في اليوم العالمي للعمل الإنساني .. تعرف على جهود سلطنة عمان في إرساءٌ ونشرٌ قيم السلام والتفاهم
وهج الخليج – مسقط
يشهد العالم اليوم تحديات واقعية وإشكاليات جمة خلفت العديد من الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية والحروب والأوبئة التي لا تزال تحصد الملايين كلَّ عام.
ولأن العمل الإنساني لا يقتصر على الجوانب المادية أو تلك التي لها علاقة بحالات الطوارئ العالمية المفاجئة، وإنما يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى ما يتمثل في الدعم النفسي وتقديم العون والمساعدة لمن هم بحاجة إلى ذلك العون في شتى أقطار المعمورة.
لقد أطلقت الأمم المتحدة في وقت سابق نداءً إنسانيًّا قياسيًّا لعام 2023 بقيمة 51.5 مليار دولار أمريكي لدعم 339 مليون شخص بأنحاء العالم، وهذا يأتي متوافقًا مع اليوم العالمي للعمل الإنساني الذي يوافق الـ 19 من أغسطس من كل عام.
وأوضحت الأمم المتحدة في تقرير لها أنّ عددًا قياسيًّا من الأشخاص بحاجة إلى مساعدات إنسانية هذا العام يصل عددهم إلى 339 مليون شخص في حوالي 68 دولة، أي بزيادة حوالي 65 مليون شخص عن عام 2022.
لقد سخرّت سلطنة عُمان كل جهودها على المستويين الدولي والمحلي، من خلال جهات رسمية وأخرى مجتمعية تقوم بأدوارها وفق خطط مدروسة للعمل عليها.
ومن بين تلك المؤسسات التي تمثل سلطنة عُمان في مهامها الإنسانية في الخارج، الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية التي أنشئت عام 1996 لتتوج جهود العمل الأهلي المتمثل في الجمعيات الخيرية والمهنية وجمعيات المرأة العُمانية، والفرق الخيرية وأنشطة العمل الإنساني، واستطاعت الهيئة خلال الفترة الماضية أن تتوسع في أنشطتها وخدماتها عامًا بعد عام، وأن تبني لها مكانة مرموقة وعلاقات واسعة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا؛ فتمكنت من تحقيق أهدافها المنشودة التي أنشئت من أجلها سواء داخل سلطنة عُمان أو خارجها.
المتتبع لأعمال الهيئة سيجد بأنها لم تتخلَ يومًا عن دورها الإنساني في تقديم الإغاثة خارج حدود سلطنة عُمان، خاصة في ظل الكوارث التي تضرب بعض الدول والمناطق التي تلزم التدخّل، وهو الأمر الذي تعمل عليه السلطنة وفق رؤية ونهج حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – وهو ما يمكن ترجمته من خلال برنامج الإغاثة الخارجية التي نفّذتها الهيئة خارج سلطنة عُمان في عددٍ من الدول.
كما أن جميع الأعمال التي تنفّذها الهيئة خارج سلطنة عُمان من برامج الإغاثة والمساعدات المتنوعة تعمل حسب نهج وسياسة الحكومة العُمانية، بالتعاون التام مع الجهات الحكومية المختصة، وأغلبُ الأنشطة الخارجية تكون ممولة من الحكومة؛ وبذلك تقدر نسبة إسهام الحكومة في المساعدات الخارجية بحوالي 95% أو أكثر من ذلك في بعض الظروف، وتعتمد برامج المساعدات الخارجية في أي دولة بالتنسيق التام مع الدول المستفيدة، والمنظمات الدولية والإنسانية العامة في تلك الدولة.
ولأجل العمل الإنساني “دوليًّا” ومن خلال التقرير الصادر منها حديثًا، قامت الهيئة – مُمثِّلة لسلطنة عُمان في العام الجاري (2023) – بتقديم مساعدات إنسانية للدول الشقيقة والصديقة التي تعرضت لأزمات ونكبات وأعاصير وزلازل تجاوزت أكثر من 975 طنًّا تمثلت في: مساعدات إغاثية ولوازم طبية وغذائية متنوعة.
