وكيل الاقتصاد: الاقتصاد العُماني يجني ثمار السياسات الاقتصادية المُقرّة ويحقّق نموًّا بنسبة 32.4 بالمائة
وهج الخليج – مسقط
أكد سعادة الدكتور ناصر بن راشد المعولي وكيل وزارة الاقتصاد أن هناك تحسّنًا ملحوظًا في أداء الاقتصاد العُماني يمكن إدراكه من خلال أداء المالية العامة للدولة والتحسن في التصنيف الائتماني الذي أقرته بعض المؤسسات العاملة في هذا المجال حيال وضع سلطنة عُمان، والمؤشرات الاقتصادية الرئيسة سواء على مستوى أداء الأنشطة الاقتصادية أو فيما يتعلق بأسعار المستهلكين وأوضاع سوق العمل والتشغيل الذي يعدّ ركيزة أساسية لقياس الوضع الاقتصادي ويعكس بصورة أو بأخرى تحسن الأداء الاقتصادي بشكل عام.
وقال سعادته في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إن من أهم المؤشرات التي يمكن التدليل عليها نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من عام 2022 حيث نما بالأسعار الجارية بنسبة 32.4 بالمائة ليصل إلى نحو 20.26 مليار ريال عُماني مقارنة بنحو 15.30 مليار ريال عُماني خلال النصف الأول من عام 2021م.
أما بالأسعار الثابتة، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9 بالمائة خلال النصف الأول من عام 2022م ليصل إلى نحو 17.59 مليار ريال عُماني مقارنة بنحو 16.93 مليار ريال عُماني خلال النصف الأول من عام 2021م.
وأضاف سعادته أن ذلك يصاحب ارتفاع القيمة المضافة للأنشطة النفطية بنسبة 9.2 بالمائة، لتشكل ما نسبته 34.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من عام 2022م مقابل 32.5 بالمائة خلال الفترة نفسها من عام 2021م. وكذلك ارتفاع القيمة المضافة للأنشطة غير النفطية بنسبة 2.1 بالمائة خلال النصف الأول من عام 2022م.
وبيّن سعادته أن هناك عدة عوامل ساعدت في تحسن هذه المؤشرات أهمها الارتفاع الملموس في أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية والأهم من ذلك طبيعة وكفاءة السياسات المالية والاقتصادية التي اتخذتها سلطنة عُمان للاستفادة من هذا الارتفاع خاصة في دعم جهود التعافي الاقتصادي من الجائحة، والتركيز على الاستغلال الأمثل لعوائد النفط في سبيل تحقيق التوازن المالي والتسريع في طرح مجموعة من المشروعات التنموية التي ستعجّل بتعميم الخدمات الأساسية المستهدفة بالإضافة إلى أنها ستسرع في تحقيق مستهدفات وبرامج خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025م).
وعلى مستوى نمو الأنشطة الاقتصادية للنصف الأول لهذا العام بالأسعار الثابتة قال سعادته إن من أهم القطاعات التي سجلت معدلات نمو ملحوظة نشاط “النقل والتخزين” و”أنشطة الإقامة والخدمات الغذائية” حيث بلغت 29.4 بالمائة و29.2 بالمائة، على الترتيب. كما نما نشاط التعدين ونشاط الصناعات التحويلية بنسبة 15.4بالمائة و11.5 بالمائة على التوالي. وهذا يترجم في المقام الأول سياسات التحفيز الاقتصادي التي تم انتهاجها خلال العامين الماضيين في أعقاب جائحة كورونا (كوفيد 19) وحاجة القطاعات إلى حِزم تحفيزية ومبادرات تستطيع من خلالها العودة إلى مسار نموها الطبيعي والإسهام في تعافي الاقتصاد الوطني ككل.
وأضاف سعادة الدكتور ناصر المعولي أن هذا النمو يأتي أيضا استجابة للسياسات الاقتصادية التي أقرتها خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025) تحديدًا لأولوية التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية ومنها تهيئة بيئة عمل محفزة ترفع من دخل قطاعات التنويع الاقتصادي والتحول من الاستثمارات كثيفة العمالة إلى استثمارات مبنية على رأس المال البشري المؤهل والتكنولوجيا عوضًا عن مراجعة سياسة الحوافز والدعم والتمويل وربطها بالقطاعات المستهدفة في التنويع الاقتصادي معربا عن اعتقاده من أن ثمار هذه السياسات بدأ ينعكس إيجابيا على طبيعة مؤشرات أداء الاقتصاد العُماني.
