بين سيكولوجية الشغب وسيكولوجية الجماهير
بقلم:د.سيف الهاشمي
في ظل المتغيرات الكثيرة المتسارعة والتطورات المذهلة التي تحدث في هذا العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لم ولن نكون في معزل عن كل ما يحدث في هذا العالم المتسارع . فالعالم لم يصبح قرية صغيرة بل اصبح عبارة عن غرفة صغيرة .
فما من أزمة او صراع يحدث في بقعة من العالم الا ونجد الشبكات التلفزيونية والشبكات الاجتماعية الكثيرة وجميع القنوات الفضائية على كافة اتجاهاتها واهتماماتها وقد جعلت العالم كله على مائدة حوار كبيرة يشارك فيها القادة والزعماء والرؤساء والسياسيين والعسكريون مع رجل الشارع حول موضوع الحدث لحظة وقوعه ، بل ونجحت هذه الوسائل المتطورة في نقله وتواجده داخل الخندق والدبابة والطائرة وخلف المدفع وأثناء القتال الفعلي . وهكذا تحول العالم من التفاعل مع الأفكار الى التأثير بالصورة والحدث ، وتحول العالم الى مائدة حوار كبيرة .
مجتمعنا العماني ولله الحمد مجتمع محافظ متماسك ومتجانس بفضل قيادة وحكمة مولاي صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق القائد الأعلى لعمان وأهلها . ورغم كل ما يبذل و كل ما تحقق ومازال يتحقق الا اننا عاصرنا وعانينا و ما زلنا نعاني من بعض الأزمات والمنغصات في مجتمعنا ولولا لطف الله سبحانه وتعالى وحكمة وقيادة مولانا أعزه الله وأبقاه لساءت الأمور كثيرا ، وما يحدث حوالينا خير برهان .
درء الضرر الأعظم مقدم على جلب المنفعة الأصغر
لو تعارضت مفسدة ومصلحة، وكانت المفسدة غالبة أو مساوية للمصلحة، فيقدَّم دفع المفسدة على جلب المصلحة
الاعتصامات والمظاهرات ، غالبا ما تتحول الى اعمال عنف وتخريب وخاصة ضد عناصر الأمن والمعنيين بالسيطرة . وكل ذلك يهدف الى لخلخلة الاستقرار والأمن في الدولة .
كما ان تطور وسائل وأساليب العمليات والأنشطة الإرهابية أصبحت ظاهرة دولية ومتشابكة و خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمعات على كافة المستويات وبالتالي تؤدي الى ظهور حالات الانحراف السلوكي في المجتمع على كافة أشكاله
الاحتجاج محمود عندما يكون لرفض الفساد و التعبير عن الاحلام والطموح لبناء الوطن وخدمته ولكن إن كنا ننشد الإصلاح فلا يمكن ان نمتطي الفساد والتخريب
خلخلخة الفساد و ليس خلخلة الاستقرار الأمني
ضرب “الاستقرار الأمني” هو أحد أساليب الفوضى الخلاقة التي تسبق تدمير أي مجتمع او دولة ، يتم ذلك من خلال ترويع الرأي العام وإثارة فزع الجماهير وقلقها وتهديد الاستقلال الأمني للدول المستهدفة، الأمر الذي يقود في النهاية إلى خلخلة أوضاعها واستقرارها الاقتصادي.
كلنا نؤمن أن عمان حق للعمانيين جميعًا ومن حق جميع العمانيين المساهمة في بناء حاضر عمان و مستقبلها. لأجل هذا الوطن الغالي المقدس و لحمايته وجب علينا مواكبة كل هذه المتغيرات و التطورات ، بسلبياتها وإيجابياتها ، بخيرها وشرها ، لنتعلم ونبي من الخير ونتقي ونردع كل شر .
في مثل هذه المرحلة من الزمن يتحتم علينا الحديث عن فلسفتين ظهرتا حديثاً ، سيكولوجية الشغب و سيكولوجية الجماهير، والتي أراهما من المواضيع المهمة أكثر من أي وقت مضى ، نظرا لما حدث في ٢٠١١ و يحدث الان .
اولاً ؛ سيكولوجية الشغب: الأمر ليس مجرد عنف طائش
يبدو أن هذا الأمر قد يحدث في أي مكان وأي وقت، قد تندلع الاضطرابات فجأة في المدن المسالمة وعلى نطاق واسع وربما لفترة طويلة، لكن ما الدور الذي يلعبه علم النفس في ذلك؟ وهل يمكنه أن يفسر كيف ولماذا ومتى تتجه الجموع إلى العنف؟
لماذا تحتج الجموع ؟ هل تتصرف مثل الغوغاء الطائشين؟
تفسير علم النفس السلوك المشاغب
الأولى نظرية “الحشد المجنون” التي تقول إن الافراد يفقدون إحساسهم بذاتهم وعقلانيتهم وسط الجموع، ويفعلون أشياء لا يفعلونها عادة كأفراد.
