هل تصبح النفايات البلاستيكية يوما ما غذاء للبشر؟
وهج الخليج – وكالات
في عام 2019، أطلقت وكالة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية دعوة لتنفيذ مشروع بحثي لمساعدة الجيش الأمريكي في التخلص من الكميات الضخمة من النفايات البلاستيكية التي تتركها القوات عندما يتم ارسالها إلى أماكن نائية أو مناطق كوارث. وكان المطلوب ابتكار منظومة لتحويل أغلفة الأغذية والزجاجات البلاستيكية وغيرها إلى منتجات قابلة للاستخدام، مع ضرورة أن تكون هذه المنظومة صغيرة الحجم بحيث يمكن تثبيتها على متن سيارة جيب أو شاحنة صغيرة وأن تكون اقتصادية في استهلاك الطاقة… وأخيرا كان لابد أن تستفيد من قوة “الميكروبات التي تقتات على البلاستيك”.
وتعتبر النفايات البلاستيكية من المشكلات الخطيرة التي تؤرق المعنيين بحماية البيئة على مستوى العالم. وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تنتج البشرية قرابة 440 مليون طن من النفايات البلاستيكية كل عام، وينتهي المطاف بالجزء الأكبر من هذه الكمية في مكبات النفايات أو في المحيطات حيث تعتبر الجزيئات والأكياس والعبوات البلاستيكية بمثابة خطر داهم يتهدد الحياة البرية بأشكالها المختلفة. ودأب العلماء من مختلف أنحاء العالم على إجراء تجارب على أنواع مختلفة من البكتيريا التي تتغدى على البلاستيك باعتبارها وسيلة للتخلص من هذه المواد التي لا تتحلل بشكل طبيعي في البيئة. ولكن وكالة المشروعات البحثية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (دي.إيه.أر.بي.إيه) انتهجت مسلكا بحثيا مختلفا بعض الشيء، ألا وهو تحويل النفايات البلاستيكية إلى غذاء للبشر. يقول ستيفان تيشتمان عالم الأحياء الدقيقة من جامعة ميتشجان للتكنولوجيا في الولايات المتحدة ورئيس واحدة من بين ثلاث مجموعات بحثية حصلت على تمويل لتنفيذ هذا المشروع: “عندما بدأنا قبل أربع سنوات. كانت الفكرة تبدو كنوع من الخيال العلمي وليس شيئا قابلا للتنفيذ”. ويوضح في تصريحات للموقع الإلكتروني Undark المتخصص في الأبحاث العلمية أن الهدف النهائي لهذا المشروع ليس إطعام البشر البلاستيك بطبيعة الحال، بل التوصل إلى نوع من الميكروبات التي تتغذى على البلاستيك، على أن تكون هذه الميكروبات نفسها صالحة للاستهلاك الأدمي. ويتوقع تيشتمان أن يكتمل الجزء الأكبر من المشروع في غضون عامين، مشيرا إلى أن فريقه البحثي يجري حاليا اختبارات للسميات على المنتج الذي نجحوا في استخلاصه، ومن المقرر عرض النتائج البحثية على وكالة الغذاء والدواء الأمريكية لمراجعة البحث.
جدير بالذكر أن هذه المبادرة العلمية ليست الأولى من نوعها لتحويل الميكروبات أو البكتيريا إلى أغذية للبشر، حيث هناك مجموعات بحثية وشركات معنية بالتكنولوجيا الحيوية في دول متعددة مثل فنلندا وكوريا الجنوبية تعكف منذ سنوات على استشراف آفاق الاستفادة يوما ما من الكائنات الدقيقة لتوفير الغذاء لكوكب الأرض الذي يشهد زيادة متنامية في عدد السكان. واستخدم الباحثون في جامعة ميتشجان للتكنولوجيا آلة تقطيع ميكانيكية لتحويل البلاستيك إلى شرائح صغيرة الحجم، ثم قاموا بوضعها داخل مفاعل وغمرها بمادة هيدروكسيد الأمونيا وتعريضها لدرجات حرارة مرتفعة تصلح لصهر بعض انواع البلاستيكات مثل البولي إيثيلين والبولي بروبلين، وهي المواد التي تدخل في صناعة الزجاجات البلاستيكية وأغلفة الأطعمة التي يتناولها الجيش الأمريكي. وبعد ذلك يتم وضع البلاستيك المنصهر داخل أفران أخرى وتعريضه لدرجات حرارة أعلى في غياب الأوكسجين. وخلال هذه العملية يتم تحويل البولي إيثلين والبولي بروبلين إلى مركبات قابلة لإعادة التدوير بحيث تتحول إلى أنواع من الوقود أو مواد التشحيم.
وفي إطار المشروع البحثي، نقل الباحثون البلاستيك السائل داخل هيدروكسيد الأمونيا إلى مفاعل ثاني يحتوي على مستعمرات من الميكروبات التي تتغذى على البلاستيك، بعدما تبين للباحثين أن هذه المادة بعد صهرها تتشابه في تركيبها على مستوى الجزيئات مع بعض المركبات النباتية التي تصلح كمادة غذائية للميكروبات، وبالتالي تعتمد هذه الكائنات المجهرية على البلاستيك، بدلا من المغذيات النباتية، كمصدر للطاقة والبقاء على قيد الحياة. وبعد أن تتغذى البكتيريا على المواد البلاستيكية، يتم تجفيفها وتحويلها إلى مسحوق له رائحة تشبه الخمائر ويحتوي على كميات متوازنة من الدهون والكربوهيدرات والبروتينات، على حد قول تيشتمان. ويذكر ان الأبحاث العلمية التي تتناول فكرة إطعام البشر بالكائنات المجهرية مثل الميكروبات والبكتيريا تعود إلى ستين عاما مضت حيث يصل متوسط عدد الدراسات التي تنشر بشأن هذا المبحث العلمي إلى سبعة أبحاث سنويا. ويؤكد الباحثون في هذا المجال أن هناك أسبابا وجيهة قد تدعو دول العالم يوما ما إلى التفكير في استخدام الميكروبات كمصدر للغذاء. ويوضح ساج يوب لي المتخصص في مجال الهندسة الحيوية ونائب رئيس معهد العلوم والتكنولوجيا المتقدمة في كوريا الجنوبية أن الميكروبات غنية بالبروتينات ولا تتطلب مساحة زراعية أو كميات كبيرة من المياه لاستزراعها مقارنة بالمحاصيل الزراعية التقليدية، وبالتالي قد تصبح يوما ما مصدرا مستداما للغذاء لاسيما في ضوء الزيادة المطردة في عدد سكان الارض، مؤكدا في رسالة بالبريد الإلكتروني لموقع Undark أن مشروع جامعة ميتشجان قابل للتنفيذ، رغم أنه يواجه تحديا رئيسيا، ألا وهو أن معظم الكائنات الدقيقة التي يتغذى عليها البشر حتى وقتنا هذا لا تقتات على البلاستيك.