نزوح 43 ألف في ليبيا .. وميناء درنة بات مكبّا لسيارات وحطام وجثث
وهج الخليج – وكالات
نزح أكثر من 43 ألف شخص بحسب الأمم المتحدة إثر الفيضانات الهائلة التي اجتاحت شرق ليبيا لا سيما مدينة درنة، حيث عادت الاتصالات الخميس بعد انقطاع دام 24 ساعة. وبينما تتواصل عمليات البحث عن آلاف المفقودين الذين يُعتقد أنهم باتوا في عداد الأموات من جراء الفيضانات، نشرت المنظمة الدولية للهجرة الخميس تقديرات جديدة أشارت إلى ارتفاع عدد النازحين بعد مرور العاصفة دانيال ليل 10-11 سبتمبر. وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن المأساة تسببت بنزوح 43059 شخصاً. وأضافت أن “نقص إمدادات المياه قد يكون دفع الكثير من” النازحين داخل درنة الى مغادرتها للتوجه الى مدن أخرى في شرق وغرب ليبيا. ولفتت المنظمة الدولية للهجرة إلى أن الاحتياجات الملحة للنازحين تشمل “المواد الغذائية والمياه العذبة والصحة النفسية وتقديم الدعم النفسي ـ الاجتماعي”.
وواصلت طواقم الإنقاذ جهودها للعثور على جثث المفقودين، خصوصاً في البحر، بعدما جرفت السيول أحياء بأكملها. والخميس أعلنت حكومة طرابلس رصد جثث في منطقة تمتد على مساحة نحو مئة كيلومتر بين درنة والبيضاء الواقعة إلى الغرب. وأفادت الحكومة بتسليم أجهزة الإغاثة خارطة بمواقع الجثث لتمكينها من استعادتها.
ـ ميناء درنة
منذ نحو عشرة أيام، تحوّل ميناء درنة في شرق ليبيا من مرفأ يستقبل السفن والبضائع والركّاب وينطلق منه الصيادون إلى مكبّ لجثث وسيارات وركام، بعد فيضانات جرفت أحياء كاملة من المدينة نحو البحر. خلال الأيام الماضية، خلا الميناء من العمّال والصيادين والمارّة وتوقّفت سفن قليلة فيه. وحدها فرق البحث والإنقاذ المحلية والدولية تنشط في المكان للمساعدة في انتشال ما استقرّ في قعر حوضه. بين هذه السفن، القاطرة “إيراسا”. كانت موجودة في مياه الميناء أيضًا ليلة العاشر من سبتمبر عندما ضربت العاصفة “دانيال” شرق ليبيا وتسبّبت بانهيار سدّين في أعلى درنة، ما أدى إلى فيضانات جرفت في طريقها أبنية وجسورا وأوقعت 3351 قتيلا على الأقل، في أحدث حصيلة رسمية موقتة لسلطات شرق ليبيا، بينما لا يزال هناك آلاف المفقودين.
يروي قائد القاطرة علي المسماري (60 عامًا) لوكالة الأنباء الفرنسية أنه فكّر في اللحظات الأولى بإخراج السفينة من الميناء لتفادي ارتطام حطام بها، وتجنّب تعريض طاقمها للخطر. لكنه أكدّ أنه لم يرَ جدار الميناء ليتمكّن من تحديد موقع المخرج، بسبب ارتفاع مستوى البحر. ويقول “لم يكن هناك إلا الدعاء لا أكثر”.
عندما طلع النهار، ظهر هول الكارثة. ويعدّد المسماري ما رآه في حوض الميناء “شاحنات عملاقة، إطارات، ناس، منازل، أشجار نخل كاملة، حطب، غرف نوم، سخانات، غسالات، ثلاجات….”. وإن كان قسم كبير من كل هذا غرق في المياه بعد ساعات، فعلى الرصيف، تتناثر اليوم أغراض شخصية لفظها البحر أو استخرجها غطاسون: علب حليب أطفال، أدوات مطبخ، علب مساحيق تنظيف، علب عصير ممزقة، وقوارير زيت طبخ.
ويتولى فريق إماراتي أحد القطاعات. وقد وصل مع معدّاته وبينها قوارب ودباب البحر (جيت سكي)، وبدأ عمليات تفتيش عبر الغطس والتحسّس، إذ إن “الرؤية معدومة” في المياه الداكنة التي تحوّل لونها إلى البنيّ بسبب الوحول، وفق ما يقول الغطّاسون. كان قائد الفريق العقيد علي عبدالله النقبي يعطي توجيهاته إلى عناصره، مشدّدًا على ضرورة اتخاذ أقصى إجراءات الوقاية. من على متن مركب أصفر، نزل أربعة غطاسين إماراتيين يحملون على ظهورهم قوارير أكسيجين، كل اثنين في موقع يربط بينهما حبل أمان. بعد وقت قصير، خرج أحدهم وقال “ربطنا (الحبل) بسيارة، لا نرى شيئًا، ربطنا الباب أو الحاجب العلوي”. كذلك عثر غطاس ثانٍ على سيارة أخرى. بعد صعودهم الى المركب، ساعدهم زملاؤهم في خلع السعيفات ورشّوا مياه شرب على وجوههم.
إثر تحديد موقع السيارتين، أُحضرت رافعة بالتنسيق مع السلطات الليبية أَخرجت إحدى السيارتين.
ـ امرأة في ثلاجة
رُفعت السيارة بحبل واحد ثمّ اقترب الغطاسون مجددًا لربطها بحبل ثانٍ من طرف آخر. تمّ إبعاد جميع الأشخاص مسافة لا تقلّ عن عشرة أمتار خوفًا من سقوط وحول أو مياه أو حتى أشلاء بشرية من السيارة أثناء إخراجها. بعد إنزال السيارة المحطّمة على رصيف المرفأ، اقترب فريق متخصص في التعامل مع الجثث يرتدي بزات بيضاء وقفازات ويضع كمامات، للكشف عمّا في داخلها. وأعلن الفريق أخيرًا أن لا جثث داخلها. ويرجح أن تستغرق عملية انتشال ما استقر في قعر حوض الميناء أو حتى في قعر البحر أبعد من الميناء، وقتًا طويلًا. وتتكثّف جهود الإنقاذ أيضًا في البحر قبالة ساحل المدينة المنكوبة كله، بعد أن جرف التيار الكثير من الجثث إلى الناحية الشرقية، بحسب مصادر ملاحية.