وقال سعادته إن الحفاظ على مستويات آمنة ومعقولة من التضخم هو أحد أهم مآرب السياسة الاقتصادية لضمان عدم التأثير المباشر على الأوضاع الاقتصادية للأفراد وعدم انعكاس الأزمات الاقتصادية على أسعار السلع والخدمات الرئيسة. وكلنا ندرك أن العالم يمرّ خلال هذا العام تحديدًا بزيادات غير مسبوقة في مسـتوى الأسعار العالمية مدفوعـة بعـدم اسـتقرار العـرض مـن مختلـف السـلع والخدمـات، وخاصـة السـلع الغذائيـة الأساسية والزراعيـة، إضافة إلـى الاختلالات فـي سلاسل التوريـد العالميـة وارتفـاع تكاليف الشـحن والتأميـن والخدمات اللوجسـتية، وقد كان للحـرب الروسـية الأوكرانية الـدور الأكبر فيهـا إلـى جانـب الارتفاع فــي أســعار الطاقــة عالميـًّـا. كما أن زيــادة الطلــب المحلــي على بعض السلع والخدمات نتيجــة لتعافي حركــة النشــاط الاقتصادي بعــد انحســار جائحــة كورونا، أســهم أيضا فــي ارتفــاع المســتوى العام للأسعار.
وأشار في هذا الصدد إلى أن معدل التضخم في سلطنة عُمان ظل عند حدود مقبولة حيث بلغ نحو 3.1 بالمائة خلال الفترة (يناير- أغسطس) من عام 2022م وهو معدل أقل بكثير من المعدل الذي وصلت إليه بعض الاقتصادات العالمية وحتى الاقتصادات المتقدمة. كما أن المعدل لم يشكل في مجمله فجوة كبيرة عن التوقعات التي رسمتها خطة التنمية الخمسية العاشرة في إطارها المالي بالحفاظ على متوسط معدل تضخم طوال سنوات الخطة في حدود 2.8 بالمائة، خصوصًا وأننا شهدنا تراجعًا مستمرًّا لمعدلات التضخم الشهرية منذ بداية عام 2022م، حيث تراجعت من 4.4 بالمائة في يناير إلى نحو 2.4 بالمائة في أغسطس 2022م رغم آفاق عدم اليقين والاضطرابات الاقتصادية التي توالت على العالم في السنتين الماضيتين.
وبيّن سعادته أنّ ما يعنينا في هذا الشأن كذلك أنه إلى جانب المحافظة على مستويات معقولة من التضخم فإن سلطنة عُمان استطاعت عبر السياسة الاقتصادية تدارك أزمة سلاسل الإمداد بالنسبة للمواد الغذائية وخاصة في أعقاب الصراع الروسي – الأوكراني وهو ما يشكل مكسبًا مهمًّا للاقتصاد والمجتمع في عُمان.
وأكد سعادة الدكتور ناصر المعولي على أن مناخ التعافي الاقتصادي انعكس في عمومه كذلك على ارتفاع فائض الميزان التجاري حيث نما بنسبة ملحوظة بلغت 185.8 بالمائة ليصل إلى حوالي 4.71 مليار ريال عُماني خلال النصف الأول من عام 2022م مقابل 1.65 مليار ريال عُماني خلال الفترة نفسها من عام 2021م. ونمت الصادرات السلعية بنسبة كبيرة بلغت 61 بالمائة كما أن من المؤشرات المهمة التي نتوقف عندها في أداء القطاع الخاص هو النمو الملحوظ في الصادرات غير النفطية بنسبة 51.2 بالمائة خلال النصف الأول من عام 2022م مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2021م.
وأشار إلى أن خطة التنمية الخمسية العاشرة حددت حين إعدادها ثلاثة تحديات رئيسة كانت تواجه الاقتصاد العُماني أولها: ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة ونحن نلحظ اليوم ارتفاعًا في الإيرادات العامة بنسبة ملموسة بلغت 53.5 بالمائة لتصل إلى نحو 8 مليارات ريال عُماني حتى نهاية يوليو 2022م وتحقيق الميزانية العامة للدولة فائضًا ماليًّا مقداره 1.02 مليار ريال عُماني حتى نهاية يوليو 2022م مقابل عجز مالي مقداره 1.21 مليار ريال عُماني حتى نهاية يوليو 2021م.
وقال سعادته إن التحدي الثاني الذي واجهته الخطة الخمسية العاشرة عند إطلاقها كان زيادة نسبة حجم الدَّيْن العام للناتج المحلي واليوم يشير أداء المالية العامة إلى انخفاض إجمالي الدَّيْن العام لسلطنة عُمان ليبلغ نحو 18.4 مليار ريال عُماني في نهاية أغسطس 2022م مقابل 20.8 مليار ريال عُماني في نهاية أغسطس 2021م، أي بانخفاض بلغ 2.4 مليار ريال عُماني أو ما نسبته 11.5 بالمائة.
