السمنة
وهج الخليج – مسقط
بقلم: شبيب بن سعيد الكلباني
السمنة هي احدى أمراض العصر التي تتطلب التدخل المبكر حيث تتشعب منه مضاعفات كثيرة تتمحور حول الامراض المزمنة والاعباء الاقتصادية والاجتماعية، ومن الشائع أتباع حميات غير موثوق بها علميا قد تؤدي الى مخاطر جسمانية للحصول على نتائج سريعة على المدى القصير، وفي الحقيقة يتطلب تخفيف الوزن بالتدرج مع التركيز على اتباع نظام غذائي يساعد على بناء نمط حياة سليم على المدى البعيد، وذلك بالاستعانة بخبير تغذية يؤدي وظيفة تقييم الحالة حسب العمر ونوعية المرض والمتابعة المستمرة. اقدم لكم في هذا البحث نبذة بسيطة عن النظام الغذائي السليم في تخفيف الوزن ودور العناصر الغذائية في التحكم في انقاص الوزن.
قامت وزارة الصحة في سلطنة عمان بأنشطة عديدة للحد من انتشار السمنة مثل نشر الوعي عن طريق القنوات المحلية في التلفاز والراديو والصحف والمجلات المحلية، بالإضافة الى الفعاليات التي تستهدف المجتمع عن طريق التثقيف الصحي وتثقيف العاملين الصحيين في المؤسسات الصحية المختلفة.
حسب تعريف منظمة الصحة العالمية تعرف السمنة على انها كمية أو نسبة الدهون الخارجية في الجسم فوق المعدل الطبيعي، وتقاس بالوزن بالكيلوجرام تقسيم الطول بالمتر تربيع، نتيجة 18.5-24.9 تعني أن الوزن سليم، نتيجة 25-29.9 تعني أن الوزن زائد، أما بالنسبة لما فوق ال30 فهي تعني السمنة. تعتبر هذه المعادلات معايير غربية وبالتالي فان المعايير بالنسبة لسكان الشرق الأوسط ليست محددة بعد. وقد يكون معد ل 30 فما فوق لا يعكس السمنة عند ممارسي كمال الاجسام حيث أن العضلات تساهم بشكل كبير في زيادة الوزن في هذه الحالات، وهذا المقياس أيضا لا يستخدم للحوامل حيث أن زيادة الوزن يكون بسبب الجنين والدهون المصاحبة لوظائف الجسم المختلفة في فترة الحمل، تطبق هذه المعايير عند الأطفال والمراهقين باستعانة مؤشر النمو.
أما بالنسبة لأسباب السمنة بالتحديد فهي في قيد الدراسة ولكن توصلت الدراسات حتى الان الى تفاسير مختلفة لزيادة الوزن فوق الطبيعي، احدى تلك الأسباب هي انتقال السمنة بالوراثة، أي انتقال العامل الوراثي من احدى الابوين الى الجيل القادم، بمعنى ان هناك احتمال أن 50% من الأبناء والبنات سوف يصابون بالسمنة إذا كان كلا الام والأب اوزانهم فوق المعدل الطبيعي، وهناك أيضا أسباب بيئية تلعب دورا رئيسيا في السمنة في حين أن الفكرة العامة هي قلة الرياضة وكثرة تناول السعرات الحرارية، هناك أيضا أسباب بيئية مثل قلة أو عدم توفر المرافق او الحدائق بالقرب من المناطق السكنية بسبب التمدن، وأيضا تسويق المأكولات السريعة الغنية بالسكريات والنشويات المصفاة والدهون المتحولة والأملاح، والاحجام الكبيرة ، وأثبتت الدراسات أيضا مضار مشاهدة التلفاز لأكثر من ساعتين في اليوم ، هناك أيضا مصادر أخرى للسمنة منها اضطرابات هرمونية ( مثل قلة هرمون الثايروكسين في الغدة الدرقية) أو بسبب تأثير بعض الأدوية (مثل الادوية التي تقلل المناعة).
بشكل مختصر يتم علاج السمنة بتغيير السلوك أولا من ناحية العادات الغذائية والانماط الحياتية المؤيدة للسمنة في فترة تستغرق 6 أشهر تقريبا، واذا لم يتم تخفيف الوزن يلجأ الطبيب المختص لاستخدام احدى أو بعض الادوية المصرح بها وبالجرعات المناسبة حسب ما يراه مناسبا من خلال التشخيص ، هذه الادوية اما أن تساعد على تقليل الشهية أو التقليل من انزيم وظيفته تفتيت الدهون من الأطعمة لاستخدامها في التخزين، وهناك ادوية لا زالت تحت التجارب المخبريية وليست مصرحة الى الان ، أو يتم استخدام احدى العمليات مثل شفط الدهون أو ربط البطن للتقليل من تناول الأطعمة تحت اشراف الطبيب بما يراه مناسبا.
