وذلك من خلال تطبيق مبادئ وقواعد عامة قابلة للتطبيق في مختلف أنواع العقود.
أما الدور الثالث لهذه المبادئ فإنه يتركز في توفير لغة قانونية موحدة تمكن أطراف العقد ذات الخلفيات القانونية المتباينة من تفسير البنود الغامضة في عقودهم، مما يُسهم في تسهيل التجارة الدولية.
وأخيراً فإن مبادئ اليونيدورا يمكن أن تُسهم بشكل بارز في تطوير التشريعات الوطنية في مجال العقود مما يعني أن مفاهيم تلك الدول في مجال العقود سوف تكون موحدة حيث إنها تستقى من المصدر نفسه، وهذا بدوره يُسهم في تفسير العقود وإزالة الغموض عنها.
ويرتكز تفسير العقد وفقاً لمبادئ اليونيدروا على عدة ركائز أبرزها:
أولًا: الإرادة المشتركة للأطراف حيث يجب تفسير العقد: وفقًا للإرادة المشتركة لطرفي العقد والتي من الممكن الوصول إليها عن طريق الرجوع إلى نصوص العقد وظروف التعاقد.
ثانياً: حسن النية في تفسير العقود: حيث يجب تفسير بنود العقد الغامضة في مرحلة تنفيذ العقد بطريقة تحافظ على توازن مصالح الأطراف والابتعاد عن مظاهر سوء النية مثل الغش والتواطؤ.
ثالثًا: العرف التجاري: حيث إنه يلعب دورًا مهمًا في تفسير العقد خصوصًا العرف التجاري السائد في قطاع معين حيث يمكن الاستعانة بالعرف التجاري لتفسير بعض البنود الغامضة في العقد.
رابعًا أن يتم تفسير بنود العقد كوحدة واحدة، بمعنى ينبغي تفسير بنود العقد بشكل مترابط ومتسق، بحيث يستفاد من كل بند لتوضيح معنى البنود الأخرى ويستخلص منها المعنى الكلي للعقد، فالشروط يكمل بعضها بعضًا ولا يمكن تفسير كل شرط بمعزل عن باقي الشروط.
في ختام هذه الإطلالة الموجزة على مبادئ اليونيدروا ووظيفتها التفسيرية لعقود التجارة الدولية فإنه من الواضح نموذجية الدور البنائي والتفسيري لهذه القواعد على نحو يدعونا إلى حث المشرع العماني وهو بصدد تحديث قانون التجارة إلى الاستفادة من هذه المبادئ، والسير مع ركب التطور المتسارع في التجارة الدولية ببناء تشريع عصري يواكب هذه التطورات، ويستفيد مما تقدمه له مبادئ اليونيدروا من إطار قانوني حديث ومرن وواعٍ لطبيعة العقود التجارية الدولية والمنازعات الناشئة عن تنفيذها أو تفسيرها على نحو سينعكس بالتأكيد على تعزيز الثقة بالمنظومة التشريعية والقضائية في سلطنة عمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى