وزيرة الثقافة السورية: سلطنة عُمان رمّمت آثارنا وساعدتنا في استعادة المهرَّب منها
وهج الخليج- مسقط
أكدت معالي الدكتورة لبانة مشوّح، وزيرة الثقافة بالجمهورية العربية السورية على أن المشتركات الحضارية والثقافية بين سلطنة عُمان والجمهورية العربية السورية كثيرة وضاربة في القدم، موضحة أن “عُمان وسوريا كانتا على طريق الحرير وبالتالي فإن التفاعل بين الحضارات التي نشأت في كلا البلدين كان أمرا حتميًّا وأن سلطنة عُمان تكاد تكون التوأم لسوريا بتاريخها المتجذر العميق وبالمستويات الحضارية فيها فآثارها تعود إلى العصور الحجرية والبرونزية كما هو الحال في سوريا”.
وقالت معاليها في حوار خاص مع وكالة الأنباء العُمانية إن البلدين الشقيقين وقّعا على مذكرة تعاون في الشأن الثقافي منذ أكثر من 10 سنوات، وفي مجال حماية وصون التراث المادي أو الأثري منذ عام 2018 م حيث اتفق الجانبان على أن يُعير متحف دمشق المتحفَ الوطني في سلطنة عُمان بعض القطع الأثرية التي تحتاج إلى ترميم.
وأضافت معاليها أن مبادرة سلطنة عُمان ترميم وصيانة الكثير من القطع الأثرية في سوريا جاءت بسبب ما خلّفته الأزمة والأحداث في سوريا خلال السنوات الـ10 الماضية حدّت من قدرة الترميم حيث تم البدء بإعارة المتحف الوطني في عُمان، مخطوط الملّاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي لترميمه، مبيّنة “نعلم ما لـ ابن ماجد ومخطوطه من أهمية كبيرة لدى العمانيين”.
ووضحت معاليها أن التعاون الثاني تمثل في إعارة عدد من القطع المتحفية لترميمها وهي عبارة عن مسكوكات نقدية، رُمّمت منها 100 قطعة وأعيدت إلى متحف دمشق هذا العام بمناسبة إقامة معرض القطع الأثرية العُمانية في دمشق الذي حمل عنوان “إضاءات عن عُمان” وكان أول معرض يستضيفه متحف دمشق منذ تأسيسه لدولة غير سوريا حيث لاقى المعرض حفاوة كبيرة على الصعيد الشعبي والرسمي والثقافي وهناك نية لنقله بعد أن استمر 6 أشهر في دمشق إلى مدينة حلب السورية.
ولفتت معاليها إلى أن التعاون الثالث تمثل في إعارة المتحف قطعًا يزيد عددها على 175 قطعة بينها قطع تدمرية.
وعن رأيها في جودة عملية الترميم التي قام بها المتحف الوطني للقطع السورية قالت معاليها: ” الواقع إن ما قام به خبراء المتحف الوطني العُماني عملٌ يدعو إلى الإعجاب، هناك دقة ومهارة عالية في التعامل مع هذه القطع وترميمها لدرجة أننا لا نكاد نتعرف عليها لجمالها والدقة في ترميمها حيث أعادت إليها رونقها .. ونحن شاكرون ومقدّرون هذا العمل الكبير”.
وأكدت معاليها على أن سبب اختيار سلطنة عُمان لاحتضان الكنوز الأثرية السورية وترميمها مواقفها الحيادية تجاه الأزمة السورية الأمر الذي لامس قلب كل مواطن سوري “فعُمان مدّت لنا يدها وعرضت علينا خدماتها الجليلة إضافة إلى أنها دولة ذات ثقة ومصداقية عالية ولعُمان في قلوبنا مكانة خاصة”.
وأضافت معاليها أن ترميم الآثار السورية في السلطنة يحتاج لعام آخر بسبب عدد القطع وتعددها وتنوعها في الحجم والمادة والصيانة والترميم بـأدق الأدوات والمنهجية العملية، وطريقة التعامل تتم بحذر شديد مهما استغرقت من وقت فالجودة تعتبر العامل الأهم لدى الخبراء العمانيين.
