أين العدالة في فكر السلطان هيثم؟
بقلم:د. محاد الجنيبي (@mahadjunaibi)
مركز المياه الهادئة للدراسات الإستراتيجية والقانونية
“العدل أساس الحكم”، مقولة يتجاذبها الجميع مفكرين و طفوليين، أذكياء وأغبياء ولكنهم لا يؤمنون بالعدالة بسبب قناع الأنانية والنفس الأمارة بالسوء، ولو استمعت للدارسين و المشتغلين في العلوم السياسية والحقوق والقانون لذهبوا بك بعيدا في التفسير والتنظير والتحليل لكن الحقيقة أنه لاعدالة في الأرض وإنما هي عند العزيز الجبار المتكبر، وفي هذا المقال لسنا بصدد الحديث عن العدالة السماوية الكاملة ولكننا نتحدث عن العدالة النسبية التي يسعى لها كل البشر، فمن خلال العدالة يتحقق الرفاه وتحمى الحقوق والحريات ووصولا إلى المساواة بين أفراد المجتمع، فيتحقق الأمن والسلم الإجتماعي، وتكون الدولة الراعية قد أبرت بمسؤولياتها في عقدها الإجتماعي مع الشعب.
وبإلقاء نظرة متفحصة على الفكر السياسي للسلطان هيثم نجد أنه أخذ على عاتقه أولوية العدل، وهو ليس ببعيد عن الفيلسوف الأمريكي جون روس صاحب نظرية العدالة، حيث تجلت هذه النظرية في ما قام به السلطان هيثم لتحقيق العدالة و المساواة في مجتمع لا يتساوى فيه الأفراد من حيث اللون والدين والمذهب والقدرات الفردية الفكرية و العقائدية والمكانة الاجتماعية، وهنا نستطيع أن نفترض أن المجتمع لا يتمتع بالعدالة الكاملة، ولكن السلطان هيثم استطاع الدخول في محاولات جادة لتحقيق العدالة النسبية أو المقبولة في المجتمع الذي أصبح متعلما و ينعم بالعديد من الميزات، وحتى نقرب الفهم من جدل العدالة النسبية، فإن الفرضية التي سقناها لا يمكن إصلاحها لأنها أمر حتمي، كون الله خلق الناس مختلفين في كل شي، ولكن العدالة النسبية المنشودة أخذت بالظهور رويدا رويدا في المجتمع العماني من خلال القرارات و التوجيهات السلطانية الحديثة، التي تركزت في المحاور التالية:
1. العدالة في القضاء (القوانين)، حيث قام جلالته بإصلاح السلطة القضائية من خلال القوانين التي أدت إلى تحقيق العدالة النسبية وذلك بتعزيز استقلال القضاء و إشراف جلالته المباشر على هذا المرفق الهام، فقلت مظاهر الأحكام التي تصب في صالح كبار القوم من سياسيين أو اقتصاديين أو ذوي المكانة الإجتماعية العليا.
2. العدالة في الخدمات الصحية، ودون الخوض في معرض الإنجازات الصحية خلال السنتين الماضيتين إلا أن المواطنين باتو أقرب إلى العدالة فيما يتعلق بخدمات العلاج في الخارج، فلم يعد هناك من يذهب إلى أوروبا من أجل العلاج الطبيعي بينما يموت الفقير في بيته من مرض عضال.
3. العدالة في التعليم، إن العدالة في التعليم تكمن في أن تقييم المستحقين للبعثات الخارجية أصبح أكثر عدلا ولم نعد نشاهد في قوائم المبتعثين أبناء أصحاب النفوذ أو كبار البيروقراطيين، وما ال 150 البعثة الأخيرة إلا دليل على ذلك.
4. العدالة في الخدمات الإجتماعية، تمثلت في دعم الفئات الأكثر ضعفا ورفع الدعم عن الأغنياء و المتنفذين، وماقصة مؤن درامسي إن صدقت إلا مثالا على ذلك، ناهيك عن العدالة النسبية في الأجور، فأختفت العلاوات الغريبة وعدلت الأجور الضخمة لمن لا يستحق.
5. العدالة في التوظيف، اصبح الفاسدون أكثر خوفا وأكثر حذرا من توظيف من لا يستحق في تقلد المناصب، بناء على مكانته الإجتماعية أو غناه أو قربه من كبار البيروقراطيين.
6. العدالة الاقتصادية، وأفضل مثال على ذلك قانون حق الإنتفاع بالأراضي التجارية و الصناعية والزراعية، واختفت مظاهر تملك المتنفذين لعشرات الألاف من الأمتار، كما اختفت صور تحويل أصول الدولة إلى أملاك خاصة للمتنفذين، ناهيك عن إنخفاض الأصفار في تكاليف المشاريع الحكومية، وليس بأخرها وقف استنزاف خزينة الدولة في الشركات الحكومية وإدارة قطاع النفط والغاز (تخفيض كلفة الانتاج أكثر من 50%) .
7. الفساد، قلمت أظافر الفساد وفعلت الرقابة وأعلنت الإنتهاكات و المخالفات، وما تقرير الرقابة المالية الأخير إلا دليلا على ذلك.
إن تحقيق العدالة النسبية ليس بالأمر الهين ولكنه طريق طويل ابى السلطان الهيثم إلا أن يسلكه، وعلى العمانيين كبيرهم وصغيرهم أن يساندو هذا السلطان العظيم كل في موقعه وأن يكشفوا للسلطات الرقابية والتنفيذية كل مؤشرات الفساد التي تعترض طريق تحقيق العدالة النسبية، حمى الله عمان و شعبها وسلطانها من كيد الفاسدين و المتلاعبين بقوت الشعب.
قال تعالى ” وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون” صدق الله العظيم