لا يضرّ السحابَ نبْحُ الكلاب
بقلم: الدكتور سالم الشكيلي
قومٌ تعوّدنا وألِفنا منهم الغدر والخيانة ، يلبسون الحق بالباطل ، والصدق بالكذب ، ينبحون كالكلاب في ظلام الليل الدامس ، والكلاب منهم براء ، تأنف نجاستهم وصفاتهم ، فهي منهم أكثر طهراً ووفاء ، يصرخون كصراخ مَن اصابه المس ، يقضون أيامهم ولياليهم في حبك المؤامرات وزرع الفتن ونشرها ، زاغت منهم القلوب والأبصار ، وسُلبت عقولهم ، حتى لكأنهم كالانعام بل هم أضلّ .
هكذا هو حال بعض من يُسمون أنفسهم نشطاء وأصحاب الأقلام المأجورة والحسابات المشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي ، الذين يملأون فضاءات هذا الكون ضجيجاً وصراخًا ونباحًا ، مسلطين سهامهم المسمومة نحو سلطنة عمان ورموزها ، بسبب مواقفها المشرفة ليس فقط بشأن الحرب على غزة ، بل بشأن كافة الأحداث الإقليمية والدولية ، وقد غرزت تلك المواقف شوكة في حلوقهم ، وسبّبت لهم مرارة نغصت حياتهم ، أورثتهم هزيمة نفسية زادت تركيبة الشعور بالنقص لديهم ، ولم يدركوا ولم يحاولوا استيعاب التاريخ العماني والسياسي بالذات ، أن الأمر ليس بغريب ، فالمتتبع الأمين للتاريخ السياسي العماني سيلحظ بوضوح ثبات هذه المواقف في جميع الظروف والأحوال فهي موزونة بموازين القسطاس المستقيم التي لا تتغير .
وفي ظني لو أنّ هذه الأقلام والحسابات ومن يمولها أو يقف وراءها أرجعَت البصر لما وجدت خللاً أو تناقضاً أو ما يُعرف في مصطلح النفاق السياسي الجديد الكيل بمكيالين .
ولأنّ هؤلاء لا ينطلقون إلا من أحقاد وضغائن مدفونة ومآرب شريرة خبيثة تخدم أجندات وأغراض شتى كلها تصب في زرع الفتنة وشق الصف وتفتيت عضد الأمة ، لكي تبقى ضعيفة رهينة الصراعات والمطامع الدولية ؛ فتراهم يقحمون الدين في السياسة ويستحضرون الاختلافات المذهبية في بعض القضايا التي يتسع فيها الرأي والاجتهاد ، كما هو الحال بين علماء وفقهاء المذهب الواحد ، فهناك فقهاء خالفوا شيوخهم وأساتذتهم ولم يُنكر عليهم أحد ذلك ، لكنّ الوضع لديهم هنا مختلف ، فترى عويلهم قد اشتدّ وتباكيهم قد احتدّ من فرط وقاحتهم وكذبهم على أنفسهم والناس ، فالكذاب يظل يكذب ويتحرى الكذب حتى يظن أنه على حق وهو في حقيقته على الباطل ، لكنه الإفلاس العام أيها السادة الذي يجعلهم يتخبطون .
أيها الحمقى ، أيها الذباب الإلكتروني ، سلطنة عمان لا تتآمر على قضايا الأمة ، ولا تتاجر بحقوق الشعوب المظلومة ، ولا تُفرّط في الحقوق المسلوبة ، كما يفعل غيرها ؛ وإنما تنطلق من مباديء ثابتة راسخة تقوم على الحق والعدل ونشر السلام والمحبة ، وإعطاء الشعوب حقها في تقرير مصيرها بإرادة حرة واستقلال تام ، وفق ما تُريده ويناسب ظروفها وتركيبتها الاجتماعية والتحديات السياسية والاقتصادية والجغرافية الخاصة بها ، دون وصاية من أحد أو استعمار مقنع يفرضه المال العفن الذي يُزكم الأنوف نتانة وخبثاً .