أما بالنسبة للتوصيات الغذائية فهناك توصيات خاصة لتخفيف الوزن أو للوقاية من السمنة، على الرغم من وجود حميات مختلفة في مصادر عديدة ومدعومة بنظريات في اغلبية الأحيان وليس بادلة علمية او دراسات حديثة، الا أن افضل طريقة للتخفيف هي تناول وجبات منتظمة تحتوي على جميع العناصر الغذائية بانتظام والتقليل قدر المستطاع من العوامل أو العادات الغذائية التي تحفز زيادة الوزن.
من أهم التوصيات في تخفيف الوزن هي تناول كميات كافية من الخضار لأنها غنية بالالياف، وهناك نوعان من الالياف وهي الالياف الغير قابلة للذوبان والالياف القابلة للذوبان، الالياف القابلة للذوبان تساعد على تخفيض الكولسترول والدهون، وأما الالياف الغير قابلة للذوبان فهي تساعد على الاشباع وبالتالي تساهم في تناول كميات أقل من السعرات الحرارية الموجودة في المأكولات الأخرى، والخضروات بشكل عام تحتوي على سعرات حرارية أقل، حيث أن كوب من الأرز المطبوخ يحتوي على اثنا عشرة ضعفا من السعرات الحرارية الموجودة في كوب من السلطة تقريبا، اذا تمت ترجمة هذه التوصية الى واقع حياتي نجد أن تناول الأرز يكون أقل وتناول الخضار يكون بشكل أكبر وبالتالي يكون اجمالي السعرات الحرارية يكون منخفضا وكافيا لتخفيف الوزن بالتدريج، ننوه بالذكر أن البطاطا والذرة على الرغم من تصنيفها من لائحة الخضار الا أنها تحتوي على نشويات أكثر وتكون بالتالي مرادفة للأرز والخبز ولا ينصح بتناولها بكثرة، تحتوي الخضار على كميات مناسبة تلبي احتياجات الجسم السليم من الفيتامينات والمعادن، ولكن يفضل مراعاة طرق شراء وتخزين واعداد الخضار بطرق صحيحة حتى لا تفقد قيمتها الغذائية وتكون صالحة للأكل، الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء تتعرض بسرعة للتلف عند تعرضها للدرجات الحرارية العالية والاشعة.، وبسبب أنها غنية بالالياف تساعد الخضار أيضا على الوقاية من الإمساك.
الدهون هي أحدى المجموعات الغذائية التي يحتاجها جسم الانسان، وعكس المفاهيم الخاطئة ، يجب أن لا يكون الغذاء قليل جدا من الدهون لأن الدهون لها وظائف مهمة مثل نقل الفيتامينات القابلة للذوبان (فيتامين أ، د ، ج، ك)، وهي أيضا مهمة لغشاء الخلايا كمكون أساسي، يساعد على التحكم في درجة الحرارة ، مفيد أيضا كمخزون إضافي فالجسم في فترة الصيام، التوصيات: 7-10% دهون مشبعة، 10% دهون أحادية، 10% دهون غير مشبعة ، من اجمالي السعرات الحرارية ، والجدير بالذكر بأن المنتجات خالية الدسم قد تكون مضافة اليها سكريات ، مثل الحلويات الخالية الدسم (مثل الروب بالفواكه القليل الدسم) أو المعجنات الخالية الدسم، مما قد يؤدي الى نتائج عكسية عند تناولها بكثرة، حيث أن الدراسات الحديثة تشير الى أن التقليل من النشويات أهم من التقليل من الدهون في تخفيف الوزن (مع أن كلاهما يلعبان دورا هاما) ، ومهم جدا أن لا يكون اجمالي الدهون أقل من 20% من اجمالي السعرات الحرارية، وتشير دراسة أيضا الى أن الدهون الأحادية (الموجودة في زيت الزيتون والافوكادو والمكسرات) تساهم بشكل غير مباشر في انقاص الوزن.