وقد أشادت تلك الدول بالموقف الإنساني النبيل لما تقدمه حكومة سلطنة عُمان من مدّ يد العون لها.
ويتفرع العمل الإنساني الذي أراد له العالم أن يكون في حقيقته ليشمل الدعم النفسي لأولئك الذين هم بحاجة إلى الأخذ بأيديهم والوقوف إلى جانبهم، وعلى المستوى المحلي المجتمعي بأن هناك العديد من الفئات ممن هم بحاجة إلى مثل هذا الدعم الإنساني النفسي والإرشادي.
في هذا السياق يقدم الدكتور يحيى بن محمد الهنائي خبير في شؤون الأسرة والمجتمع، وعضو مجلس إدارة جمعية الأطفال، رؤيةً بشأن العمل الإنساني كثقافة إنسانية عالمية خالصة لا تقتصر على الماديات وحدها، بل تدخل سياقات نوعية من بينها الحاجة إلى العمل الإنساني، والكيفية التي من الممكن أن تجعل من هذا العمل ثقافة ظاهرة يؤمن بها الفرد والمجتمع معًا فيقول: العمل الإنساني هو جهد هادف، منطلق من وعي وإدراك الفرد والمجتمعات لمساعدة الآخرين سواء كانوا أفرادًا أو دولًا، ويقدّم لمختلف الفئات الاجتماعية المحرومة، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن، باعتبارهم الفئات الأكثر ضعفًا واحتياجًا. وبهذا فإن العمل الإنساني ثقافة وحاجة معًا يحتاجها الفرد، وتمنحه شعورًا رائعًا فيه الفخر والاعتزاز والانتماء، والرغبة المستمرة في مساعدة الآخرين.
وعن سعي الدول والمؤسسات إلى تبني أفكار العمل الإنساني في شتى بقاع الأرض يوضح الهنائي: تُحمِّل الأزمات الإنسانية الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية تكاليف تقدر بمئات من الملايين، وتضع حدًّا للمكاسب المحرزة نتيجة للتنمية، بل وربما تعكس مسارها، ففي كل عام تنمو الاحتياجات وترتفع التكاليف للمساعدات الإنسانية، ومع ذلك امتدت يد العمل الإنساني إلى أعداد غفيرة في أنحاء كثيرة في شتى بقاع العالم، وباتت الجهات الفاعلة – بدءًا من الحكومات التي تناط بها المسؤولية الرئيسية عن مد شعوبها بالمساعدة مرورا بالمنظمات والشبكات الدولية والوطنية وانتهاءً بدوائر الأعمال والمؤسسات الخاصة – تشارك بأعداد متزايدة على نحو غير مسبوق في مد المحتاجين بالمساعدة والحماية إنقاذا للأرواح.
مضيفًا أن العمل التطوعي الإنساني أبرز الشواهد على رقي المجتمعات وتقدمها، وتعد المشاركة الفاعلة في العمل التطوعي في أي مجتمع من المجتمعات مؤشرًا قويًّا يستدل به على مدى النضج والوعي الفكري الذي يمتلكه أفراد ذلك المجتمع، فالحكومات سواء كانت في الدول المتقدمة أو الفقيرة لم تعد قادرة على تلبية احتياجات شعوبها على الوجه المطلوب، وهذا بدوره يفرض أشكالًا جديدةً من الآليات التي تسهم في دعم الحكومات لاستكمال دورها في تلبية تلك الاحتياجات، خصوصًا أثناء وقوع الأزمات، ومن هذه الأحداث ظهرت فكرة العمل الإنساني الطوعي الذي لم يعد مقتصرا على مجال مساعدة الفقراء والمحتاجين، بل إنه يؤدي دورًا أساسيًّا في تنمية المجتمعات والارتقاء بها.
