أوقفوا الهدر في الشركات الحكومية
بقلم:الدكتور سالم الشكيلي
واحدة من اثنتين لا ثالث لهما ، فإمّا أنّ موظفي الشركات الحكومية وخاصة الموظفين النافذين فيها ، يؤدون أعمالًا خارقة تفوق العقل البشري الذي عهدناه ، وهم قد جاؤوا من كوكب آخر غير الأرض ، وإمّا أنّ موظفي الجهاز الإداري للدولة لا يقومون بأعمالهم كما يجب ، ولم يصلوا إلى مستوى تفكير وأداء موظفي الشركات الحكومية ، ولهذا فإنّ كبار موظفي هذه الشركات لا بد أن يمشوا على ريش النعام ، ويُعاملون معاملة خاصة من حيث الرواتب والامتيازات تتناسب مع قدراتهم والأداء العالي الذي يحققوه بدليل الكلفة والخسائر العالية التي تثبت في الحسابات الختامية لبعض الشركات الحكومية .
وبمقارنة بسيطة بين ما يتقاضاه الوزراء كمرتب رسمي ، وما يتقاضاه الرؤساء التنفيذيون في الشركات الحكومية ، نجد أنّ البون شاسع جداً ، فراتب الوزراء في تقديري الشخصي لا يتجاوز ٧ ألاف ريال عماني ، بينما رواتب الفئة الأخرى تتراوح بين ١٠ ألاف ريال عماني و٢٥ ألف ريال عماني حسب الروايات المتداولة ، هذا غير الامتيازات والمكافآت الأخرى .
وهنا يطرح السؤال نفسه ؛ هل مهام واختصاصات الرؤساء التنفيذين أكثر وأشقّ من مهام واختصاصات الوزراء ، ممّا يبرر هذه المخصصات الضخمة ليس فقط للرؤساء التنفيذين بل لسائر كبار المسؤولين في هذه الشركات المملوكة للدولة ؟ وهل مهام واختصاصات مثل وزير التربية والتعليم أو وزير الصحة أهون وأقلّ من حيث الكم والكيف والجهد من مهام واختصاصات أي رئيس تنفيذي في كبرى الشركات الحكومية ؟ . إنّ العقل والمنطق يصبّان بلا شك في مصلحة الوزيرين من هذه الزاوية .
وكما هو معلوم للكافة ، خضوع الشركات الحكومية من حيث الإشراف والتوجيه للوزير المسؤول عن الشؤون المالية ، وكان حريّاً بالوزراء الذين تعاقبوا في هذا المنصب المبادرة بموجب صلاحياتهم العمل على وقف الهدر فيها ، خصوصاً مع الظروف الاقتصادية التي نمرّ بها من وقت لآخر ، حفاظاً على المال العام من ناحية ، وترشيداً في الإنفاق الحكومي من ناحية أخرى ، إلا أنّ شيئاً من هذا لم يحدث على الإطلاق ، وكأنّ هذه الشركات تنطبق عليها مقولة لا مساس ، باعتبارها مناطق محرمة ممنوع الاقتراب منها ، بينما تقليص النفقات في الأجهزة الحكومية الخدمية أمر يستسيغه هؤلاء الوزراء ، ليبقى الأمر على ما هو عليه .
في عام ٢٠١٣م صدر جدول توحيد الدرجات والرواتب في وحدات الجهاز الإداري للدولة المدنية كافة ، وكانت تلك خطوة جبارة لأنها أنهت الفوارق بين الموظفين عامة ، الأمر الذي يحقق مبدأ المساواة والعدالة بينهم ، فلا غُبن ولا خصاصة لأحد وهذا ما قابله عموم الموظفين بالارتياح ، وكان الوقت مناسباً جدًا أن يصدر جدول ونظام مماثل للشركات المملوكة للدولة يراعي المصالح العامة ، ويوقف نزيف الهدر فيها ، لكن للأسف ظلّ الحال كما هو عليه .
إنّ الأوامر والتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ، إلى المعنيين في الحكومة والتي تهدف إلى تقليل الإنفاق في الخطة الخمسية الحالية من خلال تنفيذ حزمة من الإجراءات والتدابير المالية اللازمة ، وإعادة النظر في بعض المشاريع غير ذات الجدوى الاقتصادية ، تُمثل رؤية حكيمة وشجاعة في عملية خفض العجز في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي والاعوام القادمة ، وقد لاقت تفاعلاً شعبياً لكافة أفراد المجتمع الذي يقف خلف قيادة جلالة السلطان المعظم حفظه الله ، في كل ما يأمر به من أجل مصلحة عمان وشعبها لمواجهة التحديات الصعبة للحالة الاقتصادية الخانقة ، والتي لاشكّ ، بفضل الله أولًا ، وبالنظرة الشمولية الواعية والثاقبة لمولانا السلطان المعظم ، وبالإجراءات التي أمر بها ، وبغيرها ممّا سوف يصدر بإذن الله ، حسب تطوّر الأحداث ، سوف تتجاوز عمان كل المحن كعادتها دائمًا .
ومن منطلق تلك الأوامر السلطانية التي تتوالى في الإصدار ، فإنه ممّا لا شك فيه ، أن موضوع الشركات الحكومية تحت نظر جلالة السلطان المعظم ، ويستطيع المتابع والمدرك لإصراره وعزمه الأكيد ، بأننا سنشهد عمّا قريب حزمة من الإجراءات فيما يتعلق بهذه الشركات ، ولا أستبعد شخصياً ، من أنّ العمل جارٍ لاعداد مشروع قانون يوحد نظامها بالكامل ، فهي ليست بمنآى – كغيرها من الأمور – عن نظر سلطان البلاد المفدى وحكمته وحصافة رأيه ، والمرحلة الحالية مرحلة تصحيح كافة المسارات ووقف الهدر للمال العام في القطاعات الحكومية ، دون استثناء ؛ لأنّ عمان تستحق الأكثر في سبيل رعاية مصالحها العليا ، والتضحية من أجلها فلا وقت للمجاملات ولا مجال للمصالح الشخصية .