سلطنة عُمان وسنغافورة.. طموحاتٌ اقتصاديّة واستثماريّة
وهج الخليج – العمانية
تواصل سلطنة عُمان بقيادة حضرةِ صاحبِ الجلالةِ – حفظه اللهُ ورعاه- مدّ جسور التواصل وتعزيز الصداقة والتعاون مع مختلف دول العالم وفقًا للمصالح والمنافع المشتركة، وهو ما تؤكّده زيارة الدولة لجلالتِه إلى جمهورية سنغافورة- الأربعاء المقبل بصفتها أول دولة يزورها جلالتُه في جنوب شرق آسيا.
ويسعى البلدان إلى تعظيم الاستفادة من علاقاتهما الوطيدة والصداقة الراسخة حيث شهدا خلال السنوات الماضية حراكًا على مختلف المستويات والمجالات أبرزها السياسية والاقتصادية والثقافية، عكَس رغبتيهما في دفع مستويات التعاون بينهما إلى مزيد من التقدم والتطوير.
وتشكّل التجارة البينية بين سلطنة عُمان وجمهورية سنغافورة نحو 3 بالمائة من إجمالي التجارة الخارجية لسلطنة عُمان بنهاية عام 2022م، وسجل حجم التبادل التجاري حتى نهاية شهر سبتمبر 2023م نحو 576.4 مليون ريال عُماني؛ وفقًا للبيانات المبدئية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
وبيّنت الإحصاءات أن إجمالي الصادرات العُمانية إلى سنغافورة بلغ حتى نهاية سبتمبر الماضي حوالي 521.7 مليون ريال عُماني، فيما وصل إجمالي الواردات من سنغافورة لسلطنة عُمان إلى 54.6 مليون ريال عُماني.
وتمثلت أهم السلع العُمانية المصدرة إلى سنغافورة في منتجات النفط والغاز والميثانول ومواد البولي بروبيلين بأشكالها الأولية، وبعض المنتجات الحديدية والعطور وغيرها من المنتجات الغذائية، فيما تمثلت أبرز السلع المستوردة من سنغافورة في قطع غيار المركبات وزيوت الوقود للمحركات والسفن وزيوت التشحيم وأكسيد الألمنيوم وغيرها.
وبلغ إجمالي عدد الشركات السنغافورية المسجلة في سلطنة عُمان بنهاية عام 2022م أكثر من 24 شركة بإجمالي رأس مال مستثمر تجاوز 55.8 مليون ريال عُماني؛ شملت قطاعات عدّة أبرزها الإنشاءات والتجارة والصناعة والتعدين والخدمات والسياحة والتعليم والنفط والغاز والنقل والاتصالات.
وقال سعادة المستشار أنور بن أحمد مقيبل القائم بأعمال سفارة سلطنة عُمان في جمهورية سنغافورة إن الزيارة الرسميّة لجلالةِ عاهل البلاد المفدّى إلى جمهورية سنغافورة بصفتها أول دولة في جنوب شرق آسيا يزورها، تحمل العديد من الأبعاد أبرزها تقديرُ جلالتِه/ أعزّه الله/ للعلاقات مع جمهورية سنغافورة الصديقة وتعزيز التعاون على المستويات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن هذه الزيارة التاريخية تأتي تلبيةً لدعوة رسميّة من فخامة الرئيس ثارمان شانموغاراتنام رئيس جمهورية سنغافورة الذي فاز في الانتخابات الرئاسية في شهر سبتمبر الماضي، كما تحمل هذه الزيارة أيضًا تقديرًا عاليًا من الجانب السنغافوري لسلطنة عُمان حيث يعدُّ جلالةُ السُّلطان المعظم/حفظه اللهُ ورعاهُ/ أول قائد يستضيفه الرئيس السنغافوري.
ولفت إلى أن المباحثات التي سيعقدُها القائدان تطلق حقبة جديدة من مجالات التعاون الثنائي بين البلدين في مسيرة العلاقات المتميزة بين البلدين الصديقين، خاصةً في مجالات الطاقة المتجدّدة والأمن الغذائي والاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية وتكنولوجيا التعليم والتدريب الذكي والصناعات اللوجستية والنقل البحري كما سيُوقّع البلدان على مذكرات تفاهم تعزّز التعاون الثنائي.
ووضّح أن العلاقات العُمانية السنغافورية شهدت نقلة نوعية هذا العام، حيث قرّر البلدان الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية إلى المستوى الاستراتيجي، فتم الإعلان خلال الحوار الاستراتيجي الأول الذي عُقد بسنغافورة عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما وذلك بترقية القنصليات العامة في كلا البلدين إلى سفارات مقيمة ابتداءً من الأول من يناير هذا العام، بالإضافة إلى قيام عدد من الوفود الرسميّة العُمانيّة بزيارات لجمهورية سنغافورة أسهمت في تعزيز حجم التبادل التجاري بين البلدين إذ حقق نموًّا بنسبة 80 بالمائة.
