بين سطور زيارة وزير الخارجية السوري إلى السلطنة
بقلم:جمال الكندي
الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السوري ” الدكتور فيصل المقداد” ونائبه صاحب الحجة القوية في أروقة الأمم المتحدة ” بشار الجعفري ” لها دلالاتها السياسية، خاصةً وأنها تقرأ لتوقيتها السياسي الحالي، واختلاف رهانات المنطقة بين الخليجي والتركي والأمريكي، الذين كانوا في خندق واحد من أجل القضاء على الحكومة السورية الحالية.
هذا المشروع باتفاق الجميع وعلى مدار العشر سنوات الماضية من عمر الأزمة السورية فشل في تحقيق بعده السياسي والعسكري والاقتصادي ، ولكنه تسبب بشرخ كبير في البنية الاجتماعية السورية، وطبعاً كلف ومازال دماء سورية من الطرفين، وبنية تحتية مهدمة بسبب عشرية النار السورية.
قبل الدخول في ما بين سطور زيارة وزير الخارجية السوري “دكتور فيصل المقداد” لسلطنة عمان لابد لنا أن نضع نقاط مهمة تبين علاقة سلطنة عمان بسوريا خلال العشر سنوات الماضية ونوجزها في ثلاثة نقاط وهي :
1. كل الدول الخليجية تقريباً كانت مشاركة في الحرب الأهلية في سوريا سواءً عن طريق المقاتلين، أو التمويل المالي، أو الدعم الإعلامي الاستخباراتي، واقصد هنا الوقوف مع المعارضة السورية السياسية و المسلحة وعدم تبني رأي الدولة السورية، وسلطنة عمان كانت تقف محايدة ولم تقم بدعم فصيل سياسي أو عسكري على حساب الدولة السورية، وكانت تقول هذا شأن سوري داخلي ولابد حله عبر البيت العربي وعدم تدويله، وكانت أقرب إلى الحكومة السورية لكيلا يكون السيناريو السوري سابقة لأي دولة في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت ذرائع مختلفة.
2. سلطنة عمان لم تقطع علاقاتها مع الحكومة السورية وظلت سفارتها مفتوحة في دمشق، والسفارة السورية مفتوحة في سلطنة عمان.
3. سلطنة عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي زار وزير خارجيتها السابق “يوسف بن علوي ” دمشق والتقى الرئيس “بشار الأسد”. هذه النقاط الثلاثة هي التي كانت تحدد لنا بوصلة العلاقة السورية العمانية بأنها كانت ثابتة، ولم تتغير بسبب الأزمة السورية فكانت سلطنة عمان أكثر الدول العربية وطبعاً الخليجية في إيصال وجهة النظر السورية للعرب.
ندرك من خلال هذه النقاط عمق استقلال القرار السياسي العماني وعدم تأثره بما يحدث في المنطقة، والأهم من ذلك أنه لا يأخذ أوامره من أي دولة في علاقاته الخارجية، التي لا تبنى على أساس التحالفات المبنية على البعد الفكري والمذهبي في المنطقة، فهي لا تتقرب من دولة باتباع سياساتها في المنطقة على حساب البعد والقطيعة من دولة أخرى. من أجل ذلك وجدنا وزير الخارجية السوري في عمان للمرة الثانية.
هذه المعطيات التي ذكرناها هي المفتاح الذي يرشدنا لماذا عمان؟ تتصدر دائماَ ايجاد الحلول السياسية في المنطقة، والأمر بات معروفاً لدى كثير من المتابعين للسياسة الخارجية العمانية، التي عرفت بالإطفائي الذي يحاول ضمان الأمن في المنطقة، وانزال من يتسلق أعلى الشجرة ولا يعرف كيفية النزول منها، أو لا يريد النزول منها بسبب الكبرياء السياسي. هنا يأتي دور سلطنة عمان في حلحلة الأزمات السياسية والعسكرية بسبب موقعها السياسي بين فرقاء الأزمات السياسية والعسكرية في المنطقة.
اليوم الكل بات يعلم ما صنعته الدبلوماسية العمانية في تسهيل التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة الخمسة زايد واحدة خلال رئاسة “أوباما” والكل كذلك يعلم ما هو دور سلطنة عمان في الأزمة اليمنية.
لذلك وبناء على مواقف سلطنة عمان في الحياد الإيجابي لأزمات المنطقة ومنها الأزمة السورية تأتي زيارة وزير الخارجية السوري لعمان تتويجاً واعترافاً بدورها الإيجابي في شأن حل القضايا العربية، وهذه السياسة العمانية الناجحة هي إرث السلطان قابوس طيب الله ثراه للسلطان هيثم أعزه الله.
بين سطور هذه الزيارة ملف لا أحد يعلم عنه الا أصحاب الشأن، ونحن هنا نحلل فقط وليس لدينا أي معلومة. هنالك صراع بين من تآمروا على اسقاط الحكومة السورية، ويحكم هذا الصراع أبعاده السياسية والاقتصادية والفكرية، ظهرت في مناطق الصراع العربي والاقليمي، من هنا كان لابد من التفكير في ارجاع سوريا الى الحضن العربي وتقديم بعض التنازلات مع طلب بعض التنازلات كذلك من الجانب السوري ،والهدية التي يراد أن تقدم الى الدولة السورية هو عودتها إلى الجامعة العربية التي يذكر بعض المراقبين بأنها باتت ضرورية بسبب المعطيات الجديدة التي ظهرت في الساحة السورية والعربية.
السؤال المطروح اليوم هل تصحيح هذا الوضع سوف يقوي سوريا عربياً؟ وهل ارجاع سوريا للجامعة العربية سوف يبعثر الأوراق التركية في سوريا؟ . كلا الأمرين جائز، ففي حالة رجوع سوريا إلى الجامعة العربية ستتوحد الكلمة العربية تجاه ما سوف يسمونه “محتل تركي” في الشمال السوري، وتوحيد الكلمة معناه دعم مالي وإعلامي وتبقى المساومات مستمرة خاصة بوجود الحليف المهم وهو الإيراني، فثمن رجوع سوريا إلى الجماعة العربية ربما يكون بفك أو تخفيف تحالفها مع الإيراني ، واعتقد بأن هذا الأمر بعيد المنال.
هنا تأتي الدبلوماسية العمانية في تحقيق هذا الأمر، وهو رجوع سوريا إلى الحضن العربي وفق تفاهمات ترضي الجميع ، طبعاً هو تحليل ولا أحد يملك المعلومة السياسية الكاملة، ولكن الذي ندركه أن الزيارة السورية إلى سلطنة عمان في هذا الوقت تحكمها معطيات معينة يعرفها الجميع ونحن كما قلنا نملك التحليل لا المعلومة، وما علينا إلا أن نتظر ،ولكن الذي نعلمه، يقيناً أن سلطنة عمان لم تكن فقط صندوق بريد بين المتخاصمين سياسياً وعسكرياً، بل كان لها الدور في إبداء الاقتراحات الفعالة والبناء لحل مشاكل المنطقة والتاريخ يشهد لها بذلك .