يا عمان قاطعي ولا تلتفتي
بقلم: منى المعولية
أنا لم أتوشح الكوفية، ولم أعلق على كتفي علم فلسطين، ولم أدعس تحت قدمي علم إسرائيل، ولم أخرج في المسيرات المليونية المنددة بطغيان العهر الصهيوني، ليس لأن هذا كله عكس توجهي وانتمائي للقضية الفلسطينية فبالمقابل سمحت لأبنائي أن يفعلوا كل ذلك وشجعتهم وآزرتهم واشتريت لهم الكوفيات والأعلام، ولكنِ انتصرت لغزة بقلمي، كنت ومازلت حريصة على نشر تدليس الصهاينة وأكاذيبهم، أشرت وما زلت أعري تناقض الغرب وعكس ادعاءتهم وافتراءاتهم، ما زلت عند سجودي والقنوت لساني يلهث بالدعاء، ولعناتي تسبق أنفاسي على الظلم والظالمين، مازلت أتصفح مواقع الأخبار وأشجب، وأشاهد مقاطع الموت وأدمع، مازلت أتحرى عند كل صباح أي جديد، ومازالت صرخات الأطفال تقض مضجعي وتهز سكوني، وما زال الموت يهز أكتافي ويحارب جفاف عيوني، مازال تفحم الأطفال تحت الأنقاض يسد شهيتي، ومشهد طفل يُحتضر يزلزل كياني، مازالت مناظر الدماء تفجع ضميري، والأشلاء المتناثرة بين الركام تزعزع استقراري، أنا لم أرتدي كوفية أعبر بها عن غضبي، ولم أصرخ الله أكبر وغزة حرة وعاشت فلسطين، ولكن الصراخ في داخلي مزق أشتاتي.
لم أطالب حقيقة بمنع تصدير النفط للدول الغربية، لأني كذلك مع سياسة وطني ومع مصالحه العامة، ولأتي لا أقدر مدى تأثير النفط المتواضع الذي تصدره بلادي على اقتصاد تلك الدول، ولأني أدرك أن الشعب الذي يئن من ضريبة لاتزيد عن ٥٪ لن يحتمل المزيد، وأن من أدان اقتطاع الامتيازات والمكافئات والعلاوات ذات أزمة تمر بها البلاد، لن يقبل أن يمر شهرا بدون راتبه، ذلك لإيقاف تصدير النفط أو امتناع البلدان الأخرى عن استيراد نفطه لمواقفه السياسية، أنا فقط أعلم أن السياسة فارغة من العواطف ولاتلتفت للهتافات وأن الواقع مغاير لآمال الشعوب، وإن ما تحت الأجندات ليس كما فوق الطاولة، أنا أعلم أن قرار الحرب لايمكن أن يأتي منفرداً، وأعلم كما تحفظون التاريخ أن كل انتفاضة ستموت وتوأد كسابقاتها، وأن حماسة الشعوب قد تسبب ضغوطا مؤقتة، ثم سيعود الصخب إلى صمته والساسة إلى حواراتهم، ويتحدثون عن ما جرى على طاولة الدبلوماسية المتخمة بالواين أو القهوة، أنا مع القضية الفلسطينية ولكنِ واقعية المطالب ولا أرفع آمالي محاذاة سقف الوهم، فأقصى ما سيفعله العرب وهم غير ملومين؛ لأن قرار الحرب في عالم متداخل ليس بالقرار اليسير شجب وندب واستنكار ونكبة.
نحن نطالب برفع نسبة الابتعاث للخارج في أبسط مثال كقضية سنوية! وغير ذلك من المطالبات، لست ضد هذه المطالبات وأتمنى تحقيقها وتنفيذها، ولكن أريد اجابة جادة لاعاطفية، هل مستعدون كشعوب أن نتحمل تبعات قوى الضغط التي ننادي بها على الغرب والذي ندرك جيدا إنه يتلاعب بمصالحنا ويحركها كما تُحرك دمى المسارح ويُلعب بحجر النرد ويُرمى، هل مستعدون أن تتوقف مشاريع التنمية في أوطاننا أكثر من تعثرها الحالي وألا نهتف مطالبين بالتحسين ولا نضج في مواقع التواصل لنلعن الفساد والمسؤولين ونلقي اللوم على الحكومات.
إن قرار استخدام قوى الضغط والمقاطعة ومنع تصدير النفط أو حتى الحرب، كلها قرارات تحتاج إلى توحيد القيادات السياسية أولا وتوحيد منابع مصالحها، واتحاد كلمتها، وتجهيز البدائل، وبناء أرضية صلبة وثابتة لاتترنح بها الأهواء ولا الخيانات الفردية ومن ثم استطيع القول يا بلدي عمان قاطعي ولا تلتفتي