أما بالنسبة لمجموعة النشويات، فان السكريات والنشويات البيضاء تحتوى فقط على سكريات وتفتقر العناصر الغذائية الا اذا كانت مدعمة صناعيا بالحديد أو الحليب. تتحول النشويات البيضاء الى دهون اذا لم يتم استخدامها في الحرق أو الطاقة، هذا قبل استخدامه في تخزين الطاقة على هيئة جلوكوز في الكبد ،وبسبب قلة الالياف من النخالة فانه يحتاج الى كميات كبيرة لكي تساعد على الشبع، عكس النشويات المعقدة، العلبة الواحدة من المشروب الغازي تحتوي على 10-12 ملعقة طعام من السكر، وهذه الكمية تحتاج الى انسولين أكثر وبالتالي يكون بالصعب تفتيت خلايا الدهون، وفي الموائد الشعبية يفضل التدرج في التقليل من الأرز لأن تناوله يفوق الاحتياجات المطلوبة عند العامة من الناس (باستثناء الرياضيين ومن هم في فترة النمو)
ومن ضمن المجموعات الغذائية البروتين، وهو عبارة عن احماض أمينية يربطها رابطة البيبتايد، يحتاج الجسم للبروتين لبناء العضلات والأنسجة وانشاء الانزيمات والهرمونات والاجسام المضادة ، وتلعب البروتينات النباتية والحيوانية دورا هاما في تخفيف الوزن، ويجب أن تكون في كل وجبة لكي تساعد على الاشباع، ولا ينصع بتناول مصادر اللحوم الحمراء ومنتجات الالبان الكاملة الدسم بكثرة نظرا لاحتوائها على دهون مشبعة قد تكون مضرة للقلب والشرايين مع كثرتها، يفضل الاتزان بين مصادر البروتين النباتي (مثل البقوليات وفول الصويا) والبروتين الحيواني (اللحوم والدواجن والاسماك والبيض) ،ولا يوجد أي داعي لاستخدام مصادر البروتين الاصطناعية لتخفيف الوزن، كونه مضر.
وتناول السوائل بانتظام له دور هام في تخفيف الوزن، منها أنه يساعد على التعويض عن السائل المفقود أثناء الحركة، وأيضا يساهم في تحفيز عملية الاستقلاب (استخدام العناصر الغذائية في وظائفها المختلفة في الخلايا). ويفضل الامتناع أو الحد من تناول المشروبات الغازية أو الغنية بالسكر لأنها تساهم في زيادة الوزن .
عند اتباع حمية غذائية خارج نطاق الغذاء المتوازن هناك صعوبات قد يواجهها الفرد لانقاص الوزن، قد تكون مملة ومحدودة الاختيار وقد لا يستطيع الفرد الاستمرار عليها لدرجة أن الوزن يعود مثل السابق، وقد أشارت الدراسات الى أن الاستمرار على التخفيف والرجوع الى الوزن المثالي تكرارا ومرارا له أعراض وخيمة قد تؤثر على القلب وغيرها من أعضاء الجهاز الهضمي، بالإضافة الى أنها قد تفتقر بعض العناصر الغذائية المهمة لوظائف مختلفة، بعض الحميات قد تكون باهظة الثمن بحيث يتطلب على الفرد شراء بعض الأغذية الغالية الثمن أو بكميات أكثر من المعتاد. سأناقش في هذا المقال بعض الحميات الغذائية التي في بعض الأحيان لا زالت قيد الدراسة.
حمية البحر المتوسط : تحتوي على الفواكه والخضار واللحوم (بكميات محدودة) ومنتجات الالبان القليلة الدسم والزيوت الغير مشبعة مثل زيت الزيتون والبقوليات والحبوب الكاملة ، اثبتت الدراسات أن لها فوائد عديدة في صحة القلب والشرايين، ولكن يجب مراعاة تخفيف الوزن وأن تكون السعرات الحرارية محدودة ومناسبة في تخفيف الوزن بالتدريج.
حمية الاتكينز : تتطلب تناول كميات عالية من البروتين وتناول كميات كافية من الخضار، تناول كميات قليلة جدا من النشويات ( 20جرام في أول أسبوعين ومن ثم التدرج في زيادة كمية النشويات لدرجة التقيد بوزن سليم) ، ليست للاستخدام لمن يعانوا من فشل كلوي مزمن . الى الان لا ينصح بها من ضمن التوصيات الحديثة حتى تكون هناك دراسات منتظمة تؤيد صحتها وسلامتها، أكدت الدراسات أن عنصر البروتين في هذه الحمية هي التي تساعد على الاشباع والتقليل من تناول السعرات الحرارية
حمية العصر الحجري القديم : تتمحور حول تناول اللحوم والدواجن والاسماك والفواكه والخضار، وتكون محدودة من البيض والمكسرات والبطاطا وبعض الزيوت النباتية، والامتناع عن منتجات الالبان والحبوب والخبز والأرز والمشروبات الغنية بالسكر، اثبتت الدراسات انها تساعد على تخفيف الوزن نظرا لتناول سعرات حرارية قليلة مقارنة بحمية غذائية متوازنة تحتوي على كل المجموعات الغذائية ، الا أنها تحتوي على كميات أقل من الالياف تحت الكمية الموصى بها من التوصيات الغذائية العالمية وتحتوي على كولسترول أعلى فوق الموصى به، هي أيضا قليلة الكالسيوم نظرا لعدم السماح بتناول منتجات الالبان.