إنّ لعبة المصالح والهيمنة على مقدرات الشعوب ليست ضمن قاموس السياسة العمانية ، ولا تستهويها الشعارات الجوفاء التي أدمن البعض على ترديدها عند كل شاردة وواردة ، وهم في حقيقة الأمر يبطنون المكر والخديعة التي أُشرِبت الذل والهوان حتى أصبح من الصعب عليهم الانعتاق والتحرر مما هم فيه ، بل باتوا يخصفون من ورق العار يدارون به سوآتهم ، وفوق ذلك يعملون على شرعنة هذا التخاذل والذل والهوان من خلال الهجوم على الشرفاء .
ولما وجد هؤلاء قلةً قليلة من أبناء جلدتنا مطايا يركبون على ظهورها لتحقيق مآربهم لإثارة الفتنة ، فإن مسعاهم قد خاب وفشل ، كخيباتهم السابقة ، فهذه المطايا نبذتها وهجرتها التربة العمانية السمحة وهم عاجلاً ام آجلاً سيعودون إلى رشدهم وعقلهم وإلى حظيرة الوطن ، بعد أن يكتشفوا بأنهم خُدعوا وغرّرّ بهم بالتهديد والوعيد والإغراء ، ونرجو ألا تكون عودتهم بعيدة ، بل ندعوهم إلى العودة السريعة إلى حضن الوطن الأم الذي يحتوي أبناءه .
ومن المناسب في معرض هذا المقال توجيه بعض الرسائل لمثل هؤلاء لعلهم يفقهون القول ، فيقلعوا عن غيّهم والاسترسال فيه ، ويريحوا أنفسهم من محاولاتهم البائسة :
– الأولى ؛ نحن قوم لنا سياساتنا وقناعاتنا التي نؤمن ونتمسك بها وندافع عنها ، لأننا في الأصل أصل وليس فرعاً ، نحن نُتْبع ولا نَتبع ، ونقود ولا نُقاد ، ومع ذلك لا نلزم أحداً برأينا بل نحترم آراء الآخرين ولا نتدخل في شؤونهم الداخلية ، وفي الوقت نفسه لا نسمح لأيّ كان أن يتدخل في أي شأن من شؤوننا .
– الثانية ؛ إنّ النباح والضجيج الذي يمارس ويوجه ضد سلطنة عمان لا يعدو إلا أن يكون شبيهاً لطنين ذباب أو صرير باب ، وستظل – سلطنة عمان – ثابتة على الحق ، فذلك جزء من هويتنا الوطنية التي ألِفها منّا القاصي والداني وأصبحت نموذجاً يحتذى به .
– الثالثة ؛ ستظل الوحدة الوطنية للعمانيين عصيّة على الاختراق مهما حاول المبطلون ونعق الناعقون ، فالعماني يستند على حضارة عمرها آلاف السنين وتاريخ ضارب في القدم ، امتزج بالعرق والدم والنضال والعمل الوطني ؛ فتولّد لديهم عشق الوطن وترابه حتى النخاع فلا يرون له ولا عنه بديلاً ، والعيش في خيمة على سفح وادٍ أو جبل من جبال سلطنة عمان بكرامة وحرية واطمئنان وعزة نفس ، أشرف من قصور الدنيا في أي مكان آخر قائم على الخنوع والمذلة ، وعلى هذا باتت هذه الوحدة هي العروة الوثقى التي لا انفصام لها ، فهي محكمة مبرمة قوية لا ينفك رباطها ووثاقها .
وختاماً نقول لكل من يسيء إلى عمان وشعبها ؛ موتوا بغيظكم ، والله غالبٌ على أمره ، وسيحفظ هذا البلد من شروركم وكيدكم وحقدكم ومكركم ، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين .. ولن يضرّ السحابَ نبحُ الكلاب .
وكما كان عنوان المقال مثَلاً فأختمه بمثَل :
الكلاب تنبح والقافلة تسير .