الحوكمة أداة مهمة في مسيرة الشورى
بقلم: يوسف عبدالله الغنبوصي
خلال استقبال جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله – لرئيس وأعضاء مكتب مجلس الشورى يوم الأربعاء 22 ديسمبر 2022م، أسدى توجيهاته بأهمية تعزيز التكامل وتجنب الازدواجية في الأدوار بين أعضاء مجلس الشورى وأعضاء مجالس البلدية، وهذا الحرص من جلالته سببه التقارب في الاختصاصات مما قد يفضي إلى شئ من التداخلات والازدواجية في العمل، وهذا أمر شائع معتاد في البدايات عندما تتوزع اختصاصات جهة واحدة بين جهتين فأكثر، إذ توجد بعض النقاط والفواصل الرمادية المتنازع عليها، وكل جهة تتمسك بحقها خشية أن تتقلص صلاحياتها وتتضاءل قوتها، والانسان من طبعه الحرص ( وأحضرت الأنفس الشح )، ولذا لا بد من وجود جهة يُرجَع إليها عند الاختلاف لحسم النزاع أو على الأقل المضيّ قُدُماً إلى حوكمة مشتركة لتوضيح أدوار كل منها؛ وإلا استمرت التداخلات وتحققت الازدواجية ولا بد.
إنَ من يقرأ قانون مجلس عمان الصادر في 11/1/2021م سيلحظ أمراً بالغ الأهمية وهو: أن عبارة “وزراء الخدمات” قد وردت نصاً في ستة مواضع منه !، ولسنا بصدد التساؤل عن الاقتصار على وزراء الخدمات فقط ولا عن مقاييس اعتبار أهذه الوزارة من ضمن الوزارات الخدمية أم لا؟ فمهما يكن من أمر فإن ورود عبارة “وزراء الخدمات” بهذه الكثرة في نفس القانون لا يمكن أن يكون عبثاً ولا ترفاً في الصياغة القانونية – فالشرع منزه عن العبث –، فالقانون السالف الذكر يمنح عضو الشورى صراحةً : حق المتابعة والتقييم والسؤال والاقتراح والمناقشة لكل ما يقع تحت مسمى (خدمات) أو كل ما يتبع وزير الخدمة، وفقاً لصلاحياته بل حتى الاستجواب لا يَطال إلا وزير الخدمات، والمهمة الأولى لوزير الخدمات هي: توفير الخدمات للمجتمع، فلا يمكن بحال من الأحوال لعضو الشورى ممارسة هذا الدور من دون الوقوف على الواقع الميداني: سواء كان على مستوى التشريع والتنظيم أو على مستوى التخطيط والتنفيذ وإلا ستكون مساهمته في التنمية ضعيفة وهشّة كالخابط خبط عشواء.
فإذا كان الأمر كذلك فما الحدود الفاصلة بين مجلس الشورى والمجالس البلدية؟ وأين ومتى يبدأ أو يتوقف دوره؟ وهل هناك معايير واضحة في استخدام أدوات المتابعة والوسائل البرلمانية بحيث لا يكون هناك تداخل مع أي جهة؟ فهذه التساؤلات تؤكد الحاجة الملحة بل الضرورة إلى حوكمة العمل الشورووي بأجهزته الأربعة.
و الجدير بالذكر أن وزارة الداخلية الموقرة قد دشنت مؤخراً المبادرة الوطنية لتطوير الإدارة المحلية التي تستهدف تعزيز قدرات القيادات المحلية في المحافظات بغرض صقل معارف وقدرات المحافظين في مبادئ الحوكمة واللامركزية الاقتصادية وغير ذلك من الأهداف التي يراد تحقيقها من وراء هذه المبادرة الرائعة، تنفيذاً لإحدى أولويات رؤية عمان 2040 والتي تعتبر الركيزة الأساسية وهي أولوية : حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والتشريع، فلعلَّ هذا الحراك في الإدارات المحلية يقارنه حراك آخر في مجلس الشورى فيحضُه على الإسراع نحو إعداد سياسات حوكمة على هيئة أدلة ومواثيق تنظم سير العمل بما ينسجم مع تطور الجهاز الإدراي للدولة، وبالإمكان الاستفادة من خبرات مركز عمان للحوكمة والاستمداد في هذا المجال، بغية الوصول إلى مجلس مؤثر وفاعل وشفاف، بصورة أكثر إشراقاً كما يأمله الجميع .