معركة الحديدة والمعادلة العسكرية والسياسية الجديدة
بقلم:جمال الكندي
دخلت حرب اليمن منعطفاً جديداَ، بعد جمود عسكري في جبهات القتال المختلفة، كانت سماتها الواضحة الكر والفر وربح جبهة هنا وخسران أخرى ، وهذا يشمل قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، والجيش اليمني واللجان الشعبية.
فلا يوجد نصر استراتيجي للتحالف السعودي منذ خروج الجيش اليمني واللجان الشعبية من مناطق الجنوب اليمني، بل العكس فقت فتحت جبهات أخرى خارج الجغرافية اليمنية تأرق قادة عاصفة الحزم وهي: جبهة نجران، وعسير، وجيزان في الجنوب السعودي، وهي خاصرة رخوة استغلها الجيش اليمني واللجان الشعبية كورقة ضغط على السعودية.
بعد دخول الأزمة اليمنية وحربها السنة الرابعة وزيادة التكلفة المالية والبشرية على التحالف العربي، وبروز خلافات في عمق هذا التحالف سواءً في الجنوب اليمني أو من خلال مشهد الانسحابات في جسم هذا التحالف، جاء قرار معركة الحديدة كورقة أخيرة للتحالف السعودي لكسب معركة اليمن من بوابة الحديدة . لماذا الحديدة؟ لأنها المنفذ البحري الوحيد لعبور المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية للشعب اليمني، وما تحذيرات الأمم المتحدة من فتح جبهة الحديدة ودخولها في أتون معارك اليمن، إلا لأهميتها من الناحية الاقتصادية والإنسانية .
بعض المراقبين لهذه الحرب يذكرون أن التحالف السعودي يريد من هذه المعركة خنق الطرف الآخر ومحاصرته اقتصادياً، وأقصد هنا حكومة صنعاء المتمثلة بالحوثيين وأنصارهم، والتحالف يعلل فتح معركة الحديدة بوقف تهريب السلاح عن طريق مينائها وهذه ما تنفيه حكومة صنعاء.
معركة الحديدة يراد لها أن تأسس لواقع جديد في اليمن يستطيع من خلالها التحالف السعودي كسب ما خسره في سنيين صراعه في اليمن، خاصةً بعد انفراط عقد هذا التحالف، ولم يبق منه إلا من يسير بالمال، ومن عنده مطامع واضحةً في اليمن ونسيان القضية الأساسية التي بني عليها هذا التحالف وهي إرجاع شرعية الرئيس منصور هادي إلى الحكم، والذي أصبح وبرأي كثير من المراقبين حبيس الكلمة والقرارات، ولا يتحرك وينطق إلا عندما يطلب منه.
جاءت معركة الحديدة لتأسس لخارطة سياسية وعسكرية جديدة في اليمن، وعلى ضوء نتائجها سيتبلور المشهد السياسي اليمني الجديد الذي به سنعرف الخطوط العريضة لكل أطراف النزاع في الجغرافية اليمنية.
والسؤال هنا هل استفاد التحالف السعودي من هذه المعركة وهل ستوظف نتائجها سياسياً لإنهاء حرب اليمن؟ . من هنا لابد أن ندخل في المعطيات العسكرية لمعركة الحديدة وهل كانت كما تشتهي سفن التحالف السعودي أو كانت رياح الحديدة عاتية كما هي الجبهات اليمنية الآخرى .
إعلامياَ، وأقصد هنا إعلام التحالف العربي أظهر لنا أن الحديدة سقطت قبل أسبوع أو أكثر، أو بقي منها مساحات يسيرة جداً خارج سيطرة التحالف، والمطار خارج سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية، والميناء قارب على السقوط الذي بالسيطرة عليه ستتكون هنالك معادلة إقتصادية وسياسية وعسكرية جديدة في اليمن تغير من المراوحة السياسي والعسكري منذ بداية عاصفة الحزم .