أما الثانية فهي نظرية “العنف الجمعي” الذي ينتج من التقاء أفراد سيئين أو مجرمين لتهيئة ميولهم العنيفة الشخصية معًا في نفس المكان، أما النظرية الثالثة في مزيج من الأولى والثانية أظهرت في سردية فيلم الجوكر الشهير وهي أن “الشرير يقود المجنون”، وإن الأشرار وعديمي الضمير – وعادة ما يكونون من الغرباء أو الأعداء – يستفيدون من سذاجة المجموعة لاستخدامهم كأداة للدمار.
ما الذي يحدث حقًا؟
في الواقع، عندما يمارس الناس الشغب فإن سلوكهم الجمعي لا يكون طائشًا أبدًا، قد يكون إجراميًا لكنه متماسك ومنظم وله معنى وقصد واعٍ، ولمعالجة أسباب هذا العنف يجب أن نفهمه أولًا.
على عكس التوقعات، هناك بالفعل حدود وقيود مهمة تتعلق بـ”ما الذي يحدث” و” . تقول الأبحاث ونظريات الجماهير الحديثة إن الحدود السلوكية لأفعال الجماهير ترتبط بالطرق المهمة لقيود الهوية الاجتماعية. الأشخاص في الفوضى يتصرفون وفقًا لهوياتهم الاجتماعية المفترضة ولا يتصرفون برعونة وكأنهم يخضعون لعقل جمعي غير منطقي
لهذه الهوية الجمعية قيود مهمة على ما يحدث في أثناء الشغب وأين يحدث، في البداية، هناك قيود واضحة على المؤسسات التي تشكل هدفًا مشروعًا
العدوى السلوكية
الأشخاص في الفوضى يتصرفون وفقًا لهوياتهم الاجتماعية المفترضة ولا يتصرفون برعونة وكأنهم يخضعون لعقل جمعي غير منطقي، فعلى سبيل المثال، وصف الجموع إلقاء الحجارة على ضباط الشرطة كأنه فعل طبيعي وشائع، فقد رموا ببعض الحجارة ثم أغلق الناس الطريق وبدأ الجميع في القيام بذلك
لكن لماذا تنتشر تصرفات الأفراد العنيفة بشكل كبير وتؤثر على الآخرين وتحرضهم على الشغب؟
تقول نظريات الجماهير الكلاسيكية – مثل سردية الجوكر – إنه بمجرد التعرض لسلوك الآخرين فإن المراقبين لذلك السلوك يتصرفون مثله تمامًا، وفقًا لهذه الطريقة في التفكير فإن السلوك يتنشر من خلال عملية “عدوى” وينتقل بشكل تلقائي من شخص إلى آخر، هذا يعني أن مشاهدة الجوكر وهو يقتل أحدهم على الهواء مباشرة قد يفسر لماذا اتجه الآخرون للعنف في شوارع جوثام.
في ضوء ذلك، فإن أفعال الجوكر لم تُستلهم من المدينة الفاسدة لتوماس هوبز “Hobbesian dystopia” لكن يمكن فهمها بشكل أفضل كحركة شغب عفوية مضادة للثروة ظهرت نتيجة الظلم وعدم المساواة، ووفقًا للأبحاث المتعلقة بالشغب في فروع العلم الأخرى مثل علم النفس الاجتماعي والتاريخ وعلم الإجرام، فإن انتشار الاضطرابات اللاحقة كان بعيدًا تمامًا عن العشوائية.
ثانياً ؛ “سيكولوجية الجماهير” كما تناولها (غوستاف لوبون Gustave LEBON) ) والذي أبدع إبداعًا كبيرًا في مقاربة الموضوع من كلّ جوانبه ، وأسلط الضوء عواطف الجماهير وأخلاقيّاتها، لعلها تساعد على فهم و تحليل ما يحدث . فقد اصبح الكلّ يسعى إلى جذب الجماهير إليه، واعتبار فكره أو توجّهه هو الأصل والمعقول، وغيره هو الضّال الذي تجب إزالته من الوجود، حتى لو تطلّب ذلك اللجوء إلى العنف ،
سرعة انفعال الجماهير وخفّتها ونزقها
من الخصائص الأساسية للجماهير؛ أنّها مقوّدة من قبل اللاوعي؛ فأعمالهم، حسب غوستاف لوبون، واقعة تحت تأثير النخاع الشوكي، أكثر مما هي واقعة تحت تأثير المخّ أو العقل، ونكون هنا أمام جمهور يتحرّك وفق التحريض في القيام ببعض الأعمال، يقول لوبون: “إنّ الجمهور، يقع تحت تأثير كل المحرّضات الخارجية، يعكس والتي تكون متغيّراتها لا تتوقف،
والفرد يمكنه أن يخضع لنفس المحرّضات المثيرة، كالإنسان المنخرط في الجمهور، ولكن عقله يتدخّل ويبيّن له مساوئ الانصياع لها، وبالتالي فلا ينصاع .
