الجمال يليق بك
بقلم : غنية الشبيبية
لغتنا العربية حديقة غناء ترفل تحت ظلالها ألوان معرفية شاسعة ومتفرعة كشجرة خضراء يانعة تبهج القلوب وتريح النفوس كما أنها دقيقة لدرجة تبهر الألباب، فأي خطأ بسيط لاسيما في الحركات الإعرابية الضمة والفتحة و الكسرة يحدث فارقا كبيرا في المعنى قد يصل إلى حد النقيض.
وهنا تحضرني آية قرآنية كريمة وهي قوله تعالى :” إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ” صدق الله العظيم.. هذه الآية الكريمة تبين خشية العلماء لله عز وجل، فالعلماء تقرأ مرفوعة لأنها فاعل ولفظ الجلالة تقرأ منصوبة لأنها منصوبة على التعظيم (يتجنب اللغويون نعت الله بالمفعول به ويستعيضون عنها بكلمة منصوب على التعظيم).. لكن للأسف الشديد ثمة ثلة من الناس يستهينون بالحركات الإعرابية؛ فيقرؤون كلمة العلماء بالفتح ولفظ الجلالة بالضمة وهنا يقع اللبس الجليل، فالله جل وعلا منزه كل التنزيه أن يخشى أحدا من خلقه.
وما ذكرته آنفا ما هو إلا مثال واحد على الأخطاء اللغوية الكثيرة التي ظاهرها الاستهانة وتقليل حجم الخطأ وإدعاء بساطته و باطنها خلل كبير في المعنى تتبرأ العربية منه.
تروي لي زميلة التقيت بها في إحدى الورش التدريبية وكان اسمها شذا.. تقول : لاسمي رحلة موجعة بين أقلام كاتبي شهادات المواليد الجدد؛ فاسمي كتب بالألف المقصورة : شذى، وهذا خطأ لغوي لأن الألف اللينة هنا منقلبة عن واو؛ فيجب أن تكتب بالألف القائمة، والبعض يكتبها شذاء وهذا أيضا خطأ؛ لأنه انتحى عن معنى الكلمة وهو الرائحة العبقة، و البعض الآخر يكتبها شاذا و هذه قمة الاستهانة و الاستخفاف باللغة.
ولأهمية شهادات المواليد الجدد و اعتماد باقي الأوراق الرسمية عليها، كان لابد من وضع حلول لمثل هذه الأخطاء الفادحة في كتابة الأسماء، وقد استهواني أحد تلك الحلول وهو أن يكون كاتب هذه الأسماء متخصصا في اللغة العربية، عارفا بقواعدها وتفرعاتها؛ وذلك منعا لمثل تلك الأخطاء التي يدفع أصحابها ثمن كتابتها كتابة خاطئة طوال حياتهم ما لم يبادروا بتغييره بأنفسهم.
ودقة اللغة العربية نابعة من ثرائها وسعتها وهذا الثراء نتيجة طبيعية لعراقتها؛ إذ تعد العربية من أقدم اللغات الحية على وجه البسيطة، كما أنها قابلة للتجديد بسبب سمة الاشتقاق التي تتسم بها؛ لذا من البديهي جدا أن العربية بثقلها الفكري والتاريخي لا ترضى بالعشوائية و التخبط ومجانبة الدقة، التي دون شك تسلبها جمالها المعهود، فلغة الجمال لا يليق بها إلا الجمال.