أ لم يأنِ للذين آمنوا أن تتوحَّدوا قلباً و قالباً ؟
بقلم: محمد ذيشان أحمد
أستاذ الفقه و اللغة العربية بالهند
من المعلوم الذي لا يخفىٰ أنّ الأمّة الإسلاميّة لا تزال تُبتلىٰ ببلايا و مصائب ليست تحصيهن أعدادُ ، و تتعرّض لِفتَن كقِطع الليل المُظلم، تسعى لتغتالها اغتيالاً ، و تُسفك دماء أبنائها بلا كرامة، و تَشهد الأمّة أحداثاً تصُكُّ المسامع ، و تخلع القلوب، و ترى أهلها سكارىٰ و ما هم بسُكارىٰ و لكنهّ هول الخطوب و فزَع الكروب ، فكل هذه الأحداث وغيرها أوحت إلى الناس عامة : عدم الاستبشار بعودة مجد وعزة الحق وأهله من جديد، وخُيِّل إليهم أنّ الظلم في إقبال، وأن الحرية والعدل في إدبار.
وأكبر دليل على ما سبقَ، هو أنّ التأريخ – على مرّ العصور و عبر الدهور – لا يمكن أن ينسى مآساة بورما ، و كارثة أراكان، و دمار أفغانستان ، وخراب عراق، وإبادة سوريا، و فاجعة كشمير ، و أزمة خليجية عربية حاليّة .
ولم تكد الأمّة استطاعت إيجاد الحلّ المناسب للأزمة المذكورة، حتى جاء قرار الرئيس الخسيس الأمريكي الحالي باعتبار ” القدس ” عاصمة إسرائيل ، كان قراراً أقام العالَم وأقعدَه خلال لحظات و ثوانٍ، وكان هذا القرار بمثابة ضربة قاسية ، و صفعة شديدة على وجه قادة العرب خاصة و المسلمين عامّة ، ولكنّه ربما لم يُحرّك ساكناً لدى الذين باعوا ضمائرهم بدراهم معدودة، و آثروا الفانية على الباقية .
على كلّ ، نحن – معاشر الجيل المسلم الحاضر شيوخاً و شبّاناً، ذكوراً و إناثاً ، عرباً و عجماً – لا نكاد نخرج من مأزق حتى نتورط في آخر، فنتسآءل حول زحام هذه الأحداث و تعاقبها ” ما سبب ضياع أمتنا الإسلامية ” ؟
بعد تأمّل دقيق ، و تفكُّر عميق، في أسباب ضياع الأمّة حول أنحاء العالم و أرجائه نصل إلى نتيجة ” فقدان الاتحاد ” بين المسلمين .
و علّ سببا محورياّ يعود لهذا الضياع وهو : ” فقدان الاتحاد “، نعم ، عدم الاتفاق ، و فقدان الاتحاد ، فيما بين المسلمين، هي السبب الرئيس الذي يعترف به كلّ لبيب ، وراء انحطاط الملسمين في أنحاء العالم .
و تلك هي التجربة التي وصل إليها الشيخ محمود الحسن الديوبندي – عليه رحمات الله تترى – المعروف بـ “شيخ الهند “بعد إطلاق سراحه من زنزانة “مالطا “حيثُ كان مسجوناً فيها حوالي ثلاث سنين و شهرين في قضية وضع الخطة المحكّمة لتحرير الهند من مخالب الاستعمار الانجليزي .
حيث قال – رحمه الله – في كلمته بعد فكّ أسره : إنّ سبب انحطاط المسلمين شيئان :
( ١) فقدان الاتحاد ( ٢) و هجران القرآن .
الاتحاد و ما أدراك ما الاتحاد؟ ، هي قوة يُصبح الضعيف بها قوياً و يملك العالَم ، و بالعكس يكون القوي بدونه ضعيفاً، و تذهب ريحه ، و هذه حقيقة لا يستطيع إنكارها كائناً من كان ، و يعترف بها كلّ مجتمع، و دولة ، على هذه الكرة الأرضية .
و لا شكَّ أنّ كل إنسان لا بدّ له من المرور بأوقات صعبة ، ولكن العبرة تكمن في اجتيازها والتعلم من دروسها والخروج بأقل خسارة منها .
وعندما لم تعُدْ المشكلة مخفية، و الحلّ بات واضحاً للغاية، إذاً لِمَ التأخيـر ؟ في التطبيق ؟
و بعد كلّ ماآل إليه حال الأمّة مِن هوان و خذلان ، و شاعت حالة عامّة من اليأس لدى الناس، في كل بقعة من بقاع الأرض، و يتجرّأ الخسيس و الدّيوث بحكم قبلة المسلمين عاصمةً لإسرائيل أشدّ الناس عدواةً للمؤمنين ، و يتحدّى الذين آمنوا على الملأ ، فلو لم يتّحد الجماهير المسلمة و العربية بصفة خاصة، و لم يستيقظ من سبات الغفلة أو التغافل العميق الآن لَهانَ علينا ضياع ” الحرمين الشريفين ” – حماهما الله العزيز – ، و حتى لا نكون فيمن قال عنهم أبو الطيب المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه **
ما لجرحٍ بميت إيلام
و كما قد حذّر الرئيس التركي ذي القلب المؤمن – نحسبه كذالك و الله حسيبه – رجب طيب أردوغان، من أنه ” إذا فقدنا القدس، فلن نتمكن من حماية المدينة المنورة، وإذا فقدنا المدينة، فلن نستطيع حماية مكة، وإذا سقطت مكة، سنفقد الكعبة “.
و لا غروَ أنّ هناك أسبابا أُخَر لهذا الضياع و الهوان من التدني في أخلاق المسلمين،و التردي في سلوكياتهم، واتباعهم هوى النفس ، و إيثارهم الفانية على الباقية ، و بُعدهم عن الله عزّ و جلّ و غيرها مما تؤدي إلى سقوط المسلمين و انحطاطهم .
رجوع أبناء الشهادتين غنيّهم قبل فقيرهم ، أميرهم قبل رعيتهم، و خاصّتهم قبل عامتهم إلى العمل بكتاب الله و سنة نبيه و اتحاد فيما بينهم ، و إيثارهم الفانية على الباقية ، ذاك هو أملٌ وحيدٌ يلوح لانتصارهم، و مشعل نورٍ يبدد دياجير الظلم، و يُعيد لهم مكانتهم .
شكرا الشيخ محمد
كل ماذكرت ف المقال امر ينبغي ان يسعي كل شخص ينتمي امة محمد صلي الله عليه وسلم
سواء كانو عجم ام عرب وهي مسالة الاتحاد المسلمين في مشارق الارض ومغاربها