يمنٌ كبعوضة النمرود
رأي:وهج الخليج
هنالكَ تسريباتٌ تأتي من (جدّة) حيث الحوارُ اليمني اليمنيّ أو لنكن أكثر دقة، بين الشرعية المُفترَضة، والشرعية الأخرى التي يُرادُ فرْضُها، وهذه التسريباتُ يُزامِنُها إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن فتحها قناة حوارٍ مباشرٍ مع جماعة أنصار الله الحوثية، وقد يكون من الممكنِ أنّ أطراف التحالف يشاؤون استبدال الشرعية المتمثلة في الرئيس هادي كمرحلةٍ أولى لخلْعِهِ، لعِلْمِهم أنه متمسِّكٌ بوَحدة اليمن، وهكذا يكون الرئيس هادي حجرَ عثرةٍ في مشروع أطماع التحالف العربي.
التسريباتُ التي تأتي من “حوارِ جدة” تتحدثُ عن إطلاق حوار “بين حكومة الرئيس هادي وحكومة الإمارات” ما يوضّح شكاية الحكومة الشرعية من (تغوّل) الإمارات في اليمن بواسطة عملائها المجلس الانتقالي، بعد أنْ ذهبت بعباءة العربي الذي انتخى لإنقاذ شقيقه، والحديث عن نتائج “حوار جدة” سيأتي في وقته، كي يكون الكلامُ عن بيّنة.
الإعلان الأمريكي عن مباحثاتِ سلامٍ بين السعودية والحوثيين، وليس السعودية والحكومة الشرعية أو أي طرفٍ آخر في التحالف العربيّ، يعطي مؤشِرًا عن إمكانية عودة اليمن للإلتفاف حول نفسِه، والمُضيّ في مسار الحياة الطبيعية، وربما سقوط جزء كبير من مشروع التحالف السعودي الإماراتي بالسيطرة على اليمن والاستفادة من إمكانياته الاِقتصادية والطبيعية الهائلة، الأمر الذي يعني أنّ الإمارات ستفقد الحلقوم الذي حلِمَتْ أن تتنفس منه، وتجابِهُ به لعنة الجغرافيا التي تعيشها، وهكذا لو نجحتْ هذه المباحثات فسيعني إضافة جديدة لخسائر الإمارات تُضاف لبصماتها المُعتَرف بها في بلدانٍ عديدة من قطر وتركيا وليبيا حتى أفريقيا، ولكن ما يُميّز هذه الخسارة أنها ستكون صفراءُ فاقِعٌ لونها، وبهذه الخسارات أفسّر الضربات الجوية التي قامت بها الإمارات مؤخرًا على قوات الحكومة اليمنية الشرعية، بعد أنْ استطاعت القوات الشرعية من استعادة عدن ممن سمّتهم في بيانها (الانفصاليين) إضافة لبعض المدن اليمنية الأخرى، ثُمّ البيان الذي نُسب للرئيس اليمني هادي عبدربه منصور الذي استهدف الإمارات وأبان عن الشرخ الكبير في العلاقة بين الدولتين، ويرسمُ الجوَّ الذي أوضَحَ في تعكّرِهِ امتعاض اليمن من الإمارات، بل ارتفاع الامتعاض اليمنيّ ليكون شكوًى ضدّها أفرزَ محنةً في باطنِهِا منحة، فالعِرْقُ اليمنيُّ عِرْقٌ أصيلٌ يلتفُّ حول وطنِهِ، فسرعان ما انشقَّت وحداتٌ عسكريّةٌ كانت منضوية تحت ما يُعرف بألوية النخبة “أبين وشبوة كمثال”، والتي تدعمُها الإمارات لتكون تحت لواء الوطن اليمنيّ.
الأحداث التي تسارعت في الفترة الأخيرة في المشهد اليمني، وحالات الشد والجذب بين أطراف التحالف العربي، والحكومة الشرعية، والمفاوضات الأمريكية مع الحوثين، ترسمُ مشهدًا لم يكن متوَقّعا بهذه الدراماتيكية، كما أنّ هنالك إشارتٍ مستقبليّة أستذكرُها بالمثل العُماني (بو يأكل القرط، يبين في إهابه) وذلك بصدور تقرير الأمم المتحدة بشأن اليمن، والذي صدر يوم 3 سبتمبر، والذي دعا للوقف الفوري لجميع أعمال العنف ضد المدنيين، هذا التقرير صدر عن فريق خبراء دوليين وإقليميين، أي أنه يُفترضُ منه النزاهة، ولذلك فقد خلص إلى أنّ حكومات اليمن والإمارات والسعودية والحوثيين واللجان الشعبية استفادوا من غياب المساءلة حول انتهاكات القانون الدولي لحقوق الاِنسان، مُفصّلا مجموعة من جرائم الحرب المحتملة التي ارتُكبت في اليمن. وبالعودة إلى تاريخ تقارير الأمم المتحدة فإنني أشبِّهُها بمقبض النصلة التي تبدأ الدول الكبرى بإمساكها، وبذلك فإنّ روزنامة الأحداث قد تشير أنّ وتيرة إمساك المقبض تحرّكت، وأنّه على دول التحالف أنّ يُسلّموا اليمن كبيضة في طبقٍ من ذهبٍ، وأنْ يُعدّوا إجاباتٍ على أسئلةٍ يُشاءُ لها أنْ تكون نصلاً عليهم.