القمّتان العربية والإسلامية تبحثان في الرياض إيجاد حلول عاجلة للوضع المأساوي في الأراضي الفلسطينية
وهج الخليج – مسقط
في ظل تصاعد التوترات واستمرار الأزمة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية على وجه العموم وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، تستعدّ الدول العربية والإسلامية لعقد قمّتين طارئتين يُنظر إليهما كـبارقتي أمل تلوحان في الأفق، لا تحملان فقط أهمية سياسية بل تتطلعان إلى إيجاد مبادرات إنسانية ملحة لإغاثة وإنقاذ سكان غزة.
وتهدف القمّتان إلى توحيد الجهود لمعالجة الوضع الإنساني العاجل في قطاع غزة، والعمل على صياغة استجابة موحدة تجاه الأزمة، مع الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتأمين ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي، عُقدت العديد من الاجتماعات، بدءًا من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والدول الإسلامية ومجلس الأمن، خرجت جميعُها بِبياناتِ تنديد في بعضها واستخدامِ حقّ نقض الفيتو في بعضها الآخر، ولا يزال الوضع في تصاعد مستمر رغم الحراك الدولي لتخفيف المعاناة على الشعب الفلسطيني وبشكل خاص في قطاع غزة رغم الإدانات من الدول الخليجية والعربية وبعض الدول العالمية.
ولئن نجحت هذه الجهود فيما بعد بالحصول على أغلبية الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع قرار عربي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في غزة، فإنها لا تجد طريقًا للتنفيذ لأنها لا تستند إلى قوة ملزمة.
وفي ٢٢ أكتوبر الماضي دعت جمهورية مصر العربية إلى عقد “قمة القاهرة للسلام” شاركت فيها الدول العربية وبعض دول العالم وناقشت التصعيد الإسرائيلي الذي بدأ يوم السبت 7 أكتوبر 2023 في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة خاصة في قطاع غزة، واستمرار سقوط الشهداء الأبرياء، مع بيان الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والإنساني.
وصدر عن هذه القمة بيان إدانة ورفض استهداف المدنيين، وكل أعمال العنف والإرهاب ضدهم، وجميع الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي بما فيه القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان من قبل أي طرف، بما في ذلك استهداف البنية الأساسية والمنشآت المدنية، وإدانة التهجير القسري الفردي أو الجماعي، وسياسة العقاب الجماعي.
ودعا وزراء خارجية الدول الإسلامية خلال اجتماعهم الذي عُقد في ١٨ أكتوبر الماضي إلى وقف إطلاق النار فورًا على الأراضي الفلسطينية المحتلة وبشكل خاص قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وما زال الوضع في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن له تبعات مؤلمة وآثار إنسانية وأمنية على المنطقة، وأحدث أزمة إنسانية لا مثيل لها على مستوى العالم من قصفٍ ودمار وقتل وتهجير وحصار خانق تعدّى حدود الإنسانية والقانون الدولي والإنساني.
وقرّرت جامعة الدول العربية وبطلب من دولة فلسطين والمملكة العربية السعودية التي تترأس الدورة الحالية للقمّة العربية الثانية والثلاثين عقدَ قمةٍ عربية طارئة بتاريخ ١١ نوفمبر الحالي بالعاصمة السعودية الرياض يتم خلالها بحث الأوضاع في قطاع غزة من تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية على القطاع والخطوات الواجب اتخاذها تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام والتحرك العربي على المستوى الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
كما أعلنت منظمة التعاون الإسلامي وبطلب من المملكة العربية السعودية بصفتها رئيسة القمة الحالية عقد قمةٍ طارئة الأحد المقبل بتاريخ ١٢ نوفمبر في العاصمة السعودية الرياض، لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مع دخول القصف الإسرائيلي على القطاع يومه الـ32.
وتُظهر سلطنة عُمان التزامًا قويًّا تجاه الوضع في قطاع غزة ودعمًا مستمرًّا للشعب الفلسطيني ولطالما عُرفت سياستها الخارجية بالاتزان والهدوء في دورها الدبلوماسي، وبتضامنها مع الشعب الفلسطيني من خلال مختلف القنوات الدبلوماسية والإنسانية.
كما دعت المجتمعَ الدولي إلى إجراء تحقيق مستقل حول العدوان الإسرائيلي ومحاكمته على استهدافه المتعمّد للمدنيين في قطاع غزة ومنشآتهم وحرمانهم من احتياجاتهم الإنسانية وتجويعهم وإخضاعهم للحصار والعقاب الجماعي.
وفي هذا الشأن أكّد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية في تصريح سابق لوكالة الأنباء العُمانية على أنّ سلطنة عُمان ملتزمة بالحلول السياسية المستندة إلى الحوار وسيادة القانون الدولي وضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف الحرب على غزة وردع إسرائيل في انتهاكاتها القانون الدولي واستمرار عملياتها العسكرية في قتل المدنيين داخل القطاع وهدم المنشآت والمباني والأحياء المدنية في جميع الأراضي الفلسطينية.