أما التحدي الثالث الذي واجهته الخطة فهو التراجع المستمر في التصنيف الائتماني، واليوم نجد أن هناك تحسّنًا في التقييم الائتماني لسلطنة عُمان من قبل مؤسسات التقييم الدولية الرئيسة، حيث رفعـت وكالة فيتــش تصنيفهــا الائتماني لسلطنة عُمان في أغسطس 2022م إلـى BB مـع نظـرة مسـتقبلية مسـتقرة. كما رفعت وكالة ستاندرد اند بورز تصنيفهــا الائتماني لسلطنة عُمان في ابريل 2022م إلـى BB- مـع نظـرة مسـتقبلية مسـتقرة، نتيجة لارتفاع أسعار النفط إلى جانب تنفيذ إجراءات ومبادرات ضبط الأداء المالي وتحسن مؤشراته وانخفاض مخاطر الدَّيْن العام مصحوبة بسياسات حكومية متزنة.
ووضح سعادته أنه على صعيد أداء المالية العامة، فقد شهد الوضع المالي في سلطنة عُمان تحسّنًا واضحًا خلال الفترة من (يناير-يوليو) من عام 2022م مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي نتيجة لارتفاع الإيرادات العامة بنسبة ملموسة بلغت 53.5 بالمائة لتصل إلى نحو 8 مليارات ريال عُماني حتى نهاية يوليو 2022م جراء الارتفاع الملحوظ في أسعار النفط، وارتفاع الإنفاق العام ولكن بنسبة أقل من ارتفاع الإيرادات العامة التي بلغت 8.8 بالمائة ليبلغ نحو 6.98 مليار ريال عُماني حتى نهاية يوليو 2022م نتيجة لمواصلة تنفيذ إجراءات الضبط المالي، مما أدى الى تحسن أداء الميزانية العامة إلى جانب تحسين إدارة المحفظة الإقراضية.
وأضاف سعادته أنه في الجانب الآخر فإن مؤشرات نقدية جاءت متوازية مع نمو وانتعاش الأداء الاقتصادي لسلطنة عُمان منها نمو السيولة المحلية بنسبة 3.3 بالمائة وارتفاع إجمالي الودائع لدى القطاع المصرفي بنحو 5.4 بالمائة في نهاية يونيو 2022م، إضافة إلى تحسن أداء بورصة مسقط للأوراق المالية حيث شهد المؤشر الرئيس لها ارتفاعًا بنحو 15.6بالمائة ليصل إلى 4585 نقطة في نهاية أغسطس 2022م مقابل 3967 نقطة في نهاية أغسطس 2021م مصحوبًا بارتفاع حجم التداول بنسبة 21.4بالمائة.
وبيّن سعادته أنه يمكن أن نعزو كل هذه المؤشرات الإيجابية في أداء الاقتصاد العُماني إلى أربعة عوامل رئيسة وهي: الالتزام المؤسسي والتخطيطي بما أقرته خطة التوان المالي متوسطة المدى (2020-2024) من إجراءات هادفة لضبط مستويات الدَّيْن العام وتحسين كفاءة الإنفاق والسياسات الاقتصادية التوسعية المقرة في خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025) وتحديدًا تلك الموجّهة لحفز أنشطة التنويع الاقتصادي وتحقيق الاستدامة المالية وحفز القطاع الخاص وتحديد موجهات أساسية لعمليات التخطيط الاقتصادي والتنموي وارتفاع أسعار النفط والغاز ووجود سياسات حكومية واضحة واستباقية لتوجيه الزيادة في الإيرادات نحو تحقيق مبادئ التوازن المالي والتوسع في الإنفاق الإنمائي وتسارع وتيرة نمو الأنشطة الاقتصادية والتمكين المالي المتاح لتسريع وتيرة المشروعات الإنمائية بما ينعكس على أداء قطاعات وأنشطة اقتصادية وخاصة تلك التي تشتغل فيها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فضلًا عن دعم مشروعات تنمية المحافظات.
وقال سعادته: يتوقع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن ينمو الاقتصاد العُماني بنسبة 5.6 بالمائة في عام 2022م وأن يبقى معدل التضخم ضمن الحدود المقبولة في حدود 3 بالمائة رغم ارتفاع أسعار السلع العالمية وخاصة في ظل الإجراءات والمبادرات التي تتخذها الحكومة للتخفيف من حدة الضغوط التضخمية، واستمرار تحسن الأوضاع المالية من خلال زيادة الإيرادات وخاصة النفطية، وكلّ ذلك سيمكّن الحكومة من التحرك في مساحة جيدة للتخطيط الاقتصادي والتنموي مع إمكانية تسريع العمل على بعض المشروعات التنموية المُقرّة أو المرحّلة من خطط تنموية سابقة.
وأكد سعادة الدكتور ناصر المعولي أن وزارة الاقتصاد ترصد بشكل مستمر المتغيرات الاقتصادية العالمية المختلفة وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، كما تراقب عن كثب التغيرات في أسواق الطاقة بهدف اتخاذ خيارات اقتصادية مدروسة قادرة على التعاطي مع كافة المتغيرات العالمية