هذه المعطيات الإعلامية هل هي صحيحة ؟ الملاحظ أن الآلة الإعلامية للتحالف السعودي قويةُ جداً، وتحاول التأثير على الرأي العام، وعلى أبناء الحديدة، فهي تحقق انجازات في الفضاء الإعلامي الافتراضي قبل الواقع الميداني، وقد لاحظنا أن مشهداً واحداً بالصوت والصورة والتاريخ داخل مطار الحديدة يظهر مقاتلي الجيش اليمني واللجان الشعبية يدحض ساعات طويلة من البث المباشر للسيطرة على المطار وغيره من الأماكن الحساسة في الحديدة. هذا يسوقنا إلى الدور الإعلامي في التسويق للنصر من خلال خلق انتصارات وهمية تأثر على الميدان العسكري وتسرع من الحسم في الحديدة، وهذا ما أبطله الإعلام الآخر بأدوات بدائية، ولكنها تحاكي الواقع الميداني الحقيقي من قلب الحدث.
المطار وميناء الحديدة هما الموقعان اللذان لهما رمزية الانتصار في معركة الحديدة بالنسبة للتحالف السعودي، ومن خلالهما ترسم المعادلة الجديدة التي يراد منها إنهاء حرب اليمن فهل تحقق ذلك ؟؟. بالمقابل نرى الإعلام الآخر والذي لا يقارن بإعلام التحالف السعودي يبث صور استهداف مدرعات التحالف السعودي كل يوم، وصور القتلى، فنحن هنا أمام معركة إعلامية تحاول التأثير على سير المعارك الحربية لصالح هذه الجماعة وتلك، ومهما كان حجم التغطية الإعلامية والحرفية فيه؛ فهي لا تقدر أن تجابه وسائل إعلامية بدائية ولكنها تنقل الواقع الميداني كما هو وتثبت ما تنقله بالصور وهذا ما يغير في المعادلة الإعلامية في كسب المعركة.
معركة الحديدة أنقشع غبارها، وأصبحت من ضمن الجبهات التي تستنزف فيها الموارد البشرية والعسكرية مثلها مثل باقي جبهات القتال في الجغرافية اليمنية، والتي عنوانها البارز المراوحة المكانية وعدم تحقيق نصر استراتيجي كبير يغير من واقع المعركة، والمراد من معركة الحديدة أن تكسرهذا الروتين العسكري القائم منذ أكثر من ثلاث سنوات.
إن الدروس المستفادة من معركة الحديدة والتي تأسس لمعادلة سياسية وعسكرية جديدة في اليمن هي : أن عدم استطاعة التحالف السعودي بعد شهر من المواجهة العسكرية مع الجيش اليمني واللجان الشعبية (الحوثيين)، من بسط السيطرة الكاملة على الحديدة وهي أرض منبسطة وساحلية !! فكيف لها أن تبسط سيطرتها على باقي جبهات القتال في اليمن، التي تتميز جغرافيتها بالتضاريس الطبيعية الصعبة التي تعطي المدافع سهولة الدفاع والحركة.
الحديدة أصبحت ساحةً أخرى من ساحات الاستنزاف العسكري والمالي للتحالف السعودي، ومن يدعم هذا التحالف من الغرب يدرك ذلك ويعلمه جيداً .
المعادلة الجديدة التي فرضتها معركة الحديدة عسكرية هي -إذا لم تنجحوا في السيطرة على الحديدة ذات الطبيعة الساحلية السهلة فكيف ستحررون صنعاء وجوارها ذات الطبيعة الجبلية الصعبة- ؟ أما سياسياً فلابد من العودة لخيار التفاوض على قاعدة (لا غالب ولا مغلوب) وأن مصلحة اليمن هي الأولوية الأولى والأخيرة أو العودة للاستنزاف البشري والمالي .
المعادلة الجديدة هذه خيوطها بعد معركة الحديدة، ونحن نعلم أن خيار الحرب والسلم لدى التحالف السعودي مرتبط بملفات إقليمية ودولية أخرى، نرجو أن تكون نتائج معركة الحديدة أنضجت هذه الحلول، ونرى فرقاء الأزمة اليمنية على طاولة التفاوض مرة أخرى لحقن دماء اليمنيين، والتي يكفي ما سال منها على مدار السنوات الأربع لهذه الحرب، نرجو ذلك في العاجل القريب،وأن يكون الحل من البوابة العمانية التي يشهد الجميع بأنها بوابة السلام والخير في المنطقة.