أول من شخّصه طبيب فرعوني.. سيرة ذاتية لمرض السرطان
وهج الخليج_ مسقط
كثرت في العام الحالي، خاصة في الأيام الأخيرة، الأخبار التي تتعلق بمرض أشخاص معروفين أو غير معروفين، وإصابتهم بمرض السرطان، منهم من شفي ومنهم من سار في رحلة العلاج. إلا أن العام الجاري نفسه، شهد ترجمة جديدة لأحد أهم وأمتع الكتب التي تتطرق لموضوع مرض السرطان، وهو كتاب (إمبراطور المآسي) لمؤلفه الأميركي من أصل هندي، سيد هارتا موكرجي.
والكتاب الذي كان أصل صدوره عام 2010، وصنّف من بين أكثر الكتب تأثيراً في آخر 100 عام، هو سيرة لمرض السرطان، كما أشار مؤلفه الذي هو طبيب عامل في علاج هذا المرض، مثلما أن مترجم الكتاب، السوري أيهم أحمد، طبيبٌ هو الآخر.
ورغم جميع الأوصاف المرعبة التي أطلقها المؤلف على السرطان ومنها “امبراطور جميع الأمراض” التي أصبحت عنواناً أصليا لكتابه، وعبارة “ملك الرعب”، وعلى الرغم من إقراره أن كتابه “سيرة ذاتية بكل ما لهذه الكلمة من معنى” إلا أنه يفتح باب الأمل والحياة أمام المصابين، معلناً أن كتابه ليس مجرد سردٍ، بل لإثارة هذا السؤال: “هل الخلاص من السرطان أمرٌ ممكن التصور في المستقبل؟ هل نستطيع أن نستأصل هذا المرض من أجسامنا ومجتمعاتنا إلى الأبد؟”.
طبيب فرعوني أول من شخّص سرطان الثدي
الكتاب حصيلة خبرات مؤلفه المهنية، كطبيب ممارس معالج للسرطان، وفي الوقت نفسه، تجميع تاريخي لأصل المرض وأول ظهور مدوّن له. ولهذا، تحدث المؤلف عن السرطان، تماماً، كما أعلن بكتابة سيرة ذاتية له، فيقول: “أين ولد؟ كم يبلغ من العمر؟ من كان أول من سجّله كمرض؟”.
ويؤكد موكرجي أن أول من شخص السرطان، كمرض، هو الطبيب الفرعوني “إمحوتب”، من خلال مخطوط يعود إلى العام 2500 قبل الميلاد، معلناً “الظهور الأول للسرطان كمرض متميّز” على يدي “هذا الجرّاح القديم” الذي قدّم أول تشخيص لسرطان الثدي على بردية فرعونية قائلاً: “إذا صادفتك حالة فيها كتل بارزة، منتشرة في الثدي، وكانت باردة، ودون تحببات، ولا تحتوي سوائل، ولا ينزّ منها سائل، فيجب أن تقول عنها: هذه حالة كتل بارزة ينبغي علي أن أواجهها وأتغلب عليها.. الكتل البارزة في الثدي تعني وجود تورّمات كبيرة”. منتيهاً بالقول عن هذا التورّم: “لا يوجد علاج!”.
ملكة فارسية تأمر عبدها أن يستأصل ثديها
ويشير المؤلف إلى أن العام 500 قبل الميلاد، شهد تسجيل الظهور الثاني للسرطان، من خلال الملكة الفارسية (أتوسا) التي أصيبت بسرطان الثدي، وعانت منه طويلا، فطلبت من عبد لديها يدعى (ديموسيدس)، أن يستأصل ثديها المصاب، بمدية، وفعل! ثم اختفت تفاصيلها من تاريخ اليوناني “هيرودوس” ناقل الحادثة، إلا أن المؤلف رجّح شفاء الملكة شفاء تاما من مرضها، كونها قامت بحملات عسكرية واسعة بعد تاريخ إصابتها واستئصال ثديها.
وكان العام 400 قبل الميلاد، هو العام الذي قام فيه الطبيب اليوناني الأشهر، أبقراط، بإطلاق اسم (كاركينوس) على الورم الذي أصاب الملكة الفارسية، مانحاً “إياه، اسماً سيلتصق به حتى الآن”. وشهد عام 168، بعد الميلاد، فرضية أن للسرطان سبباً كلّياً، على يد (كلاوديوس غالين). ثم بعد ألف سنة، بحسب المؤلف، وبتاريخ 1778، للميلاد، وفي عيادة الدكتور جون هانتر، في لندن، تم إطلاق تصنيف “سرطان ثدي موضعي مبكر”. وبمجيء عام 1890، للميلاد، أجري استئصالٌ جذري للثدي، شمل استئصال العضلات الصدرية العميقة والعقد اللمفاوية تحت الإبط. أما أوائل القرن العشرين، فقد حاول أطباء، القضاء على الورم في شكل موضعي، باستخدام أشعة إكس.
