عزلة، فإدمان، فانتحار ألعاب الفيديو متهمة بعزل الأطفال عن عالمهم الخارجي.. هل تتفق؟
د. سيف الهاشمي يلقي باللوم على الأهل وينصح بتقنينها وليس منعها.
مريم: “ابنتي تعاني من التوحد وتأخر في النطق بسبب ألعاب الفيديو”.
تحقيق: أشراف الدرعية ومهرة الرئيسية
وهج الخليج-مسقط
محمد طفل لم يتجاوز التاسعة من عمره بعد، يتردد -وهو في هذه السن الصغيرة- على أخصائي نفسي إثرَ إدمانه على ألعاب الفيديو؛ بسبب منع أهله له عن اللعب مع أقرانه خارج المنزل، ومع ذلك الكبت المتواصل؛ أصيب محمد بالاكتئاب ومشاكل صحية وتأثر تحصيله الدراسي.
في تحقيقنا التالي نحاول استعراض أبعاد هذه المشكلة الخطيرة على أطفالنا للتعرف على مسبباتها وطرق علاجها.
حالات واقعية
توجهنا بالسؤال إلى بعض الأمهات ممن يدمن أبناءهن على الأجهزة الإلكترونية، فأجابت مريم بأن لديها طفلة تبلغ من العمر سنة ونصف، تقضي فترة طويلة كل يوم مع الألعاب التي قامت والدتها بتنزيلها على هاتفها حتى تشغلها عن البكاء، لكن ما لم تتوقعه أن طفلتها “سارة” أصبحت الآن تعاني من التوحد وتأخر في النطق بسبب ذلك.
وتقول فاطمة: “لدي طفل عمره خمس سنوات، لا يقبل أن يقوم بأي شيء سوى الجلوس على هاتفه الذي اشتراه له والده، ليشاهد فيه المقاطع المضحكة والتافهة على اليوتيوب، وأصبح كثيرا ما يقلد حركات أولئك التافهين الذين يشاهدهم، على الرغم من أن الألفاظ التي تعلمها منهم تفوق سنّة، واليوم فقدنا السيطرة على مصادرة الهاتف منه أو حتى منعه من مشاهدة تلك المقاطع”.
ثلاث حالات انتحار
ويروي الدكتور سيف الهاشمي قصة طفل آخر (س) تعرف عن طريق الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي على (ص) التي كانت من نفس عمره فتطورت العلاقة بينهما وطال الحديث حتى بات مستمراً، ووسط تبادل المشكلات والهموم بينهما قرّرا الانتحار في نفس الوقت، نجح الطفل (ص) في الانتحار على عكس الطفل (س) الذي لم ينجح في ذلك _ولم يعرف عن زميله الآخر_ فأرسل مراراً إلى الطفل (ص) الذي اختفى كلياً، وبعد عدد من المحاولات اكتشف الطفل (س) أن الطفل (ص) قد مات منتحرًا، وعندها دخل في حالة اكتئاب حاد. لجأ والدا الطفل (س) _اللذان لا يعلمان عن قصة الانتحار وسبب حالة طفلهم هذه_ إلى طبيب نفسي، الذي علم بدوره عن القصة من الطفل نفسه.
أمراض صحية وسلوكية
ذكر الدكتور سيف الهاشمي أن القلق النفسي العام والتوحد يؤدي الى استخدام الإلكترونيات لدى الأطفال، وإدمان الإلكترونيات ليس له أثر فسيولوجي، بل يعمل نوع من الاعتمادية والتشتيت. وأضاف أن: “الإلكترونيات تعمق له العزلة وحب الانعزال، وتفقده المهارات الاجتماعية، بل وتفقده الاهتمام بالنظافة الشخصية وأيضاً وتؤثر على الغذاء بشكل كبير”.
وكشف استطلاع ميداني ضمن هذا التحقيق لعدد من أولياء الأمور والأمهات أن أبرز الآثار الاجتماعية التي تسببها الأجهزة الإلكترونية هي استخدام الألفاظ البذيئة والعزلة والانطوائية وتقليد الشخصيات السلبية. أمّا الآثار الصحية فكانت أبرزها النسيان وعدم التركيز ومشكلات في النظر.
من المسؤول؟
بحسب مقال منشور في موقع بصائر، يرى الدكتور درداح الشاعر _وهو دكتور في علم النفس_، أنّ من أسباب إدمان الأطفال على ألعاب الفيديو هو انشغال الأهالي عن أطفالهم أغلب أوقاتهم، وهذا ما أكده الدكتور سيف بن سلام الهاشمي _استشاري أول أمراض نفسية وعصبية_، عن الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى إدمان الأطفال على الأجهزة الإلكترونية، حيث يقول: ” الوالدان هما السبب؛ فهم صنّاع القرار، فلو كانت هناك رقابة، ومحاولة تقنين استخدام الأجهزة، لا أقول منعهم؛ لأنه بالأساس لا يمكن منع الأطفال من استخدام الهواتف في هذا العصر لأنها أصبحت جزء من نموهم العقلي، وإنما يجب أن تكون هناك ضوابط من الأهل حول المدة والمحتوى، ومراقبة الأشخاص الذين يتواصل معهم أبناؤهم”.
منع وسماح
وبتوجيه السؤال للدكتور سيف الهاشمي حول رأيه في منع الأطفال من استخدام الهواتف والأجهزة اللوحية يجيب أن: “علينا توعية الأهل بأهمية تقنين استخدام الأجهزة الالكترونية، لأننا لا نستطيع أن نمنع استخدام تلك الأجهزة التي لها إيجابيات كما لها سلبيات، فعندما تحولت الدراسة بسبب كوفيد إلى “الأون لاين” انخفض التحصيل الدراسي لكثير من الطلبة بسبب عدم إدراكهم بكيفية استخدام الأجهزة الالكترونية كالآيباد وغيرها”.
على عكس الأستاذة سمية التي تتفق مع فكرة منع الطفل كليا من استخدام الإلكترونيات عموما بسبب تجربتها الشخصية مع أطفال أخواتها وصديقاتها المدمنين بدرجة كبيرة على الهواتف الذكية والتطبيقات والألعاب التي فيها.