محلل أمريكي: هجمات “أنصار الله” في البحر الأحمر تعطي دروسا صعبة للغرب
وهج الخليج – وكالات
أصبحت البحرية الأمريكية مشغولة تماما في البحر الأحمر، حيث واصل “أنصار الله” عرقلة وخنق حركة الملاحة البحرية عبر الممر الاستراتيجي على الرغم من الهجمات المتكررة من جانب القوات البحرية التابعة للولايات المتحدة والتي تستهدف القضاء على التهديد.
ومنذ يناير 2024، ضربت البحرية أهدافا لـ”أنصار الله” بشكل متكرر باستخدام الصواريخ والمسيرات وطائرات “اف ـ 18 سوبر هورنت”. وأشار نائب الأدميرال براد كوبر، نائب قائد القيام المركزية الأمريكية في فبراير إلى إنه يتعين على المرء أن يعود إلى الحرب العالمية الثانية ليجد معارك بحرية بنفس الحجم والنطاق.
ويشارك أكثر من 7 آلاف بحار في القتال. وكما قال “إنهم يتعرضون لإطلاق نار، نحن نتعرض لإطلاق نار، ونحن نقوم بالرد بإطلاق النار”.
وقال المحلل الأمريكي والمحامي الدولي المتقاعد رامون ماركس، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية إنه على الرغم من القوة البحرية الأمريكية، لا يزال “أنصار الله” متماسكين، ولا يزالون يهاجمون بشكل متكرر حركة الملاحة التجارية والسفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر.
وفي مارس الجاري أطلق “أنصار الله” صاروخا مضاد للسفن على السفينة الأمريكية “يو اس اس لابون”، وهي مدمرة من فئة “ارلي بورك” تردد أنها تتكلف ما يقرب من مليار دولار. وقد انتشرت حرب العصابات من الأرض إلى البحر.
وقال ماركس إن ما يحدث في البحر الأحمر يظهر كيف أن تطوير صواريخ متنقلة وأرضية مضادة للسفن ومسيرات رخيصة يحدث ثورة في الحرب البحرية، تماما كما أحدثت حاملات الطائرات ثورة في القرن الماضي. ولم يعد بإمكان سفن القتال السطحي، بما في ذلك حاملات الطائرات، التحكم بشكل كامل في البحار.
ويجب على المنصات السطحة هذه أن تراقب أنظمة الأسلحة الشاطئية التي يمكن أن تصل إليها الدول وحتى المتمردون. إن نجاح أوكرانيا في صد البحرية الروسية بالمسيرات والصواريخ في البحر الأسود، تمكن “أنصار الله” من نقله إلى البحر الأحمر، وهو شيء لم يكن من الممكن تصوره قبل أعوام قليلة.
ويرى ماركس أن الدرس الاستراتيجي الذي يمكن تعلمه من حملتي البحر الأسود والبحر الأحمر هو أن إحصاء عدد السفن الحربية ربما لم يعد أفضل دليل لتقييم قدرة دولة على غلق الممرات البحرية أو السيطرة عليها . إن الصواريخ الشاطئية والمسيرات غير القابلة للغرق القادرة على ضرب أهداف على بعد مئات وحتى آلاف الأميال في البحر، يمكن أن تشكل الآن نفس تهديد السفن الحربية السطحية أو تهديدا أكبر. وتمتلك الصين صواريخ متنقلة مضادة للسفن ومسيرات منتشرة بطول سواحلها (ومن بينها الجزر) والتي يبلغ طولها 19 ألف ميل.
وهناك نتيجة أخرى لهجمات “أنصار الله” في البحر الأحمر وهي التسبب فيما يمكن أن يكون تغييرا دائما في أنماط التجارة الدولية والنقل. وبشكل تقليدي، تمر 40% من التجارة العالمية بين أسيا وأوروبا عبر البحر الأحمر. واضطرت التجارة البحرية إلى تغيير مسارها بسبب هجمات “أنصار الله” المستمرة، لتسلك الرحلة الأطول والأكثر تكلفة حول قارة أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح. وقد تراجعت إيرادات مصر من حركة المرور عبر قناة السويس من البحر الأحمر، الأمر الذي يقوض الاقتصاد المتعثر لدولة حيوية لاستقرار الشرق الأوسط.
ويقول ماركس إن الأمر الأسوأ هو أن روسيا تستفيد أيضا من اضطراب الملاحة في البحر الأحمر. فقد خلقت هجمات “أنصار الله” ضد حركة الملاحة في البحر الأحمر عملا تجاريا متناميا لخطوط السكك الحديدية الروسية بين الصين وأوروبا. والأمر المثير للسخرية هو أن العقوبات الغربية ضد روسيا لا تمنع عمليات نقل الشحنات عبر السكك الحديدية. وهناك شكوك أيضا في أن ترغب ديمقراطيات الاتحاد الأوروبي في التضحية بتجارتها مع الصين من خلال فرض عقوبات على حركة النقل، مما سيجعلها تخسر خدمات الشحن الروسية بالسكك الحديدة ذات الكفاءة الاقتصادية.
وقال ماركس إن العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا بسبب أوكرانيا دفعت روسيا بالفعل إلى الابتعاد عن أوروبا والتعامل بشكل أكبر مع الشرق. وخلال العامين اللذين شهدا قيام حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات، ارتفعت الواردات الروسية من الصين إلى مستويات، اتضح بما يثير الدهشة، أنها أكبر من الواردات من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا قبل أن تدخل العقوبات الغربية حيز التنفيذ. كما تعمل روسيا على إقامة علاقات مع الهند ودول الخليج من خلال تطوير طرق نقل جديدة. وتقوم موسكو ببناء خط للسكك الحديدية إلى موانئ في إيران لتقليص وقت الشحن بين الهند ودول الخليج. وبالإضافة إلى هذه التحولات في طرق التجارة، خلقت هجمات “أنصار الله” على حركة التجارة في البحر الأحمر فرصا جديدة لموسكو لتستغل موقعها المركزي في أوراسيا، وتستحوذ على المزيد من حركة الشحن التجاري من الممرات البحرية.
واستبعد ماركس أن تتمكن البحرية الأمريكية، والتي انضم إليها حلفاء أوروبيون في إطار العملية “أسبيدس” من التوصل إلى حل عسكري حاسم للقضاء على هجمات الصواريخ والمسيرات التابعة لـ “أنصار الله”.
كما أن استمرار الجمود البحري مع “أنصار الله” لا يعد انتصارا. ومع إدراك أنه لا يمكن حل الأزمة عسكريا، بدأت واشنطن بالفعل في السعي إلى صيغة دبلوماسية، حتى أنها تواصلت مع طهران للمساعدة في إجراء مفاوضات عبر قنوات خلفية.
واختتم المحلل رامون ماركس تحليله بالقول إن إنهاء هجمات “أنصار الله” قد ينتظر حتى تحقيق السلام في غزة. وحتى عندما يأتي هذا اليوم، لن تنتهي التداعيات طويلة المدى لما حدث في البحر الأحمر.
وستسمر شرايين النقل التجاري الجديدة في روسيا في الاندماج مما سيؤدي إلى تحويل اتحاه أنماط التجارة الدولية، كما سيستمر النقاش بشأن كيفية تكيف القوات البحرية الحديثة مع المسيرات الأرضية والصواريخ المضادة للسفن. وستستمر هذه التحديات أمام الغرب لفترة طويلة بعد توقف هجمات “أنصار الله” بشكل نهائي.