هل تصاب بدوار البحر؟ .. التكنولوجيا الرقمية قد تساعدك
وهج الخليج ـ وكالات
قبل حوالي 2000 عام، قال الطبيب اليوناني هيبوكراتيس إن “السفر عبر البحر يسبب اضطرابات حركية في جسم الانسان”، وقد اشتقت الكلمة الانجليزية nausea التي تعني بالعربية “غثيان” من الكلمة اليونانية naus، وهي كلمة مرتبطة بالسفن والإبحار والبحارة بشكل عام.
ويصيب دوار البحر أو الحركة قرابة 65% من البشر، وعادة ما تعاني منه المرأة أكثر من الرجل، ويبلغ الانسان ذروة الحساسية تجاه الحركة في سن 11 عاما. وبشكل مبسط، يحدث دوار البحر في حالة حدوث اختلال بين ما تراه العين وما تسجله الأذن الداخلية باعتباره مؤشر على الحركة. فعندما تكون جالسا داخل سيارة أو على سطح سفينة وتطالع جريدة أو تنظر إلى هاتفك المحمول، فإن العين تخبر المخ أنك ثابت ولا تتحرك، ولكن النظام الدهليزي الخاص (وهو الجهاز المسؤول عن التوازن والتوجه المكاني داخل الأذن) يخبر المخ أن الجسم في حالة حركة، ولهذا السبب يقال إن النظر إلى خط الأفق أثناء ركوب البحر يمنع الشعور بالدوار، لأنه في هذه الحالة يحدث تطابق بين ما تراه العين وما يشعر به الجسم من حيث الحركة.
وما يثير الاهتمام أن الإصابة بدوار البحر لا تقتصر على الانسان فحسب، بل يصيب الكلاب والقطط والفئران والخيول والزواحف بل وبعض الأسماك أيضا، وإن كانت الأعراض تختلف من فصيلة لأخرى، فهي لدى الانسان تكون في صورة دوار وغثيان وتعرق وإرهاق وقيء وأحيانا شعور عام بالاكتئاب. وتقول الباحثة نيكول كاثرين تايلور من قسم الهندسة الميكانيكية والميكاترونيكس بجامعة ستيلينبوش بجنوب أفريقيا إن بعض البشر يكونون عرضة للإصابة بدوار البحر أكثر من غيرهم، وأن هناك عوامل مؤثرة على فرص الإصابة بهذه الأعراض مثل السن والنوع والتجارب السابقة مع الدوار وحساسية الشخص للحركة بشكل عام، كما أن نوعية السفينة وموقع الشخص على متنها والظروف المناخية أثناء الإبحار كلها عوامل تؤثر على احتمالات الإصابة بهذه الاعراض وشدتها.
وأوضحت تايلور في تصريحات للموقع الإلكتروني Conversation المتخصص في الأبحاث العلمية أنها ابتكرت منظومة رقمية تهدف إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة لقياس نوبات دوار البحر التي يصاب بها البشر على متن السفن، وتحديد أفضل السبل للتخلص من هذه الأعراض أو الحد منها على أقل تقدير. وتحمل هذه المنصة الرقمية اسم “مارينر 0ر4” وينقسم عملها إلى شقين، حيث تقوم بقياس حركة السفينة عن طريق وحدات استشعار مثبتة في مختلف أنحائها. أما الشق الثاني، فهو عبارة عن تطبيق إلكتروني يتم تثبيته على الهواتف المحمولة للركاب، ويقوم الراكب بتغذية التطبيق بالأعراض التي يشعر بها أثناء الرحلة وتحديد موقعه نظرا لأن الشعور بحركة البحر يختلف من مكان لآخر على سطح السفينة. ويتم استعراض جميع هذه البيانات على شاشة خاصة توضع في غرفة القيادة أو في المركز الطبي على متن السفينة، بحيث يستطيع الطبيب المختص متابعة حالة المرضى وتقديم الرعاية الطبية لمن يحتاجها، أو إحالة هذه البيانات إلى ربان السفينة حتى يمكنه تحويل مسار الرحلة وفق ظروف الإبحار والمناخ للحد من أعراض دوار البحر على الركاب، متى كان ذلك ممكنا. ووجدت تايلور أثناء إجراء الدراسة أنه لا توجد حاليا على متن السفن أي منظومات رقمية للإبلاغ عن حالات الإصابة بدوار البحر أو متابعتها، بمعنى أن أي راكب أو بحار قد يصاب بأعراض دوار البحر في الكابينة المخصصة لإقامته دون أن يلتفت إليه أحد من الطاقم، ما لم يستطع هذا الشخص الاتصال تليفونيا لطلب المساعدة الطبية.
واختبرت تايلور منظومة مارينر 0ر4 على متن سفينة الأبحاث البحرية إس إيه أجولهاس 2 خلال ثلاث رحلات منذ عام 2021 حيث تم تثبيت وحدات استشعار في أماكن مختلفة على متن السفينة مع الاستعانة بما بين خمسة إلى عشرين متطوعا من الركاب في كل مرة، حيث كان يتم تنزيل التطبيق الإلكتروني على هواتفهم المحمولة، ثم ربط وحدات الاستشعار والتطبيقات على الهواتف بقاعدة بيانات تطبيق مارينر 4. وفي إطار التجربة، كان يتم تسجيل مقاطع فيديو للركاب في الأيام التي تشهد ظروف جوية أو بحرية حادة واستخدام هذه المقاطع لتحديد أفضل السبل لتقديم المساعدة الطبية للركاب المرضى أو تغيير مسار الرحلة بشكل طفيف إذا كان ذلك ممكنا لتخفيف أعراض الدوار على الركاب.
ونقل موقع Conversation عن تايلور قولها إنها وجدت أن منصة مارينر 4 مفيدة للغاية خلال الرحلات الثلاثة التي قامت بها على متن أجولهاس، حيث استطاعت تحديد الأماكن التي تزيد فيها أعراض الدوار على متن السفينة ودرجة الإصابة بالأعراض لدى فئات الركاب المختلفة، وقياس فرص تزايد الأعراض في ظل ظروف الإبحار المختلفة مثل اشتداد الرياح أو ارتفاع الأمواج على سبيل المثال. ويلجأ البعض لتناول بعض الأدوية والعقاقير للتخلص من دوار البحر أثناء السفر، ولكن العلماء يتفقون على أن أفضل وسيلة للتغلب على دوار البحر هي الاعتياد على ركوب السفن نظرا لأن هذا الشعور في حقيقة الأمر هو استجابة طبيعية للجسم لدرجة أنه لا يجوز وصفها في الأساس بانها “حالة مرضية”.