وحول ما تعرضت له الآثار السورية جراء الأزمة بيّنت معاليها ” أن هذه الآثار ليست حبيسة المتاحف إنما هي موجودة في المتاحف المفتوحة أو المتاحف الطبيعية التي تنتشر على التلال والجبال والسهول وهي أماكن نقبت فيها البعثات الأثرية وأجرت دراسات عليها وليس بالإمكان حراسة كل موقع تم التنقيب فيه.. وخلال سنوات الأزمة استهدفت الجماعات الخارجة عن القانون هذه الآثار وسرقتها من هذه المواقع والتلال بعد تحديدها بالاستعانة بصور من الأقمار الصناعية في المواقع المفتوحة حيث هوجمت ونقبت تنقيبا جائرا أدى إلى إتلاف الطبقات الأثرية وتدميرها، وضررها كان كبيرا حتى في المواقع المسجلة على مواقع التراث العالمي كموقع حضارة تدمر.
ولفتت معاليها إلى أن 80 بالمائة من المتاحف السورية كانت بمأمن إبان الأزمة وقد تم اتخاذ إجراءات احترازية فور وقوع الأزمة للمحافظة على هذه الآثار حيث تم تغليفها ونقلها إلى أماكن مختلفة وآمنة.
وأردفت: “ما لم نستطع نقله في صناديق عمدنا إلى إخفائه بالبناء عليه أو طمره في التراب للحيلولة دون التعرف عليه ومنها اللوحات الفسيفسائية كما أن هناك ثلاثة متاحف لم نتمكن من حمايتها وهي متحف ادلب ومتحف الرقة ومتحف دير الزور”.
وقالت معالي الدكتورة لبانة مشوّح، وزيرة الثقافة بالجمهورية العربية السورية إن “سلطنة عُمان ساعدتنا على استعادة قطعة متحفية أثرية وهي عبارة عن جسر منحوت بين عمودين كانت موجودة في أحد المتاحف البريطانية وعملية استعادتها معقدة جدا لأنها قد تأخذ سنوات طويلة. لكن بعد تدخل السلطنة بحكم علاقاتها الجيدة مع الجميع تمكنا من استعادة هذه القطعة في وقت قياسي” و “استعدنا عددًا كبيرًا من القطع الأثرية المهربة من لبنان الشقيق عن طريق أحد اللبنانيين المهتمين بالآثار والتراث السوري.”.
وأضافت معاليها: استعدنا أيضا عددًا كبيرًا من التماثيل التدمرية وما يقارب من 20 ألف قطعة أثرية عن طريق الجيش السوري حيث كان بعضها مهربا كما وجد بعضها في مخابئ لجماعات خارجة عن القانون.. “نحن نتواصل مع المنظمات الدولية بكافة السبل لرصد وحماية أي قطعة أثرية سورية مهربة باعتبار أن هذه الآثار هي كنوز للإنسانية وليست لسوريا وحدها وواجب الحفاظ عليها وإعادتها”.
ووضحت معاليها ” أن العناية بالتراث والتمسك بالهوية العُمانية ماثل للعيان في كل التفاصيل وهو من الأشياء التي تلفت النظر ويمثل شغفا بهذا التراث واحتراما للإرث الحضاري النابع منه بدليل أن الانتقال بين الأصالة والحداثة يتم بيسر وسلاسة دون أن نشعر أن هناك هوة بين الجانبين ويتضح ذلك في الطراز المعماري العماني الحديث الذي ظل محافظا على أصالته ومواكبا لأحدث التطورات المعمارية وهي محل عناية من قبل حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظه الله ورعاه/ وقبله السُّلطان قابوس بن سعيد /طيب الله ثراه/ وأن الثقافة العمانية تشعرك بأنها ركيزة أساسية من ركائز الدولة وعصب حيوي يبنى عليها كل شيء.
كما أنه لفت انتباهي العناية بالمتاحف في سلطنة عمان وتحويل الأبنية الموجودة داخل مسقط إلى متاحف للتعبير عن مسار ثقافي تاريخي، ويقوم بدور آخر في المسار السياحي.
وكشفت معالي الدكتورة لبانة مشوّح، وزيرة الثقافة بالجمهورية العربية السورية في ختام حوارها لوكالة الأنباء العمانية عن فكرة خلال لقاءاتها بالمسؤولين في السلطنة لإقامة أيام ثقافية ومشروعات مشتركة بين سلطنة عمان وسوريا بالإضافة إلى التبادل الثقافي والموسيقي والمسرحي والسينمائي.