الناظر في الانفعالات التحريضية، كيفما كانت، سواء نبيلة أو العكس، يدرك أنّ تأثيرها قويّ للغاية على نفوس الجماهير، فتصبح هذه الأخيرة مستعدّة للموت في سبيل ما حُرِّضت من أجله، وهنا يقول لوبون: “وبما أنّ المحرضات القادرة على تهييج الجماهير متنوّعة ومتعددة، وبما أن الجماهير تنقاد لها دائمًا؛ فإننا نجدها حيوية ومتحركة إلى أبعد حدّ؛ إذ نجدها تتحرّك في لحظة من مرحلة الضراوة الأكثر دموية، إلى مرحلة البطولة المطلقة. الجمهور يمكنه بسهولة أن يصبح جلّادًا، ولكن يمكنه بنفس السهولة أن يصبح ضحيةً وشهيدًا، فمن أعماقه سالت جداول الدم الغزيرة الضرورية لانتصار أي عقيدة، أو إيمان جديد”
لا شيء مدروس عند الجماهير، تستجيب لأنواع العاطفة، فتصبح مثل الأوراق التي تلعب بها الريح و يصعب التحكّم فيها.
وقد أشار لوبون إلى نقطة جدّ مهمة؛ وهي قوّة الجماهير، قال: ” الجمهور ليس فقط انفعاليًّا ومتقلبًا؛ وإنما هو كالإنسان الهمجي؛ لا يعبأ بأي عقبة تقف بين رغبته، وبين تحقيق هذه الرغبة، يشعر بامتلاك قوة لا تقاوم ، بحيث يمكن ان تيحول الى الة دمار و تخريب .
سرعة تأثر الجماهير وسذاجتها وتصديقها لأيّ شيء :
يرى لوبون؛ أن الجمهور في حالة مهيأة لتلقي أي اقتراح، وأي اقتراح يظهر يفرض نفسه مباشرة على كل الأذهان، فينخرط الجمهور بكل سهولة، سواء أكان هذا الفعل إيجابيًا أو سلبيًا.
يقول لوبون: “إنّ الجمهور يميل باستمرارعلى حدود اللاشعور، ويتلقى بطيبة خاطر كل الاقتراحات والأوامر لانه مليء بالمشاعر ومحروم من كل روح نقدية، وبالتالي فهو يبدي سرعة تصديق منقطعة النظير، والمستحيل غير موجود بالنسبة إليه.
هذا يجعل من الحدث البسيط يتحوّل إلى حدث آخر مشوّه، بمجرّد أن يراه الجمهور؛ لانه اصبح يفكّر عن طريق الصور، والصور المتشكّلة في ذهنه تثير بدورها سلسلة من الصور الأخرى، بدون أية علاقة منطقية مع الأولى”.
و بالتالي يصبح الجمهور إما الة بناء أو الة هدم
– عواطف الجماهير؛ تضخيمها وتبسيطها :
يقول لوبون: “العواطف التي تعبّر عنها الجماهير، سواء أكانت طيبة، أم شريرة، تتميز بطابع مزدوج، بمعنى أنها؛ مضخّمة جدًّا ومبسّطة جدًّا، فهو يقترب كثيرًا من الكائنات البدائية؛ الغير قادر على رؤية الفروقات الدقيقة بين الأشياء، وبالتالي ينظر للأمور ككتلة واحدة، ولا يعرف التدرّجات الانتقالية. العاطفة في الجمهور لها الدور الاعظم؛ فبالعاطفة يزداد يقين الجماهير.
قد يتحول الشعور البسيط بالنفور من شيء ما ، إلى حقد هائج خطير، وأخطر ما يكون هذا عند الجماهير غير المتجانسة؛ لفقدان التنظيم المؤدي الى انعدام المسؤولية وتكوين الثقة بالنفس لإحساسها بمنأى عن المحاسبة، مما يزيد همجيتها. فالخوف من العقوبة يجبر الإنسان الفرد والمسؤول على قمع عواطفه مهما كانت . وهذا يفسر السبب في استسلام الجماهير لأبشع أنواع الممارسات، وأكثرها تطرّفًا.
لذلك ينبه لوبون إلى أنه بمجرد انخراط الفرد في الجمهور، فإنّ مستواه الفكري ينخفض إلى حدّ بعيد و يصبح أسيرًا لعواطفه .
الجماهير، حسب لوبون؛ لا تعرف إلاّ العواطف، بسيطةً كانت أو متطرفةً، وبغياب التعقّل والمحاجة العقلية فالأفكار، والآراء، والعقائد إمّا أن تقبلها، أو ترفضها دفعة واحدة،
لوبون نبّه إلى مسألة في غاية الأهمية؛ وهي “نضال الجماهير” من اهداف قد لا تفهمها، ولا تعرف ان كانت في مصلحتها ام لا ، يقول: “فكم هو عدد الجماهير التي ضحت بأنفسها، بنوع من البطولة، من أجل عقائد وأفكار، لا تفهمها إلا بالكاد!