وبيّن أن للعلاقات العُمانية السنغافورية شواهد عظيمة تؤكد على عمق ومتانة العلاقات القائمة بينهما، أحدها شارع مسقط التاريخي الذي يقع في قلب سنغافورة، وسفينة جوهرة مسقط التي ترسو حاليًّا في متحف جزيرة سانتوزا البحري بسنغافورة، ويدلّ احتضان جمهورية سنغافورة هذين المعلمين على التواصل الوثيق والروابط التاريخية والتجارية والثقافية بين البلدين.
وأشار إلى أن إطلاق اسم شارع مسقط تيمّنًا بالعاصمة العُمانية في عام 1909م، هو دليل على عمق وأصالة العلاقات التاريخية بين البلدين، حيث اعتبر ميناء سنغافورة من الموانئ المهمة في طريق الحرير البحري، وكان للتجار العُمانيين والسفن العُمانية دور مهم في التبادل التجاري بمنطقة جنوب شرق آسيا، وجسدت سفينة جوهرة مسقط في عصرنا الحاضر الرحلات البحرية التاريخية في هذه المنطقة. وتقديرًا لعلاقات الصداقة بين البلدين فقد تم إهداء سفينة جوهرة مسقط للشعب السنغافوري في عام 2010م.
من جهة أخرى، قال سعادةُ سيد نور الدين بن سيد هاشم القائم بأعمال سفارة سنغافورة لدى سلطنة عُمان إن زيارة حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظه اللهُ ورعاه/ إلى جمهورية سنغافورة ستكون أول زيارة لجلالتِه لبلاده ولمنطقة شرق آسيا، وأول زيارة دولة يستضيفها فخامةُ الرئيس ثارمان شانموغاراتنام رئيسُ جمهورية سنغافورة الذي تم انتخابه في سبتمبر 2023، وأنها ستمثّل علامة فارقة تؤكد على العلاقة المميزة بين سلطنة عُمان وجمهورية سنغافورة.
وأضاف سعادتُه في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين تأسست في فبراير ١٩٨٥، وشهدت تطورات مهمة خلال السنوات الماضية تمثلت في رفع التمثيل الدبلوماسي من مستوى قنصليات عامة إلى مستوى سفارات في يناير من العام الجاري خلال عقد الحوار الاستراتيجي الافتتاحي بينهما في ديسمبر ٢٠٢٢م بالإضافة إلى استمرار عقد مشاورات ثنائية بشكل منتظم واجتماعات اللجنة السنغافورية العُمانية المشتركة.
ووضح سعادتُه أن كلًّا من سلطنة عُمان وجمهورية سنغافورة لديهما العديد من القواسم المشتركة بداية من الموقع الجغرافي لكلا البلدين المطلّ على المحيط الهندي، والنشاط التجاري البحري المشترك الذي يعود لقرون من الزمن، واحترام النظام الدولي القائم على القواعد والأعراف.
وأشار سعادتُه إلى أن البلدين تربطهما علاقاتٌ اقتصادية وثقافية من خلال طرق التجارة المبتكرة تمثلت في الرحلة التاريخية لجوهرة مسقط التي تجاوزت 6000 كيلومتر في عام 2010 من مسقط إلى سنغافورة؛ وهي سفينة شراعية عربية أعيد بناؤها، وكانت هديّة لسنغافورة من السُّلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه – وجسّد مسارُ الرحلة الطريقَ الذي كان التجار يسلكونه في الماضي بين آسيا والشرق الأوسط.
وتطرق سعادتُه إلى الروابط الثقافية بين البلدين الصديقين من بينها إعادة تطوير شارع مسقط في منطقة كامبونج جلام في سنغافورة ليحتوي على قناطر وجداريات على الطراز العُماني مع لوحات توضيحية مصاحبة، ويقع الشارع في منطقة حيوية نابضة بالحياة تعكس أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وقال سعادتُه إن البلدين وقّعا على اتفاقية الاستثمار الثنائي التي دخلت حيز التنفيذ في أغسطس 2009، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي التي دخلت حيز التنفيذ في أبريل 2006.
وأكد سعادتُه على أن سلطنة عُمان تعد سابع أكبر شريك تجاري لسنغافورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام ٢٠٢٢م وفي المرتبة الـ ٥٥ عالميًّا بصفتها أكبر شريك تجاري لسنغافورة، مشيرا إلى أن إجمالي التجارة الثنائية بين البلدين بلغ 1.36 مليار دولار سنغافوري.
وأضاف سعادتُه أن الشركات السنغافورية في سلطنة عُمان تعمل حاليًّا بشكل رئيس في قطاعات النقل والبناء والخدمات المهنية والنفط والغاز واللوجستيات ومناولة البضائع والشحن والخدمات المالية ومشروعات الطاقة النظيفة والاستزراع السمكي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وختم سعادتُه تصريحه بالتطرق إلى أهمية استكشاف سبل التعاون في مشروعات الطاقة المتجدّدة بين البلدين الصديقين خاصة مع التركيز المشترك بينهما على البدائل منخفضة الكربون وحلول كفاءة الطاقة المتمثلة في مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا والطاقة الشمسية وطاقة الرياح للانتقال السريع إلى صافي انبعاثات صفرية وتعزيز أمن الطاقة.
