يحيى السنوار: “إِنَّمَا هُوَ الفَجْرُ أَو الْبَجْرُ”
بقلم: أحمد المعمري
انبرى فتية من غزّة ضدّ الاحتلال في السابع من أكتوبر المجيد، آنفين من الخطابات والتنديد، لما رأوا حقوقهم يأكلها عدوهم وأشياعه كأكل لحم القديد، فقاموا من عزّهم ليَردّوهم ٧ غيّهم بقذائف من حديد، بشبّانٍ “أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ”، وكفاح تليد، وفعل حميد، وعقل رشيد، ليكفّوا أذى “كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ”، “نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”، مُستقلّين لِمَا نهضوا من أجله بالرّدى، غير آبهين بعدةِ وجمع العدى، ومن باع نفسه لله فهل أنفقها سدى؟!، “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”، لذلك شرب أهل غزة كؤوس المنايا، لأنهم أنفوا الدنايا، مُوطِّنين أنفسهم لكل رزيّة، فهم أولي الأنوف الحميّة، لم تُجدع قطّ أنوفهم، فكيف تنخلع من العدوّ نفوسهم؟ فلم يتقهقروا قيد أنملة رغم لهيب النيران، وتطاير الأسقف والجدران، وفقد الأهل والجيران، وقد تفرّقت أشلاؤهم، وتمزقت أحشاؤهم، “فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”، يواجهونهم وهم خمصاء الأمعاء، متقطّعة حلوقهم من شحّ الماء، ولا يجدون لجروحهم وآلامهم قطرة من الدواء، ومع ذلك ينشدون:
“فإمّا حياة تسرّ الصديق * * * وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
ونفسُ الشريف لها غايتان * * * ورود المنايا ونيلُ المنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن * مخوف الجناب حرام الحمى”
يتسابقون لورود المتالف، لقصف السوالف، فإن الأوطان تُرسم حدودها بالدماء، وبالأنفس الشمّاء، وليس بالغناء، وبالكثرة التي لا تغني شيئا كالغثاء، كما قال أحمد شوقي:
“وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ *** يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
وَمَن يَسقِى وَيَشرَبُ بِالمَنايا *** إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا *** وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ *** وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ”
“وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ”، ومن لدينه قام يحرسه، ولو لم يكن لديهم حليف، وخصمهم يجيّش حتى بني قومهم لديه باللفيف، ويخوّفونهم بالعتاد المخيف، فما يرددون إلا بقلب مؤمن حنيف: “الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”.
إن القضية الفلسطينية خير شاهد على أن استشهاد القادة الكبار، لا تموت بوتهم الأفكار، وكما قال السموأل:
“إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ *** قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ”
سلم الشهيد هنية الراية للسنوار، الذي هو لحرب أكتوبر بمثابة قطب المدار، متبنيا المثل السائر “إِنَّمَا هُوَ الفَجْرُ أَو الْبَجْرُ”، فهو “جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُها المُرَجَّبُ”، وردّ حزب اليمين الأقصى الصهيوني، باليمين الأقصى النضالي، فـ”لا يفلُّ الحديدَ إلا الحديدُ”.
إن تزعم السنوار للمكتب السياسي، له عدة مكاسب يحاول الزعيم الجديد إظهارها:
١. الإخبار إن التنظيم بغزة لا يزال قائما وقادرا على الاتصال والتفاوض، مما ينسف رواية العدو التي من خلالها يروّج أنه يريد أن يجد بديلا سياسيا لحماس بغزة، بعد ترويجه لأشهر إن النظام هنالك قد اضمحلّ وتلاشى.
٢. جَعلُ الكلمة عند المناضلين بداخل غزة، يبدد الجهود المبذولة أمريكيا وصهيونيا لفصل السياسيين عن المقاتلين هنالك، من خلال المطالبة بالقادة المخططين المقاتلين، باعتبارهم عناصر إرهابية، والآن جعلهم السنوار في موقف محرج في المفاوضات، فكيف يفاوضون إرهابيا كان يطلبون تسليمه في المفاوضات؟!
٣. رسالة لأهل الداخل إنا منكم وفيكم، وإننا نقرر ونحن من حولكم ونعيش آلامكم وعذابكم ونضالكم.
٤. إنهاء حالة اللعب بالمفاوضات التي تجيدها أمريكا من تمطيط وتمديد واتهام، فقد جاءهم من نفس الصنف المتصلب، فأصبح الوضع بين طرفين متنافرين، من الأحزاب اليمينية المتطرفة للاحتلال، إلى السنوار اليميني في فكر النضال، وبذلك لا يضطر أهل غزة لتقديم التنازلات، ورفع الحرج عن الضغوطات على البلدان المضيفة.
٥. القائد بغزة، فهو أعلم بالميدان، وبمعلومات أخرى بالقطاع حاليا أكثر ممن هم بالخارج، وأصبح من الصعب تمرير معلومات مهمة لهم عن الإمكانيات المتوفرة حاليا بسبب المخابرات الغربية.
وتبقى النقطة التي بالجانب الآخر، إن السنوار سيكون عرضة للكشف أكثر، لأنه ينبغي أن يكون في هذه الأثناء أكثر نشاطا، مما قد يعرضه لخطر أكبر -لا مكن الله منه عدوه-، فينبغي أن يكون تبني هذا القرار مع بنية أساسية قادرة على تفادي هذا الوضع.
وكما قيل “لا يفتي مجاهد لقاعد”، فهم أعلم بالفوائد والقواعد، فـ”سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ”، “وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”.