ويذهب الهنائي إلى التطرق إلى أثر الأعمال الإنسانية وعلاقتها بالشعوب وتجسير التواصل بين البشر وما يترتب على ذلك من نتائج إيجابية تتحقق على المدَيَين القريب والبعيد، وهنا يقول: يؤدي التضامن بين الشعوب ونشر قيم السلام والتفاهم والحوار إلى تطوير مجالات العمل الإنساني في الظروف المختلفة؛ الأمر الذي يعكس تأثيرات مباشرة وغير مباشرة وعميقة بين البشر، ويعزز التعاون في مجالات عديدة بين الدول، بما في ذلك مجال العمل الإنساني، الذي يعكس قيم المحبة بين الشعوب والأفراد.
فالعمل الإنساني يؤدي إلى تجسير الفجوة في التواصل بين المجتمعات، ويعزز أرضيات حل النزاعات والخلافات المختلفة.
ويقف الهنائي عند ملامح من النموذج العُماني في العمل الإنساني، وهنا يشير إلى ما أشار إليه النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (6 /2021) في المبادئ الاجتماعية (المادة 15) إلى أن التعاضد والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، وتعمل سلطنة عُمان على تقوية تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة.
ويؤكد على أن مشاهد العمل الإنساني في سلطنة عُمان متنوعة ومتعددة، وهو إرث ثقافي متأصل في الشخصية العُمانية، فقديما كانت مبادرات الأفراد والمجتمع تتمثل في مساعدة الفقراء والمنكوبين بفيضانات الأمطار وفي الحرائق أو في حالات الغرق لتجد الإنسان العُماني مبادرًا في نجدة المتضررين، وحيث إن التعليم كان ضعيفًا لعدم توفر مؤسسات معنية به فقد أسهمت المرأة العُمانية في لفتة إنسانية تمثلت في تعليم الأطفال القرآن الكريم واللغة العربية والفقه وغيره من العلوم.
ويضيف أنه مع مطلع النهضة العُمانية في عام 1970 بقيادة السُلطان قابوس -طيب الله ثراه-، كان الاهتمام بالإنسان العُماني هو الهدف الأول والأسمى، فقد ركزت جهود النهضة على تطويره والاهتمام بصحته وتعليمه وتحسين معيشته، وقد أسهمت تلك البرامج الاستراتيجية في وعي المجتمع بأهمية مشاركته في تنمية مجتمعه وفي الأعمال الإنسانية والخيرية. ومن أجل تنظيم العمل الاجتماعي الإنساني صدر المرسوم السلطاني رقم (87/ 84) الذي حدد مساراته بما فيها: إيجاد المؤسسات الرعائية، وتقديم المساعدات للمحتاجين، وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة. وأعقبه صدور قانون الجمعيات بالمرسوم رقم (14/ 2000) والذي نظم العمل الأهلي، ثم قانون رعاية وتأهيل ذوي الإعاقة بالمرسوم السُّلطاني رقم (63/ 2008)، وبعده صدر قانون الطفل بالمرسوم السُّلطاني رقم (22/ 2014) وكل هذه القوانين شرعت ونظمت العمل الإنساني على المستوي الوطني.
ووضح خلال حديثه أن العطاء مستمر مع تولي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم عام 2020، ولِتتجدد نهضة عُمان ولِينال العمل الإنساني نصيبه من التطوير فقد تم تدعيم جهود الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية لتفعيل برامجها على المستوى الوطني وفي إطار التعاون الدولي.
كما تم إنشاء مؤسسة عهد للأعمال الخيرية، وتهدف المؤسسة إلى تعزيز قيم المواطنة والهوية والتراث والثقافة والوطنية، ودعم مبادرات التمكين المجتمعي، كما وجه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بمنح الدعم المالي للجمعيات الخيرية والفرق الأهلية، التي تقدم برامجها في المجالات الاجتماعية مثل تنمية الطفولة ورعاية وتأهيل ذوي الإعاقة ومساعدة الأسر وتحسين مستوى معيشتها ومساكنها وغيرها.