وقال سعادةُ فيصل بن عبد الله الرواس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان إن الصداقة الراسخة والعلاقات الوطيدة بين سلطنة عُمان وجمهورية سنغافورة، تدفع إلى تعزيز التعاون التجاري والاستثماري خاصة مع وجود رغبة بين البلدين على المستويات الرسمية وغير الرسمية في توطيد هذه العلاقات بما يخدم المصالح المشتركة.
وأضاف سعادتُه في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن سلطنة عُمان ومع استشرافها المستقبلي المتمثل في رؤية عُمان 2040 تشهد تطورات ملحوظة في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والاستثمارية لاسيما وأن هذه التجربة قائمة على تطوير مؤسّسات ومنهجيّات وعلى استشراف المستقبل، موضّحا أن الشركات السنغافورية تملك تقنيات متقدّمة ومن الممكن أن تستفيد منها الشركات العُمانية، كما أنه يمكن الاستفادة من خبرة الشركات السنغافورية في تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالإضافة إلى التعاون في مجال حاضنات الأعمال الرقمية خاصة وأن سلطنة عُمان تولي اهتمامًا كبيرًا لرعاية ومساعدة الشركات الناشئة على تحقيق النمو.
وبيّن سعادتُه أن الجانبين العُماني والسنغافوري يجمعهما على الصعيد التجاري والاستثماري الحرصُ على فهم التحدّيات واستشراف الفرص والتخطيط الاستراتيجي والتنموي ليقترن ذلك بمُمكنات التعاون بين البلدين حيث إن سلطنة عُمان بوابةٌ لسنغافورة ولأسواق واعدة في منطقة الخليج وشرق أفريقيا داعيًا أصحاب الأعمال في البلدين إلى الاستفادة مما تتيحه اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجمهورية سنغافورة وما يصاحب هذه الاتفاقية من مزايا متعدّدة، بالإضافة إلى إمكانية التعاون في القطاع السياحي واللوجستي وغيرها من القطاعات.
وقال الدكتور خالد بن سعيد العامري، رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العُمانية إن الشركات السنغافورية في سلطنة عُمان تشكل عاملًا مهمًّا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين الصديقين، وتعمل في الطاقة والخدمات والإنشاءات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مما يُعد فرصة للاستفادة من خبراتها وتوظيفها لصالح الشركات العُمانية.
وأضاف أن الاجتماعات المشتركة بين الجانبين عكست الرغبة المتبادلة في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري من خلال تأسيس شراكات جديدة في قطاعات عدة كالقطاع السياحي والسمكي بالإضافة إلى العروض الاستثمارية المتاحة في سلطنة عُمان والمُمكن تنفيذها.
وأشار في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إلى أن إجمالي الواردات العُمانية من جمهورية سنغافورة بلغت 186,7 مليون ريال عُماني خلال عام 2022م، فيما بلغت قيمة إجمالي الصادرات العُمانية إلى جمهورية سنغافورة 794,5 مليون ريال عُماني خلال الفترة نفسها.
ولفت إلى أن التبادل التجاري بين البلدين شهد نموًّا مطّردا خلال العامين المنصرمين، حيث ارتفع ليصل إلى أكثر من مليار ريال عُماني بنهاية عام 2022م، مقارنة بحوالي 553 مليون ريال في 2021م، وقد نمت صادرات سلطنة عُمان إلى جمهورية سنغافورة منذ عام 2018 بعدما شهدت تراجعًا متواصلًا، حيث بلغت حوالي 834 مليون ريال عُماني بنهاية ديسمبر 2022م مقارنة بنحو 258 مليون ريال عُماني في 2018م، وفي المقابل بلغت واردات جمهورية سنغافورة إلى الأسواق العُمانية نحو 186.7 مليون ريال عُماني بنهاية عام 2022م.
وأكد على أن التطور والاهتمام التجاري بين سلطنة عُمان وجمهورية سنغافورة انعكس ليس فقط على نمو التجارة البينية بين البلدين بل إن سلطنة عُمان استفادت من ذلك في تحقيق فائض في الميزان التجاري لصالحها حيث بلغ في عام 2022م نحو 653 مليون ريال عُماني مقارنة بحوالي 329 مليون ريال عُماني بنهاية عام 2021.
ووضح أن السلع التي تصدرها سلطنة عُمان إلى جمهورية سنغافورة (حتى سبتمبر 2023م) تهيمن عليها منتجات الصناعات الكيماوية والصناعات المرتبطة بها بنسبة 50 بالمائة، وتأتي المعادن العادية ومصنوعاتها في المرتبة الثانية بـ 44 بالمائة، ثم المنتجات المعدنية بـ 4 بالمائة.. بينما تأتي في مقدمة السلع التي تستوردها سلطنة عُمان من جمهورية سنغافورة (حتى سبتمبر 2023م)، المنتجات المعدنية وتمثل 37 بالمائة من إجمالي قيمة الواردات من السوق السنغافوري، تليها الآلات والمعدات الكهربائية وأجزاؤها بـ 32 بالمائة، ثم منتجات الصناعة الكيماوية والصناعات المرتبطة بها بنحو 9 بالمائة.