حلفاء أمريكا في الميزان
بقلم:جمال الكندي
“أمريكا ليست مؤسسة خيرية”، مقولة نسمعها في معرض الحديث عن السياسة الأمريكية الخارجية، والتي حسب هذه الاستراتيجية تقوم على الربح والخسارة، وربما يقول القارئ وما العيب في ذلك فكل الدول تقوم على هذا المبدأ في الاصطفافات السياسية حسب المصلحة الوطنية لكل دولة وأجنداتها السياسية ، وهذا أمر مسلم به.
التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول ذات الموقع الاستراتيجي والبعد الاقتصادي، كان دائماً تحت شعار حقوق الإنسان، وحرية التعبير .
من هذا المنطلق كان التدخل العسكري في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، والقائمة حبلى بأنظمة لا تسير في الفلك الأمريكي وهي تحت الانتظار، والتهديدات الأمريكية للحكومة الفنزولية دليل ذلك.
السؤال هنا هل هذه هي الحقيقة ؟؟ الجواب يأتينا من تاريخ السياسة الأمريكية والغربية في منطقة الشرق الأوسط ، فهذه المنطقة لها أهمية خاصة للأمريكان من ناحيتين : الأولى لأنها خزان الطاقة في العالم، والثانية بسبب وجود كيان سرطاني اسمه إسرائيل، محمي من أمريكا والغرب.
أمريكا تدعي أنها القائم بأعمال حقوق الإنسان في العالم الحر، فهي تنطلق من هذه القاعدة لتغير هذا النظام وتثبيت آخر وفق الرؤية الأمريكية في قياس الأمور السياسية، فهي لا تهتم بشكل النظام سواء برلماني أو رئاسي أو ملكي، المهم أنه يخدم سياستها النفطية ولا يتعدى على أمن إسرائيل.
بالمقابل هنالك أمور تحدث ولو كانت من حلفاء أمريكا تضع الحلفاء في ميزان الحساب، وفي الجانب الآخر تكون التصريحات الأمريكية تحت المجهر بسبب أنها صادرة ضد حلفائها.
قضية اختفاء الكاتب الصحفي المعروف “جمال خاشقجي” تصدرت عناوين الصحف العربية والعالمية وتناولتها وسائل الإعلام المختلفة حسب رؤيتها لمنظور القضية ، وهنا لا أريد أن أناقش الموضوع من زاوية حدوث الأمر من عدمه ، أو أن أسرد رواية من هنا أو هناك، فالأمر متاح لمن يريد أن يتابع هل فعلاً تم اغتيال الكاتب ” جمال خاشقجي” أم لا، وإن كنت أرجو أن يكون على قيد الحياة، وهذا ما ستبينه الأيام القليلة القادمة في هذه القضية.
من هنا سأدخل في موضوع المقال ” حلفاء أمريكا في الميزان” فلو أن هذا الأمر صدر من بلد آخر غير “حلفاء أمريكا”!! لقامت الدنيا ولم تقعد، ولسمعنا مجلس الأمن يعقد جلساته بصورة طارئة، وتفرش الاتهامات -إن صح التعبير- ويتم التلويح بالتهديد العسكري، ضد الدول التي لا تسير في الفلك الأمريكي، والذاكرة السياسية لتاريخ المنطقة يسعفنا في ذلك لمن يريد أن يتذكر، ومآسي المنطقة كلها بسبب الجانب الإنساني بالمنظور الأمريكي، ويتم تغيير الأنظمة بأسباب واهية، ولكنها في العين الأمريكية تستحق المجازفة.
قضية ” جمال خاشقجي ” تحرج أمريكا لأنها إن صحت، تظهر توحشا كبيرا في قمع الحريات، والتي تدعي أمريكا أنها جاءت لحمايتها، فالميزان الأمريكي سيقف حائراً بين ضغط الداخل الأمريكي من برلمانيين وحقوقيين وغيرهم، وبين المصالح الاستراتيجية في تحالفاتها التاريخية مع حلفائها في المنطقة، فمهما صدر منهم من تجاوزات لحقوق الإنسان والحريات فهي في الميزان الأمريكي يحسب بحساب الربح والخسارة .
قضية الكاتب “جمال خاشقجي ” ربما تغير من هذا التوجه الذي رأيناه في تعاطي أمريكا مع حلفائها في بلدان الشرق الأوسط ، ولكن التغير لا يكون جذريا يهدم تحالفا تاريخيا قائما منذ عقود، ولكنه سيكون وسط ضغط جماعات حقوق الإنسان في الداخل الأمريكي والخارج عملية ذر الرماد في العيون ،فالخط الأحمر لا تملكه إلا إسرائيل فقط فهي التي في السياسة الأمريكية التي لا تحاسب مهما بدر منها.
قضية “جمال خاشقجي ” ربما تفتح في العقل الاستراتيجي الأمريكي مفهوم “التغير التكتيكي في قواعد اللعبة الديمقراطية”، فهي مطالبة من العالم الحر بعدم السكوت في حالة ثبوت حادثة قتل هذا الصحفي، لاسيما بالطريقة الوحشية التي تناولتها وسائل الأعلام التركية والأمريكية.
التغير الأمريكي إن ظهر لا يكون في تغيير الحلفاء أو مقاضاتهم في مجلس الأمن كما يفعل لبعض الدول الكبرى والصغرى في العالم ، ولكن هنالك سيناريو أمريكي في تغير واجهت الشخصية المحسوبة على الإدارة الأمريكية في المنطقة، وتدور في فلكها ، فمن أجل الحفاظ على سمعة أمريكا كونها شرطي العالم تبدل الشخصيات بأخرى لها نفس الولاء للعم سام ،وهذا نسميه التغير من أجل حفظ ماء الوجه.
هذا النموذج رأيناه في موجة الربيع العربي، فمن أجل أن تظهر أمريكا بأنها تقف مع الشعوب تم استبدال مبارك بمرسي وبن علي بالمرزوقي، وبذلك سمحت أمريكا بنظام (الإسلام السياسي) بشرط عدم خروجه من الدائرة الأمريكية، وعدم تبني عداء إسرائيل كما يفعل النظام السوري والإيراني.
القادم من الأيام ستظهر لنا مدى ديناميكية السياسة الأمريكية ، وقابليتها في تغير واجهاتها السياسية في المنطقة ، وربما تكون قضية الكاتب “جمال خاشقجي” بابا أمريكيا آخر لعملية ابتزاز حلفائها، خاصة بوجود رئيس أمريكي له عين تجارية في قياس الأمور ، وتبقى قضية حقوق الإنسان، وتبني الحريات الإعلامية والسياسية والمحافظة عليها مدخل أمريكي مكشوف للتدخل في شؤون الدول التي تغرد خارج السرب الأمريكي ، وكذلك مع حلفائها إن دعت الحاجة الدولية ولكن بصيغة تعلمها أمريكا وتتقنها والربيع العربي شاهد على ذلك .