وناشد معاليه المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات قوية رادعة وعقابية أمام التصريحات الوحشية والتهديدات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين كتلك التي تفوّه بها وزير المالية الإسرائيلي الحالي، وإيقاف الحرب على قطاع غزة، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية، وتقديم المساندة والدعم السياسي، ورفض تهجير الفلسطينيين للدول العربية المجاورة الذي سبق وأن رفضته جميعُها، وهذا ما يأمله الشارع العربي.
لكنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي -وبشكل يوميّ- يقوم بقصف واستهداف المساكن والمستشفيات وقوافل سيارات الإسعاف والمعابر في قطاع غزة، ما أدّى إلى سقوط الآلاف من المدنيين بين شهيد وجريح، الأمر الذي يمثل استمرارًا لجرائم الحرب والإبادة وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والإنساني ولكل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية بدعم من حلفائه الغربيين.
واعتبر المحلل السياسي ونقيب الصحفيين الموريتانيين أحمد طالب ولد معلوم أنّ عقدَ القمتين العربية والإسلامية الاستثنائيّتين السبت والأحد المقبلين في العاصمة السعودية الرياض، يمثل بارقة أمل ينتظرهما الشارع العربي والإسلامي بتلهف، وتَعقد عليهما الشعوب العربية والإسلامية عمومًا والشعب الفلسطيني خصوصًا آمالًا كبيرة.
وأكّد في تصريح لوكالة الأنباء العمانية أنّ هاتين القمّتين تشكّلان فرصة قد تتمخض عنهما نتائج تسهم في وقف العدوان على الأبرياء في قطاع غزة، رغم عدم إمكانية الجزم بإعطاء نتائج مسبقة لها، لأنها تعتمد بالأساس على البحث عن وسائل الضغط على إسرائيل مثل استدعاء الدول سفراءها في إسرائيل ومطالبة سفراء إسرائيل لديها بالمغادرة وإعلان الوقوف مع الشعب الفلسطيني ومساعدته بإدخال المواد الطبية والغذائية والوقود.
ووضح أنه يجب التلويح للدول الغربية الداعمة لإسرائيل باحتجاج شديد اللهجة وإبلاغها بضرورة التراجع عن الكيل بمكيالين في صراع الشرق الأوسط، كون أنّ هذا التوجه بحسب ولد معلوم قد يساعد على التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في وجه التدمير والتجويع والحصار والتهجير، كما ظهر من مواقف في هذا الإطار في دول عديدة من أمريكا اللاتينية ودول إفريقية وآسيوية وحتى أوروبية.
من جهته قال رئيس المركز العربي الإفريقي للإعلام والتنمية، محمد سالم ولد الداه، إنّ الشعوب العربية والإسلامية تنتظر من قمتي الرياض أن تسجّلا مواقف أكثر ملاءمة وأكثر اندفاعا وأن “تسعيا إلى وقف مجازر الكيان الصهيوني” ضد الشعب الفلسطيني في “غزة “.
وأضاف في لقاء مع وكالة الأنباء العُمانية أنّ “جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لابدّ أن تستعيدا بعضًا من صورتهما التي أصبحت محترقة أمام الشعب العربي والإسلامي ككل؛ فنحن نعيش مأساة شعب يُذبح أمامنا في الشاشات ويُقتل أطفاله ونساؤه وشيوخه”.
ووضح أنّ المواطن العربي والإسلامي يَنتظر من هذين القمّتين عملًا ملموسًا يتطلّب جهدًا عربيًّا وإسلاميًا مشتركًا رادعًا لمرتكبي هذه المجازر.
وذكر أنّ جامعة الدول العربية لم تستطع إصدار بيان احتجاج توافقي على الأقل، فما بالك بتسيير قوافل تغيث سكان غزة بالماء والطعام والأدوية.
وختم رئيس المركز العربي الإفريقي للإعلام والتنمية قائلا “في الوقت الذي نلحظ تعبئة شعبية على المستويين العربي والإسلامي وحتى العالمي تضامنًا مع غزة، لا نرى مواقف ترقى إلى المستوى المطلوب من المنظومة العربية، لذلك ننتظر من قمة الرياض الفعل الميداني”.
وفي السياق ذاته وضح محمد داودية (عضو مجلس الأعيان الأردني، وزير سابق) أنها أزمة متناسلة ستتوقف للاندلاع من جديد، بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وبسبب الدعم الغربي اللامحدود الذي يطمئن إسرائيل إلى أنها -مهما ارتكبت من مجازر- ستفلت من العقاب، وأنّ الخطر القادم هو استهداف المسجد الأقصى المبارك، ومواصلة الاستيطان، والتضييق على فلسطينيي 1948 وفلسطينيي الضفة الغربية المحتلة.
وقال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في بيان له إنّ قطاع غزة يمرُّ بأزمة إنسانية لا مثيل لها وإنَّ تصعيد الصراع هزَّ العالم والمنطقة، والأسوأ من ذلك دمّر الكثير من الأرواح البريئة، مجدّدًا الدعوة إلى الوقف الإنساني لإطلاق النار والإفراج عن الرهائن، موجهًا نداء إنسانيًّا بقيمة 1.2 مليار دولار لمساعدة 2.7 مليون شخص يشملون جميع سكان قطاع غزة و500 ألف شخص في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.