سلطنة عمان .. خفض الدين ورفع مخصصاته المستقبلية يعززان جهود الاستدامة
وهج الخليج – مسقط
سجلت سلطنة عمان تقدما كبيرا في إدارة المحفظة الاقراضية وتوجيه الدين العام نحو التراجع تمهيدا لوصوله إلى الحدود الآمنة، وساهم ذلك في احتواء المخاطر التي تؤثر على المركز المالي للدولة وتحقيق تحسن كبير في التصنيف الائتماني، وبحلول نهاية الربع الأول من العام الجاري تراجع حجم الدين العام إلى 16.6 مليار ريال مقارنة مع 17.7 مليار ريال عماني في نهاية العام الماضي، كما رفعت سلطنة عمان مخصصات بند سداد الديون المستقبلية في الميزانية العامة للدولة إلى 200 مليون ريال عماني خلال عام 2022، مقارنة مع 150 مليون ريال خلال عام 2021، ويتم تعزيز هذا البند سنويا ورفعه تدريجيا على مدار سنوات الخطة الخمسية العاشرة بهدف دعم الاحتياطيات والهوامش المالية لمواجهة أي تقلبات في أسعار النفط العالمية، وأيضا تحوطا لتبعات الأزمات والتحديات المتزايدة في المشهد الاقتصادي العالمي، وبلغت مخصصات بند سداد الديون المستقبلية 66 مليون ريال عماني خلال أول شهرين من هذا العام بمعدل 33 مليون ريال لكل من شهري يناير وفبراير 2023، حسب بيانات صادرة عن وزارة المالية ووردت في النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وتم استحداث هذا البند في الميزانية العامة لسلطنة عمان قبل عامين، ضمن حزمة الإجراءات التي تستهدف ضبط الأوضاع المالية ووضعها على طريق الاستدامة والاستقرار.
خفض الدين العام
وتسعى جهود الاستدامة المالية إلى خفض تدريجي لحجم كل من الدين العام وكلفة خدمة الدين ورفع حجم العائدات العامة من المصادر غير النفطية، وأشارت البيانات الصادرة عن وزارة المالية إلى أن خدمة الدين العام سجلت مليارا و72 مليون ريال عماني خلال العام الماضي، مقارنة مع مليار و52 مليون ريال عماني خلال عام 2021. وتعتمد ميزانية العام الجاري نحو 1.2 مليار ريال عماني لخدمة الدين العام، وذلك باحتساب الفوائد المتوقع سدادها للقروض القائمة والمخطط لها لعام 2023.
وفيما يتعلق بتطورات ملف الدين المتوقعة خلال العام الجاري، تم اعتماد متوسط سعر 55 دولارًا لبرميل النفط في ميزانية 2023، وذلك انسجامًا مع مبدأ التحوط والسياسات المالية في تحديد سعر النفط لمواجهة أي تذبذب في الأسعار، والالتزام بالبقاء قرب تقديرات الإطار المالي للخطة الخمسية العاشرة.
ويظل حجم الدين العام في 2023 رهنا بتطورات أسعار النفط والسيناريوهات المتعددة المتوقعة في ظل تقلبات الأسعار، ففي حال تحقيق متوسط سنوي للنفط قرب السعر التقديري الأولي للميزانية، 55 دولارا للبرميل، قد يتم تسجيل عجز مالي بنحو 1.3 مليار ريال عماني ويمثل نحو 3 بالمائة من الناتج المحلي، وسيؤدي هذا السيناريو لأسعار النفط إلى ارتفاع حجم الدين بنهاية العام الجاري، من جانب آخر، يرجح خبراء النفط بقاء أسعار النفط عند مستويات جيدة خلال العام الجاري مما يقدم دعما جيدا لحجم العائدات العامة، وقد أنهت أسعار العقود الآجلة للنفط الثلث الأول من العام عند أكثر من 80 دولارا للبرميل، ويساهم سيناريو بقاء أسعار النفط عند متوسط يتراوح ما بين 80 إلى 90 دولارا للبرميل في انتهاء العام الجاري بتحقيق فائض مالي جيد وتراجع الحاجة للتمويل الخارجي للميزانية في ظل تبني سلطنة عمان توجها نحو استغلال عائدات النفط في سداد الدين وتقليص حجمه ودعم التنمية وتحسين معيشة المواطنين، وأيا كان السعر المتحقق للنفط هذا العام، يظل كل ارتفاع لأسعار النفط عن مستوى 55 دولارا مكسبا للوضع المالي في سلطنة عمان.
