قنطرة لغوية
بقلم: صالح بن عبدالله الصلتي
بذل علماء اللغة العربية جهودا جبّارة في سبيل وضع قواعدها وتبسيطها في الأصوات، والصرف، والنحو، والمعجم، والبلاغة، إضافة إلى اعتنائهم بقواعد الرسم الإملائي الصحيح؛ ليسهل على المتعلم إتقانها، فأفردوا لذلك مصنفات، أو خصصوا أبوابا في كتبهم، إلا أن المتابع لواقع الرسم الإملائي في وقتنا الحالي يجد نسبة ليست قليلة ممن أكملوا التعليم العام يسيئون لقواعد الرسم الإملائي الصحيح التي اجتهد اللغويون العرب في وضعها، مع أنها قواعد سهلة واضحة يمكن تعلّمها في مدة زمنية قصيرة، فعندما أرادوا رسم الهمزة المتوسطة- مثلا- فكروا في طريقة تسهّل على المتعلم معرفتها؛ فوضعوا درجات للحركات في اللغة العربية ورتبوها ترتيبا تصاعديا، فقالوا: إن الكسرة أقوى الحركات، تليها الضمة، ثم الفتحة، فالسكون، وجعلوا لكل حركة رسما محددا، فإن كانت الكسرة هي الأقوى رسمت على نبرة(ــئــ) وإن كانت الضمة هي الأقوى رسمت على الواو( ــؤ) وإن كانت الفتحة هي الأقوى رسمت على الألف( ــأــ ) وطبقوا هذه الفكرة على الهمزة المتوسطة، وهو نظام يمكن أن يُعرف بقاعدة نظام الغابة؛ إذ البقاء فيها للأقوى، بمعنى أن رسمها( أي الهمزة المتوسطة) قائم على حركة الهمزة نفسها، وحركة الحرف السابق لها، وعلى المستخدم لها أن يقارن بينهما ليرسمها بشكل صحيح، فكلمة (سُئِل)– مثلا- جاءت الهمزة مكسورة، والحرف السابق لها مضموما، ولذلك رسمت على نبرة؛ لأن الكسرة أقوى من الضمة، بينما في كلمة (سُؤَال) نجد أن الهمزة مفتوحة وما قبلها مضموم، والضمة أقوى من الفتحة ولذلك رسمت على الواو، مع وجود بعض الاستثناءات اليسيرة الخارجة عن القاعدة المذكورة كالهمزة المتوسطة على السطر، وبعض الكلمات، وساروا في نهج التسهيل في بقية أبواب الرسم الإملائي.
هذا؛ فكل ما يجب فعله من قبل مستخدم اللغة- لفظًا أو خطًا- هو الاطلاع على شيء من هذه الجهود الميسرة للرسم الإملائي سواء عند اللغويين المتقدمين أو المتأخرين، ليكتب برسم إملائي صحيح ويحافظ على هُويّة اللغة العربية، من بين هذه الجهود- على سبيل المثال- كتاب “باب الهجاء” لابن الدهان(ت 569 هــ)، إذ لا يتجاوز عدد صفحاته الخمسين.