سيد هارتا موكرجي
سيرة علاج السرطان
معرفاً السرطان بأنه “مرض بسبب تكاثر غير منضبط لخلية مفردة، يتم إطلاقه عبر طفرات وتبدلات في الـ DNA تؤثر بشكل خاص في الجينات التي تحثّ الخلية على التكاثر غير المحدود” يوضح المؤلف سيرة العلاجات البدائية القديمة لهذا المرض، ومنها تحايلي مخادع، إلى العلاجات الأكثر انضباطاً، على المستوى العلمي، بالمزج بين العلاج الجراحي، والكيمياوي، على يد العالم سيدني فاربر، والذي يسميه “أبو المعالجة الكيمياوية الحديثة” خاصة عام 1947 عندما استعمل “مضادات” تحبط تكاثر الخلايا السرطانية، وحقن بها بعض المرضى الذين شهد بعضهم تحسناً ملحوظاً.
ومن أنواع السرطان، اللوكيميا، سمّاه طبيب أسكتلندي يدعى جون بينيت، باسم “تقيّح الدم”. ثم جاء بعده باحث ألماني هو رودولف فيرشو، وأطلق عليه اسم “الدم الأبيض” إلا أنه عام 1847، أطلق عليه اسم اللوكيميا المشتق من جذر يوناني يعني الأبيض. ويؤكد المؤلف أن جميع أنواع السرطان، بدون استثناء، جميعها “مرتبطة ببعضها بعضا، على المستوى الخلوي من خلال خاصية مشتركة: انقسام خلوي مَرَضي غير منضبط”.
أسباب ولادة إمبراطور الرعب!
على الرغم من القاعدة العامة لوصف السرطان، بأنه “تكاثر غير منضبط للخلايا”، إلا أن السيرة الذاتية للعلاج منه، والمتنقلة من الجراحي إلى الكيمياوي والشعاعي، فرضت على الباحثين، ومنهم المؤلف، البحث في أصل هذا التكاثر العشوائي غير المنضبط للخلية السرطانية، أو ما تسمى “الطفرة”. وينقل أن الـ RSV هو اسم أول فيروس مسبب للسرطان، عام 1910، على يد العالم أبينون روس. ثم في عام 1958 اكتشف جراح إيرلندي هو دينيس بوركت، نوعاً من الفيروسات، أطلق عليه اسم (فيروس إبشتاين) باعتباره فيروس سرطان بشرياً، وبهذا يمكن للسرطان أن يكون مرضاً تتسبب به عدوى.
جِين بدائي ورَمي يتسبب بالسرطان
يعتبر مؤلف الكتاب، إضافة إلى عمله طبيباً وباحثاً، واحداً من العاملين العالميين في الهندسة الوراثية، وواحداً من المتخصصين بما يعرف بجينات السرطان وصدر له كتاب بعنوان (الجِين، تاريخ حميمم). وقد منحه هذا التخصص، المقدرة والجرأة على مناقشة ونقد من سبقه من علماء كبار كان قد اقتبس منهم في كتابه المذكور.
غلاف الكتاب
ويصب انتقاد موكرجي، على نقطة حاسمة في علاج مرض السرطان، برأيه، وهو عجز من سبقوه عن إدراك أن سبب الاضطراب الحقيقي الذي تصاب به الخلية السرطانية، بتكاثرها غير المنضبط، يكمن داخل الخلية السرطانية ذاتها، لا حولها. من هنا فيقول بـ”الجين الورَمي البدائي” ويسير بالمزج بين العوامل المسرطنة والمطفِّرات الجينية. مؤكداً في هذا الباب، وجود “جينات ورَمية بدائية داخلية أخرى متناثرة في الجينوم الخلوي البشري”، وأن السرطان ليس جينياً في منشئه فقط، بل في كليته، وبأن الجينات “الشاذة” تتحكم في جميع مظاهره السلوكية، محددا حركتها على الشكل التالي: “تيارات من الإشارات الشاذة الناشئة من جينات طافرة، تنتشر داخل الخلية السرطانية، لتعزز بقاءها، وتسرّع نموها، وتمكنها من الحركة”.
ويذكر أن ما بين عامي 1980 و1990 تم اكتشاف أعداد كبيرة من الجينات السرطانية، بلغ عددها في ذلك الوقت، 100 جين، بحسب الكتاب. وشكك علماء بالأصل الجيني المسبب للسرطان، فقالوا: إذا كان الجسم البشري مليئا بكل هذه الجينات الورَمية، فلماذا لا تنفجر في كل دقيقة داخل الجسم البشري؟ ينقل المؤلف تشكيكهم السالف ويرد: “الجينات الورَمية البدائية تحتاج تفعيلاً بطفرات لكي تنتج السرطان، والطفرات حوادث نادرة”.
هذا هو مستقبل القضاء على إمبراطور الرعب
هناك ثلاثة اتجاهات ينبغي على طب السرطان، أن يسلكها، مستقبلاً، برأي موكرجي. الأول، هو في تحديد “الطفرات السائقة (القائدة) الأساسية في أي سرطان”. الثاني، هو الاتجاه نحو طب السرطان الوقائي، على اعتبار أن هناك عوامل مسرطنة هامة يمكن الوقاية منها. أما الاتجاه الثالث، ويعتبره الأكثر تعقيداً، فهو محاولة تجميع ما وصلت إليه معرفتنا عن الجينات ومسارات إشاراتها الشاذة، لتفسير سلوك السرطان ككل. بحسب مؤلف الكتاب الذي يقع في 584 صفحة، وصدر عن دار “التنوير” في العاصمة اللبنانية، بيروت، عام 2018.