الآليات والاستراتيجيات
وإلى جانب عامل أسعار النفط الذي ما زال محوريا فيما يخص العائدات والمركز المالي للدولة، أظهرت سلطنة عمان خلال الفترة الماضية امتلاكها العديد من الآليات والاستراتيجيات لدعم جهود الاستدامة المالية، وتتضمن التعامل بمنهجية شاملة مع الوضع المالي والالتزام بالإطار المالي المحدد في الخطة الخمسية، ورفع العائدات من المصادر غير النفطية عبر جهود التنويع الاقتصادي، وزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي، واستثمار ما شهدته سلطنة عمان من تحسن في المركز المالي أتاح تحسين شروط الائتمان.
وخلال العام الماضي وفي ظل تحسن كبير للنظرة المستقبلية والتصنيف السيادي لسلطنة عمان أسفرت سياسة إعادة التفاوض على ديون مرتفعة التكلفة والسداد المبكر لبعض القروض في خفض جيد للأعباء المستقبلية للدين العام وقدرت وزارة المالية هذا الخفض بنحو 127 مليون ريال عماني خلال عام 2022، ويمهد استمرار تحسن المركز المالي لتمكين الحصول على الائتمان بكلفة جيدة في حال الاحتياج إلى تمويل الميزانية من مصادر خارجية.
ويعد التطور الإيجابي الذي يشهده ملف الدين العام أحد ثمار الخطة المالية متوسطة المدى والاستراتيجيات الناجحة لإدارة المحفظة الإقراضية بما يساهم في خفض حجم الدين العام وأعبائه المستقبلية وهو الأمر الذي تزامن مع تحسن كافة المؤشرات المالية والاقتصادية والرفع المتوالي للتصنيف الائتماني السيادي لسلطنة عمان وكذلك تحسن التصنيف وشروط الائتمان لشركات حكومية وكذلك للشركات الخاصة والبنوك نتيجة تغير النظرة المستقبلية لسلطنة عمان إلى إيجابية، وكان أحد مصادر الدعم الأساسي منهجية التعامل الناجح مع ملف الدين وخفضه بشكل ملموس عن مستوياته المرتفعة التي سجلها قبل سنوات وأدت إلى انعكاسات سلبية على المركز المالي للدولة وخفض متوالٍ للتصنيف الائتماني.
خفض التكاليف
كما أحدثت سلطنة عمان تغييرا هيكليا مهما في الميزانية العامة بنقل مصروفات النفط والغاز إلى خارج الميزانية، وأطلقت سلطنة عمان شركة متكاملة لإدارة جميع أصول وصادرات وواردات الغاز الطبيعي والمنتجات المشتقة بهدف خفض التكاليف المتعلقة بشراء ونقل الغاز الطبيعي، وتعنى الشركة بإدارة جميع المخصصات والأصول والحقوق والالتزامات الخاصة بشراء وبيع واستيراد وتصدير ونقل الغاز الطبيعي وما يتصل به من منتجات، وسبق ذلك تأسيس شركة تنمية طاقة عمان والذي أدى إلى نقل مصروفات النفط إلى خارج الميزانية، وتساهم تنمية طاقة عمان بشكل فعال حاليا في تعزيز الإنفاق الاستثماري لسلطنة عمان، وبينما تتوقع ميزانية 2023 أن الإنفاق الاستثماري سيصل إلى 4.5 مليار ريال عماني، يأتي 1.9 مليار ريال عماني من جهاز الاستثمار العماني، و1.5 مليار ريال عماني من شركة تنمية طاقة عمان، و1.1 مليار ريال عماني عبر الميزانية الإنمائية للدولة.
ويعد ملف الدين العام وتقوية المركز المالي لسلطنة عمان أولوية في رؤية عمان المستقبلية 2040، حيث الاستدامة المالية ممكن أساسي لنجاح طموحات الرؤية المستقبلية.