بيع جهاز الاستثمار العماني لحصته في شركة أسمنت عمان بين الاعتبارات الاقتصادية ومقتضيات المصلحة الوطنية
بقلم: الدكتور بدر المسكري
كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس
في الآونة الأخيرة قام جهاز الاستثمار العماني ببيع حصته في شركة أسمنت عمان البالغة 59.58 % من أسهم الشركة إلى شركة هواشين الصينية مقابل 193.1 مليون دولار أي ما يعادل 74.5 مليون ريال عماني تقريباً، وهو ما يعني أن المشتري استحوذ على أغلبية أسهم الشركة، مما يعني سيطرته على إدارة الشركة، وسوف يناقش المقال إيجابيات هذا القرار ومثالبه.
يبدأ المقال بذكر الإيجابيات من وراء اتخاذ القرار، ولعل أبرزها وأهمها هو تعزيز الاستثمار الأجنبي في السلطنة وذلك بدخول الأموال الأجنبية بشكل مباشر في اقتصاد الدولة، وهذا أحد أهم مرتكزات رؤية عمان 2040 المتعلقة بالتنوع الاقتصادي، وذلك بزيادة الاستثمارات الأجنبية في الدولة بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن إيجابيات هذا القرار كذلك، الاستفادة من الخبرات الفنية الأجنبية ونقل التكنولوجيا خصوصاً من دولة مثل الصين التي تتمتع بخبرة واسعة في استخدام التكنولوجيا في مجال التصنيع، الأمر الذي يساهم في كفاءة التشغيل وزيادة الربح الصافي للشركة مما يعزز أرباح المساهمين بالشركة. ومن الإيجابيات الأخرى لهذا القرار هو أن التخارج من الشركة يمنح جهاز الاستثمار المكنه من إيجاد الفرصة البديلة للاستثمار، حيث يمكن لجهاز الاستثمار الاستفادة من الأموال المتحصلة من التخارج في الاستثمار في فرص بديلة ذات عائد عالٍ سواء في داخل الدولة أو خارجها، وهذا من شأنه تعزيز عوائد الجهاز على المدى القريب والبعيد.
ولعل قرار التخارج من حصة الشركة يحمل بعض المثالب التي نوجزها في النقاط التالية: أولاً: سيطرة المستثمر الصيني على الشركة مما يعني السيطرة على سلعة استراتيجية في الصناعة الوطنية، ويعلم الجميع مدى ثقة المستهلك العماني بمنتج الشركة وحاجته الملحة لمنتجها وهو ما يعني تهديد الدولة في سلعة استراتيجية يعلم الجميع التأثير السلبي لنقصها أو انعدامها من السوق مما قد يهدد الأمن القومي بطريق غير مباشر. ثانيا: إن سيطرة المستثمر الأجنبي على أغلب الحصة السوقية من أسهم الشركة يعني سيطرته على إدارة الشركة واتخاذ القرار المناسب الذي يلبي مصلحته والذي قد يضر بمصلحة الشركة أو مصلحة الشركاء الآخرين (الأقلية)، وقد يهدد العمالة الوطنية أو الموردين الوطنيين، وقد اتضح هذا التأثير بخروج الرئيس التنفيذي الوطني واستبداله برئيس تنفيذي صيني ولا نعلم ما هو القادم من قرارات قد يكون لها تأثير سلبي أو إيجابي على مستقبل الشركة وموظفيها. ثالثاً: لقد أصبح من المعلوم لدى الجميع أن الاستثمار عمومًا والأجنبي منه خصوصًا في كثير من الأحيان تختلط فيه الأهداف الاقتصادية مع الأهداف السياسية للدولة التي يحمل المستثمر الأجنبي جنسيتها، باعتبار أن الاستثمار أصبح أحد أدوات القوة الناعمة للدول تجاه الدول الأخرى إيجابًا وسلبًا. وأخيرًا: الجانب المالي لهذا التخارج بمعنى هل تم بيع حصة الشركة بالسعر العادل لها خصوصاً عند الأخذ بعين الاعتبار القيمة الدفترية للسهم التي كما هو مذكور في تقرير الربع الأول لعام 2023 هي 0.450 بيسة وقد تم بيع السهم بقيمة 0.375 بيسة؟ ولماذا لم يتم توزيع الأرباح المحتجزة قبل بيع الحصة؟ كل هذه التساؤلات تدفع إلى محاولة فهم كيفية اتخاذ هذا القرار الاستراتيجي، ولماذا تم اتحاذ هذا القرار في هذا الوقت؟ ولماذا مع الشريك الصيني وليس مع شريك آخر؟ وغيرها من الأسئلة التي تبحث عن إجابات مقنعة.
ويمكن أن نختتم المقال بالقول إن الاستثمار الأجنبي له الكثير من الإيجابيات التي تم ذكر ومناقشة بعضها ولكن هناك الكثير من المثالب التي تستدعي الوقوف عليها والتفكير بها قبل الدخول في قرارات الاستثمار الأجنبي خصوصاً في سلع ومنتجات تهم الأمن القومي للبلد، عليه نرجو من صناع القرار اتخاذ ما يلزم للموازنة بين جذب الاستثمار الأجنبي من جانب وحماية مصلحة وأمن الدولة من الجانب الآخر.