في الشأن ذاته يتحدث علي بن جميل النعماني عضو الجمعية العُمانية للتوحد عن رؤيته وتجربته في العمل الإنساني كونه ثقافة خاصة، ويشير: الإنسان مجبول على عمل الخير أينما كان، وهذه فطرة مترسخة في داخل كل شخص، فالعمل الخيِّر ديدن مجموعة كبيرة من البشر على هذه البسيطة، والإنسان اجتماعي الطبع والطباع، -وكأبسط مثال- يقوم بها كل شخص بشكل تلقائي بغية إعانة الآخر ولو بجملة واحدة، ومن هنا يتضح أن العمل الإنساني الرامي إلى مساعدة الآخرين إنما هو عمل سامٍ وراقٍ، القصد منه الوقوف مع المحتاج للمساعدة والعون أيا كان نوع وشكل هذا الدعم.
ويوضح النعماني لماذا على الإنسان الانخراط في العمل الإنساني، مع تسخير الخبرات لمن هم بحاجة إلى الدعم والدمج في المجتمع: “المجتمعات دون استثناء بحاجة ماسة إلى العمل الإنساني الذي يعطي للمحتاج حاجته المادية والمعنوية بكل الطرق والوسائل، حيث تقوم مؤسسات المجتمع المدني -التي تشمل الجمعيات والفرق الخيرية والتطوعية أو حتى على مستوى الأفراد- بأعمالها المنوطة بها، من أجل تشجيع تلك المؤسسات والأفراد على إذكاء هذه الثقافة السامية في المجتمع، وإعطاؤُهم المساحة التي يستطيعون بها تفعيلَ العمل الخيري الإنساني أمرٌ يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، وهذه الأعمال إن تمت تزكيتها وتعزيزها بالطريقة الفعالة تزيد المجتمع تماسكا وقوة، وتعزز روح الانتماء للوطن والمجتمع عامة، ولا ريب أن طرق الخير كثيرة ومتنوعة، فعلاوة على عمل الفرق الخيرية التي نلمس أثرها بشكل يومي في مساعدة المحتاجين بأبسط السبل وأسهلها، نجد أن ثمة أفرادًا يخصصون جزءا من وقتهم لإفادة الآخرين في مجال تخصصاتهم واهتماماتهم، فهؤلاء مثال مميز للعمل الإنساني والعطاء المفيد لكل الأشخاص، سواء في بلدهم أو خارجها.
وللتقنية الحديثة دور في مضمار الخير والعطاء، ففي وقتنا الحالي كل منا يستطيع أن يساهم في تفعيل دور الفرق الخيرية بشكل يسير بالدعم من خلال التبرع في منصات الدفع الإلكترونية الحكومية المرخصة، كما أن المساهمة في نشر المعرفة والمعلومات لمن يحتاجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعد شكلا من أشكال العمل الإنساني الذي لا يكلف شيئا لدى من يقوم به.
كما يتطرق النعماني إلى النتائج المترتبة على تلقي الإنسان للدعم المعنوي والنفسي من أولئك الذين نذروا أنفسهم للوقوف معه وخدمته في الشدائد والمحن التي يمر بها إثر ما يمر به من ظروف قاسية: تمر على الإنسان فترات عصيبة ومؤرقة نتيجة بعض الأحداث التي يتعرض لها، سواء في نفسه أو أولاده أو أهله عموما، وقد تسبب هذه العوارض تأثيرا على صحته النفسية والجسمية، وقد يكون في أمس الحاجة إلى شكل من أشكال الدعم النفسي والمعنوي، ويتردد البعض أحيانا في الذهاب إلى المختصين للأسباب التي يعلمها الجميع في مجتمعنا، وأمثال هؤلاء قد يكون للدعم النفسي أثر كبير في تغيير حالتهم.
وهنا يجب أن نشيد بالبعض الذين يحاولون جاهدين التخفيف من وطأة الصعاب على مثل هؤلاء المتضررين، وثمة من المختصين العارفين من يخصص جزءا من وقته للمساعدة بالدعم بشكل مباشر بالتواصل معهم أو بشكل غير مباشر من خلال طرح المعارف والمعلومات والحالات النفسية وكيفية التعامل معها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.