لماذا أوقع زلزال اليابان 0.1% فقط من عدد الوفيات التي وقعت في زلزال تركيا؟
وهج الخليج – وكالات
خلال فبراير الماضي، أودى الزلزال الذي ضرب تركيا، وبلغت قوته 8ر7 درجات على مقياس ريختر، بحياة أكثر من 59 ألف شخص. وأودى الزلزال الذي بلغت قوته 6ر7 درجات على مقياس ريختر وضرب غرب اليابان خلال هذا الأسبوع بحياة 62 شخصا بحسب أحدث البيانات.
والسؤال هو لماذا سجلت دولة 0.1% فقط من وفيات تركيا؟.
في كثير من الجوانب، تتشابه الدولتان. فكلاهما لديهما عدة تصدعات نشطة وتاريخ من الكوارث. وكلاهما لديهما سجل تاريجي من الصدمات الجيولوجية الكبيرة والمتكررة. ولكن المقارنة تظهر أن تجربتهما تتباين بقوة. التحدي الحقيقي بالنسبة لبقية العالم هو كيف يمكن أن تكون الدول أقرب لليابان، وأقل تشابها مع تركيا. وعلى الرغم من عدم وجود وسيلة لمنع وقوع الزلزال، فما يمكن منعه، أو على الأقل الحد من ضرره، هو حجم الكارثة الناجمة عن هذه الهزات التي لا يمكن تجنبها.
بالنسبة لقوة الزلزالين، فكلاهما كان قويا. ورقميا، فإن 6ر7 درجات لا تبدو أقل بكثير من 8ر7. ولكن يمكن قياس قوة الزلزال لوغارتيميا. فإن قوة 8ر7 درجات تعني أكبر 5ر1 مرة من قوة 6ر7 درجات و أقوى مرتين، ووفقا لهيئة المسح الأمريكي الجيولوجي. فهي القوة، أو خروج الطاقة، التي دمرت المباني. ففي تركيا، دمرت هزة ارتدادية قوية بقوة 5ر7 درجات المباني التي أصبحبت غير مستقرة بالفعل.
مع ذلك، فإن اليابان شهدت زلازل سابقة تجاوزت قوتها زلزال تركيا، وقد واجهت الأمر بصورة أفضل أيضا. فعلى سبيل المثال، زلزال 2011، الذي بلغت قوته 1ر9 درجات . فقد أودى ذلك الزلزال بحياة 15 ألف شخص، وهو ما يعد أقل بكثير مما حصده زلزال تركيا. كما أن معظم الأشخاص لقوا حتفهم بسبب موجات المد العاتية ( تسونامي). ومن الناحية الجغرافية، فإن اليابان، التي يبلغ تعداد سكانها 125 مليون نسمة، تعد أكبر من ناحية الكثافة السكانية عن تركيا، التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة. ولكن زلزال اليابان ضرب شبه جزيرة، محاطة بالمياه من جانب واحد.
وضرب زلزال تركيا منطقة مغلقة مكتظة بالسكان على الحدود مع سوريا. وكانت المدينة الأكثر تضررا غازي عنتاب، التي لجأ للإقامة فيها الملايين من الفارين من الحرب الأهلية في سوريا . وفيما يخص الصراع السياسي، فإن جهود الانقاذ العالمية لتركيا واجهت تحديات عميقة. وهذا أدى لتأخير المساعدة التي يحتاجها المصابون والمرضى. وقال إيرول يايبوكي المدير السابق للهشاشة والتنقل بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن مدينة غازي عنتاب التركية كانت ” حرفيا منطقة على الخطوط الأمامية بالنسبة للاستجابة الانسانية”.
وأضاف أنه مما زاد الطين بلة، هو أن الكثير من منظمات الاغاثة الدولية التي كان من شأنها المساعدة كانت متواجدة بالفعل في غازي عنتاب، لذلك فقد كانت تعاني نفسها من الأضرار التي تعرضت لها . وفي أعقاب الزلزال، كان الممر الوحيد الذي تجيزه الأمم المتحدة لجلب المساعدات الدولية إلى شمال غرب سوريا لا يعمل لفترة من الوقت، بسبب الأضرار التي لحقت بالمنطقة.
ومن العوامل التي فاقمت من صعوبة وصول المساعدات، الحرب الأهلية في سوريا والانقسام في المنطقة والعلاقات التي تتسم بالحدة بين الرئيس بشار الأسد والكثير من الدول الغربية، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. وعلى النقيض، فإن اليابان نموذج للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وفقا للمنتدى الاقتصادى العالمي. وأدت نفس الطبيعة الجمعية ، التي ساعدتها في مواجهة جائحة كورونا بنجاح من خلال ارتداء الكمامات بطريقة موسعة والحد من عمليات تسريح الموظفين ورفع معدلات التوظيف، إلى مساعدتها في التعامل بسرعة وبكفاءة مع الزلازل.
وقامت اليابان بعد يوم من وقوع الزلزال بتنظيم نشر 10 آلاف من أفراد قوتها العسكرية للمساعدة في جهود الانقاذ والاغاثة. ولكن الاختلاف الكبير هو الاستعداد. الزلازل لا تقتل، المبانى سيئة التشييد هى من تقوم بذلك. جعلت اليابان السلامة من النشاط الزلزالي أولوية وطنية، حيث قامت بإنشاء رمز البناء الزلزالي الذي يعد الأكثر صرامة في العالم.
وأظهرت وسائل الاعلام اليابانية سلسلة من الانهيارات الأرضية الكبيرة والطرق الساحلية المنهارة والأشجار المتساقطة وانهيار حائط بحري دفاعي. كما أظهرت صور أخرى شوارع غمرتها المياه والعشرات من القوارب المنقبلة. وقد انهارت المباني، ولكن يبدو أن الكثير من الوفيات وقعت بسبب الحرائق وليس المباني التي انهارت. وقد تم تسجيل 24 حالة وفاة في مدينة واجيما، حيث اندلع حريق كبير في سوق سياحي شهير. كما اندلعت النيران في أكثر من 100 منزل بعد وقوع الزلزال.
ويذكر أن اليابان قد استفادت من تجربتها المفجعة السابقة، ففي عام 1923، دمر زلزال بقوة 9ر7 درجات مدينة طوكيو، مما أسفر عن مقتل 105 آلاف شخص. وخلال عام. بدأت الحكومة اليابانية بالفعل في تدشين أول كود مباني للبناء المقاوم لزلزال، مما مثل بداية التصميم الهيكلي المقاوم للزلزال في العالم. وخلال زلزال 2011 القوي، كان حجم الضرر في طوكيو محدودا. فقد اهتزت الأبراج السكنية بصورة مقلقة لعدة دقائق، ولكنها لم تنهار.
وقد حذت دول أخرى حذو اليابان. فقد قامت تشيلي، التي شهدت أقوى زلزال تسجله هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي وبلغت قوته 5ر9 درجات على مقياس ريختر عام 1960، باستثمارات ضخمة في التصميم المقاوم للزلزال وقاعدة رموز المباني الصارمة. وقد سببت الزلازل الأخيرة في تشيلي في وقوع وفيات قليلة إن كانت هنك وفيات فعلا. وعلى العكس، قالت نقابة غرف المهندسين التركية وغرفة مهندسي مخططي المدينة لهيئة الاذاعة البريطانية ” بي بي سي” إن الكثير من الخسائر البشرية في تركيا وقعت في المباني التي تم بناؤها بمواد لا ترتقي للمعايير، كما سُمح بدعم مسؤولين حكوميين أخفقوا في تطبيق رموز البناء التي تتطلب بناء مباني مقاومة للزلزال.