وثيقة تاريخيّة حول سرقة هوية الطفل الجزائري خلال ثورة التحرير
وهج الخليج – وكالات
أصدر المركز الوطني للوثائق والصحافة والصورة والإعلام، كتابًا بعنوان “أطفال الثورة.. أطفالٌ بلا طفولة”، وهو وثيقة مدعّمة بصور، وشهادات عن المعاناة التي قاساها الطفل الجزائري خلال الثورة التحريرية (1954/1962)، وحتى خلال المراحل التي سبقت تلك الثورة المظفّرة.
ويُثيرُ هذا الكتاب الذي يُعدُّ وثيقة تاريخيّة مهمّة، الكثير من الأسئلة بشأن الخروقات التي قامت بها السلطات الاستعمارية الفرنسية خلال حرب التحرير في الجزائر، على الرغم من أنّ المواثيق والاتفاقيات الدولية، نصّت على حماية الأطفال أثناء الحروب والنزاعات المسلّحة، وهو ما ركّزت عليه اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، عبر ما نصّت عليه من اتّخاذ التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر الذين تيتّموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب، وتيسير إعالتهم، وممارسة دينهم، وتعليمهم في جميع الأحوال.
ويُشيرُ مؤلّفو هذا الكتاب الجماعي إلى أنّ سياسة الاستعمار الفرنسي في الجزائر وأساليبه القمعية في مواجهة الثورة، لم تُراعِ في مجملها أيّ قانون من قوانين الحرب، ولا حتى القوانين ذات الطابع الإنساني، وفي مقدّمتها “اتفاقيات جنيف” التي وُضعت لتحدّ من وحشية الحرب، وتوجب على السلطات العسكرية الالتزام بالقوانين والمعاملات الإنسانية، والرفق بأسرى الحرب، والموقوفين المدنيين.
ومن الشهادات التي تضمّنها هذا الكتاب، تلك التي أدلى بها عددٌ من مجاهدي الثورة التحريرية، على غرار محمد زاوي، وجمال أحمد بناي، وفاطمة حلايمية، وغيرهم، فضلًا عن شهادات بعض المثقفين الذين عاشوا تفاصيل الثورة التحريرية (1954/1962)، وكانوا أطفالًا يومها، أمثال محمد أرزقي فراد، ومحمد بوعزارة، والروائي الحبيب السايح، وغيرهم.
وذكّر هذا الكتاب ببعض الأعمال السينمائيّة والروائية التي تمّ تصويرها عقب استقلال الجزائر لتخليد دور الأطفال في مسيرة الكفاح، على غرار فيلم “معركة الجزائر” (1966) للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو، وفيلم “أولاد نوفمبر” (1975) للمخرج موسى حداد.
من جهة أخرى، تضمّن الكتابُ أيضا تذكيرًا بجهود بعض الدول التي قامت برعاية الأطفال الجزائريين اللاجئين، وهذا ما تجسّد في دعم تونس التي أنشأت مراكز للطفولة الجزائرية بتونس سُمّيت “دور الطفولة الجزائرية”، ويوغسلافيا التي أرسلت باخرة محمّلة بأربع مدارس جاهزة إلى تونس لتدريس أبناء الجزائر اللاجئين على الأراضي التونسية، فضلًا عن الدعم اللّيبي الذي تجسّد في قيام بعض المؤسّسات اللّيبية باحتضان أطفال الجزائر ممّن فقدوا آباءهم وذويهم، والدعم المجري الذي كان يصل إلى أبناء الشهداء عن طريق الهلال الأحمر الجزائري.
وحفل هذا الكتابُ، الذي يُعدُّ وثيقة تاريخيّة مهمّة بالنسبة للباحثين، بمعلومات وافية عن اهتمام الثورة بالتعليم القرآني في القرى والمداشر، والسياسة التعليمية الاستعمارية، ودورها في سلب هوية الطفل الجزائري، وأطفال محتشدات الموت من خلال سرد اعترافات لضباط فرنسيين كانوا شهودًا على ما وقع فيها، والتجارب النووية التي حدثت في الصحراء الجزائرية، وأدّت إلى تشويه الكثير من الأطفال، فضلًا عن الدور الكبير الذي لعبته الكشافة الإسلامية الجزائرية التي أنجبت أبطالًا صنعُوا أمجاد الثورة التحريرية.