الاستقطاب السياسي للتغير المناخي في السياسة العالمية: التأثير على الانتقال إلى الطاقة الخضراء والاقتصاد المستقبلي
وهج الخليج – بقلم محمد بن حسن المجيني
يُعد التغير المناخي تحدياً عالمياً يتطلب استجابة منسقة من جميع الدول. في حين أن هناك إجماعاً علمياً على أهمية مكافحة التغير المناخي، فإن الاستقطاب السياسي حول هذه القضية يؤثر بشكل كبير على جهود الانتقال إلى الطاقة الخضراء. في البداية نأتي الى تعريف مفهوم الاستقطاب السياسي كما عرفه مجموعة من الكتاب في مقالاتهم وهو حالة من التباين والاختلاف في المواقف والاراء السياسية بين جماعات واحزاب المجتمع والذي يكون نتيجة لاسباب ايدلوجية واجتماعية واقتصادية او ربما ايضا اسباب دينية او ثقافية.
لذا فأن قضية مهمة ومفصلية كقضية تغير المناخ بلا شك ستتأثر بمفهومالاستقطاب والذي بالتي سيكون له تأثيره على الاقتصاد المستقبلي للطاقة المتجددة. و سنتطرق هنا الى تأثير الاستقطاب السياسي على قضية تغير المناخ في أكثر الأنظمة السياسية تأثيرا.
في الولايات المتحدة، يُعتبر التغير المناخي قضية استقطابية عميقة بين الحزبين الرئيسيين: فالحزب الديمقراطي يدعم بقوة السياسات التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون والتحول إلى الطاقة المتجددة. ويبرز هذا الدعم في إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، وزيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، وتطبيق لوائح بيئية صارمة. اما فأن الحزب الجمهوري يبدي تحفظات على السياسات البيئية الصارمة والتي غالباً ما ينظر إليها كعبء اقتصادي. ويفضل الجمهوريون سياسات تدعم النمو الاقتصادي من خلال تخفيف اللوائح وتقليل الضرائب على الشركات. مما تسبب هذا الاستقطاب إلى تقلبات في السياسات وخلق حالة من عدم اليقين للمستثمرين والشركات في قطاع الطاقة المتجددة. هذا الغموض التنظيمي يعوق الاستثمارات طويلة الأجل ويبطئ من وتيرة التقدم.
ولالنسبة للأتحاد الأوروبي فعلى الرغم من وجود بعض التباينات بين الدول الأعضاء، الا أن أوروبا تتبنى نهجاً أكثر توحيداً واستقراراً تجاه التغير المناخي: فيعتبر الأتحاد الأوروبي هو القائد للجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي من خلال سياسات طموحة تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. حيث تتضمن الصفقة الخضراء الأوروبية استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والتنقل المستدام. على الرغم من الالتزام العام،فأن الدول الأعضاء تختلف في مستوى التقدم والقدرة فتعتبر دول مثل ألمانيا والسويد من الرواد في مجال الطاقة المتجددة بينما تواجه دول أخرى تحديات أكبر بسبب اعتمادها على الوقود الأحفوري. ولكن رغم هذا التباين فأن الاتحاد الأوروبي يقدم إطاراً سياسياً مستقراً يشجع الاستثمارات في الطاقة الخضراءوالذي بدوره يعزز الثقة لدى المستثمرين ويساعد في تحقيق تقدم مستدام.
وبالنظر إلى السياق العالمي نجد أن الاستقطاب السياسي حول التغير المناخي يختلف بشكل كبير بين المناطق حيث تتبنى بعض الدول مثل كندا واليابان وأستراليا سياسات بيئية طموحة رغم وجود بعض التباينات في الالتزام والتنفيذ رغم ما تواجه هذه الدول من الضغوطات من قبل الجمهور والمنظمات غير الحكومية لتعزيز جهودها المناخية. واما في بعض الدول التي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية فأن التحول إلى الطاقة المتجددة يواجهتحدياً كبيراً. مع ابدى بعض الدول مثل الهند والبرازيل التزاماً متزايداً بالسياسات الخضراء.
واذا ما نظرنا الى دول منطقة الخليج العربي والتي يسودها مناخ سياسي مستقر سنجد أن معظم دول الخليج قد أعدت خطط واضحة للتحول الى الطاقة المتجددة بل وضعت هدف الحياد الكربوني عام 2050 م. وهنا سنأخذ مثال بالسلطنة التي وقعت اتفاقية باريس للمناخ للقيام بدورها العالمي في الحد من التلوث الكروني لمكافحة تغير المناخ ونظرا لاستقرار المناخ السياسي العام في السلطنة فأن رؤية عمان 2040 قد وضعت البيئة المستدامة والاقتصاد المنخفض الكربون (low Carbon Economy) ضمن ركائز الرؤية. بل أن السلطنة أعدت استراتيجة الطاقة الوطنية والتي تنص أن السلطنة تستهدف انتاج الطاقة بنسبة 30% من موارد الطاقة المتجددة وعدم الاعتماد على انتاج الطاقة من الغاز أو الوقود الاحفوري. كما أشتملت أستراتيجية الوصول الى الحياد الصفري على ممكنات عملية واضحة في قطاعات رئيسية خمسة: الصناعة ، النفط والغاز ، التنقل ، الكهرباء و العمران. وقد أنعكست هذه الممكنات على أرض الواقع من خلال العديد من المشاريع والملفات الاقتصادية المعنية بالتحول للطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر من أهمها ملف الهيدروجين الأخضر حيث تم انشاء شركة هيدروم التي بدورها طرحت مناقصة عالمية لمواقع استثمار في الهيدروجين الأخضر، كما دشنت شركة ايفو في السلطنة كأول شركة توفر حلول شحن السيارات الكعربائية لتمكين التنقل الأخضر والكثير من المشاريع في هذا المجال الذي يجعل السلطنة دوله جاذبة للمستثمرين في مجال الطاقة المتجددة ناهيك عن ما تتمتع به السلطنة من موارد الطاقة المتجددة من الرياح والطاقة الشمسية والمساحات الشاسعة المناسبة لاقامة مثل هذه المشاريع.
والمتوقع أن تتجاوز الاستثمارات في الطاقة المتجددة تلك الموجهة للوقود الأحفوري خلال العقد المقبل نظرا للنمو الكبير لهذه الاستثمارات في الطاقة المتجددة على مستوى العالم والذي من المتوقع أن يساهم في تعزيز الابتكار التكنولوجي وخلق فرص عمل جديدة في قطاع الطاقة الخضراء.
كما من المتوقع أن تنخفض تكاليف الطاقة المتجددة بشكل كبير مع التطورات التكنولوجية وزيادة حجم الإنتاج. تصبح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أكثر تنافسية من الوقود الأحفوري، مما يعزز التحول نحو الطاقة الخضراء.
ومع ما يشكلة الاستقطاب السياسي حول التغير المناخي من تحدي للانتقال إلى الطاقة الخضراء على مستوى العالم ألا أن بعض الدول تلتزم بسياسات مناخية طموحة واستثمارات مستدامة من أجل الدفع بالنمو الاقتصادي المستقبلي وتعزيز الابتكار التكنولوجي. لذا فمن أجل تحقيق التقدم المستدامفي هذا المجال فأنه لا بد من وجود جهود دولية مع إرادة سياسية قوية لمعالجة التحديات وتحقيق الأهداف المناخية العالمية.