عطرُ الزهرِ يبقى
بقلم: سالم بن عبدالله الرحبي
لم يكن يعلم ذلكَ البرعم الصغير لشجرةِ القرنفل الذي تفتحت زهرتهُ ذاتَ صباحٍ ندي في جزيرةِ زنجبار أن شذى عطره سيتجاوزُ سياجَ الحديقةِ الصغيرة، وأنه سيصبحُ سيرةً عطرة لمحطةٍ مضيئة في تاريخِ السلاطينِ العظماء ، وأنه سيتحول إلى سطرٍ ذهبي يطرزُ صفحاتِ كتبِ التاريخ عن قائدٍ أرادَ أن يرسمَ إطاراً لأحلامه فأبت عزيمته إلا بناءَ إمبراطوريةٍ أضاءت أصقاعَ المعمورة.
كان السيد سعيد بن سلطان بذكائهِ ونبوغه ـ كما وصفه من عاصره ـ وبوجنتيه المضيئتين اللتين تشبهانِ خيوطَ الفجر ، وأنفهِ المقوس الذي يحاكي الخناجر العمانية المضطجعة على جنباتِ الرجالِ الأشاوس ، يمتطي صهوة آمالهِ وتطلعاته في إعادةِ أمجادِ أرضٍ لطالما وجدت في زرقةِ البحر وامتدادِ الأفق رحلةً نحو المجد ، فحلّق بعيداً في سماواتِ الرفعة ليبني دولةً لا يغيبُ عنها الفرح.
من شرقِ أفريقيا الذي أثثهُ العمانيونَ الأوائل بتفاصيلِ ثقافتهم الأصيلة.. ديناً إسلامياً حنيفاً ، وسمتاً سامقاً ثابتاً ، وثوابتَ أخلاقيةً راقية ، وازدهاراً اقتصادياً وارفاً ، وإرثاً إنسانياً عالياً، من هذا الشرق العتيق يعيدُ سيدُ عمانَ اليوم ، وسلطانُ سيادتها عهدَ أسلافهِ العظماء ، بقراءةٍ حديثة تواكبُ كلَ المتغيرات وتراعي العصرَ الحديث ، ليفتحَ نافذةً جديدة تطلُ على المحيطِ الهندي من زوايةٍ خبرها أجداده، وعرفوا تفاصيل شواطئها.
في عالمِ اليوم الذي لا يتقنُ سوى لغةَ الاقتصاد ، ولا يُجيدُ الحديثَ إلا بالأرقام ، فإن التعاطي مع مجرياتِ الأمور يأخذُ بعداً استراتيجاً مختلفاً ، تفتحُ فيه الدول مؤشراتِ التبادلِ التجاري والتكاملِ الاقتصادي والتعاونِ المشترك.. في خضم كل هذه المعطيات يطلُّ الفكرُ السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم على صفحاتِ التاريخ ليكتب فصولاً جديدة ، تستلهمُ الماضي العريق، وتستنهضُ عزائمَ الحاضر.
يمثلُ العمقُ العمانيُّ الاستراتيجي في شرقِ أفريقيا أساساً يمكنُ البناءُ عليه للنهوضِ بشراكةٍ اقتصاديةٍ استثنائية يمكنُها أن تفتحَ آفاقَ الاستثمار بطريقةٍ عصرية تبحثُ عن مكامنِ الفرص وتسعى إلى تطويرها وتمكينها، وتعيدُ تشييدَ الجسورِ من جديد وفقَ أسسٍ حديثة يمكنها النهوضُ بالعلاقاتِ الاقتصادية ، متكئةً على ماضيها التليد ، لترسمَ ملامحَ مرحلةٍ جديدة ينهضُ فيها الاقتصادُ العماني الذي لطالما كانَ ولايزال يتكئُ على سمعته التاريخية الشهيرة: “التاجر العماني الصادق النزيه”.
تجسدُ زيارةُ رئيسةِ تنزانيا الاتحادية مؤخراً ومن بعدها زيارةُ رئيسِ زنجبار هذه الأيام الرؤيةَ الحكيمة لسيدِ عمان في استنهاضِ مكامنِ الحضارةِ العمانية واستحضارها واقعاً ملموساً يعطي لسلطنةِ عمان دورَها الريادي اقتصادياً ، ويمكّنُ أذرعَها الاستثماريةَ من استعادةِ النشاط ، مستفيدةً من ثقلها الحضاري الهائل ، وحضورها الثقافي البارز في الشرقِ الأفريقي الذي مازال يمثلُ مساحةً خصبة للشراكةِ الاقتصادية موفراً فرصاً ذهبيةً لمن يجيدُ اقتناصَ الفرص.
وعمان في نهضتها المتجددة تستحقُ أن تنفضَ غبارَ أمسها البعيد وأن تعيدَ بريقَ سطورها بين كتب التاريخ..
فإذا هسهست موجةُ بحر لقصرِ العلم جاوبتها زهورُ القرنفل في قصرِ المتوني.