التطرف بين الانحراف الفكري والمرض النفسي
بقلم : الكاتب حميد بن صالح المجيني
آثار ظاهرة التطرف، والتطرف العنيف المفضي إلى ارتكاب أعمال إرهابية ،الكثير من الجدل و النقاش حيث برزت في هذا
السياق العديد من التأويلات لتفسير الأحداث الخارجة عن منظومة القيم المجتمعية بأنها مؤامرة تعرض المنخرطين فيها لعمليات غسيل دماغ كبيرة ومتعددة أدت إلى مستويات من العنف يصعب تفسيره نظرا للحجم والوسائل المستخدمة في تنفيذ هذه الأعمال.
من هنا نستطيع ان نعرف التطرف بمفهومه المعقد والمتعدد الأبعاد بشكل واضح وشامل من خلال تبني أفكار ومعتقدات متشددة تخرج عن المألوف والمقبول اجتماعي وغالبًا ما تقترن بالرغبة في فرض هذه الأفكار والمعتقدات على الآخرين حتى لو تطلب ذلك استخدام العنف أو الإكراه.ويطرح التساؤل لدى الكثير من الأشخاص هل التطرف والتطرف العنيف للإرهاب هو اضطراب نفسي يتوجب علاجه طبيا باستشارات خاصة أو أنه انحراف فكري يتم بالخداع والإستغلال والتغرير بالشباب المستهدفين لخدمة أهداف الجماعات المتطرفة وأجندتها العابرة للحدود الوطنية.
دعونا نناقش ظاهرة التطرف من حيث النزعة و الموقف تباينت الآراء لبعض المختصين في دراسة الظواهر السياسية والاجتماعية إجمالا فذهب فريق إلى تبني (الاطروحة الموقفية) وفريق آخر تبنى (الاطروحة النوعية )
ا. النزعية : هي مجموعة المقاربات التي تعطي الأولوية لشخصية الفرد ومعتقدة والقيم والميول في تفسير الظواهر الاجتماعية اي الربط بين التطرف والعنف من جهة وشخصية الفرد من جهة أخرى.
ب. الموقفية: فتركز في مضمونها على أن الأولوية للبيئة والسياقات والظروف المحيطة بالفرد وترى بأن الموقف الذي يواجه الفرد هو الذي يؤثر على سلوكه بشكل أكبر و يفوق تاثير السمات الشخصية ويعني ذلك أن التطرف والعنف يحدث نتيجة سياقات ومواقف تؤثر في سلوك الفرد و اختياراته سواء بشكل مباشر أو غير مباشر .
واذا اردنا التوسع في النقاش من منظور الواجهتين النفسية والاجتماعية سنكتشف ان التطرف والتعصب والعنف ما هو ألا اضطراب أو مرضا نفسيا ، قد تكون اسبابه اجتماعية تتعلق بالتنشئة و التطبيع ،حيث من الممكن أن يسقط على الشخصية الجامدة المتسلطة الاكثر استعدادا لقبول التطرف ناهيك أن التطرف يشتد ويستمر بقوة بفعل عمليات الشحن الانفعالي المتواصل سواء عن طريق وسائل الإعلام أو البيئة المحيطة.لا نغفل هنا أن نذكر بما ذهب إليه بعض علماء النفس من أن بعض أسباب التطرف والتعصب هي مشاعر النقص لدى شخص ما مما يجعله يغلوا للانتساب إلى أفكار بعض الجماعات والتيارات السياسية الدينية والجتماعية ومعاييرها المثالية حيث يجد في هذا الغلو متنفسا لتعويض مشاعر النقص ناهيك عن أن المتطرف يصاحبه عادة الضحالة بالتفكير وسطحية واضحة بالمعرفة مما يشعره بالإحباط ويولد ذلك لديه عدوانية يوجه لاحقا لكل مخالف بالمجتمع والبيئة القريبة منه.
والسؤال المهم جدا ما هي طرق ووسائل مقاومة التطرف؟
ليتمكن المختصين من التحرك في الاتجاه الصحيح عليهم أن يدركوا بأن التطرف الذي يفضي لعمليات ارهابية ليس بانحراف
عرضي بالأفكار أو مرض نفسي بل ان الفرد يتحرك في هذا المسار نتيجة عوامل عدة كالدفع والجذب وبقرار أحيانا يكون
بإرادته من هنا يجب أن يبدأ الاهتمام بالفرد منذ مرحلة الطفولة في التنشئه الصالحة المتوازنة بين البيت ودور العبادة والمدرسة وذلك بإيجاد فكر جماعي يقاوم التعصب والتطرف ويتصدى له بالإضافة إلى إشباع حاجات الشباب لا سيما بعض الفئات الأكثر هشاشة في الجانبين الفكري والنفسي سيسهم في الوقاية من التطرف إضافة إلى ما سبق على الدول ان تتبنى
استراتيجية إعلامية تعتمد على الاستغلال الأمثل لوسائل الإعلام وخاصة الإعلام الإلكتروني في توعية الرأي العام والمجتمع
عامة لمخاطر الفكر المتطرف وتوجيه الخطاب الإعلامي الديني المتوازن بما يتماشى مع سياسة وتوجيهات الدولة لنشر ثقافة
التسامح والوسطية.