هل تعدل أم تساوي ؟
بقلم : محمد ذيشان أحمد
أستاذ الفقه و اللغة العربية في الهند
مِن الناس مَن يقصر إدراكه عن بعض المفردات الأساسيّة لأعماله و أشغاله في حياته ؛ فيخطئ من حيث لايدري في اتخاذ القرارات ، و في التعامل مع الآخرين ، و يؤدي هذا في معظم الأحيان ، إلى خسرانٍ ، لا يكون في الحُسبان ، و الحال أنّه يسعى سعياً ، وراء نجاح يذكره كلّ لسان، و يكدّ كدًّا لفلاحٍ يعجز عن وصفه البيان.
و لستُ بصدد لسَرْد كلِّها أو جُلِّها ، إنما أقصد لفتَ الانتباه نحو المُفردَين تعمّ بهما البلوى في حياة الأكثر من سادة الأمراء و الحكماء و المدراء و الوزراء و الآباء و الأساتذة، وبالأحرىٰ كلّ من بيده زمام الأمور ، و المفردان هما ” العدل ” و ” المساواة ” .
؛ فما مِن مسؤول أو مُشرِف أو مدير إلّا و هو يحتاج لتأدية الحقوق و توزيعها بين مَن يعمل أو يعيش تحت مسؤوليته و إشرافه و إدارته ، فإنه إن لم يدرك مفهوم المفردين ” العدل و المساواة ” حقّ الإدراك يخشى عليه ارتكاب الظلم، و يليه تفويت أصحاب القدرات القيّمة ، و لم يحصل هذا إلّا بصُنع نفسه، فسَعيه لا يُثمر، و تذهب جهوده سُدى، و لا تجدي نفعاً .
والآن يَحسُن بنا أن نُلِمّ إلماماً بالمفهوم المعروف في العُرف للمفردين ؛ حتى أكون من يضع الداء و الدواء ، و يخبر عن مكامن المُشكلة و يُوضِّح مواضع الحلّ.
أمّا ” العدل “هو إعطاء كل ذي حقٍّ حقّه الذي يستحقه و يستأهله – لمواهبه و قدراته – بِغَضِّ النظر عن القليل والكثير أو الأقلّ و الأكثر، فمُجمل القول : هو من باب ” إنزال الشيء منزلته ” ، و هو “الميزان ” الذي تستقيم به شؤون الحياة ، إن صحّ التعبير.
و ” المساواة “- بمعناه السلبي و هو مرادي – هي التساوي بين الشريكَيْن في إعطاء الحقوق،على أساس الشركة فحسبُ ، بصَرْف النظر عن تساوي أهليّة كل واحدٍ منهما في شيء محدَّد سواءً بسواء ، أو يكون بينهما بَونٌ شاسعٌ في الكفاءآت و القدرات و الأعمال .
تُوجد هناك صنوفٌ من الأمثلة ، و ضروبٌ من الشواهد يقتنع القارئ الواعي و المثقف المُدرك من خلالها بما سبق ، و لكن هٰهنا يضيق المقام بها ذرعاً ؛ فأذكر منها فرعاً.
هَبْ أنّ هناك أباً له ثلاثة أبناء متفاوتوا العمر، يَشبع كبيرهم بتناول خمسة أخبزة، و أوسطهم بثلاثة أخبزة، و أصغرهم بخبزٍ واحدٍ ، فالعدل يقتضي أن يوفّر لهم أبوهم ما يُشبعهم من الأخبزة باختلاف عدد فيما بينهم ، و التساوي : يستدعي توزيع الأخبزة بينهم بِعدد مماثل ، وإن لم يَشْبع به الأكبر ، و إن لم يكَد الأصغر يُسيغه .
و إليك مثالا آخر: رجلٌ يدير شركةً ما، يشتغل فيها عددٌ من الموظفين تتباين كفاءاتهم و مؤهلاتهم، و تختلف أعمالهم ، فالعدل: أن يكون الراتب مختلفاً اختلافَ الكفاءات و أن تكون التسهيلات متفاوتة تفاوتَ المؤهلات ، و المساواة : أن يكونوا كأسنان المُشط في الرواتب و التسهيلات و في غيرها .
واقع الأمّة عرباً و عجماً، شرقاً و غرباً، حافلٌ بما سبق من الأمثلة و الأحداث ، كما نشاهد ذالك و نسمع و نقرأ في حياتنا اليومية .
فهناك مدارس عديدة يعمل تحت إشرافها أساتذة ذوي الكفاءات العالية، و أساتذة ذوي القدرات العادية ، و مكاتب متنوعة يشتغل فيها موظفون أصحاب القدرات القيّمة ، و موظفون من دونهم في التجربة و الكفاءة ،رغم ذاك ؛ عبثاً يحاول المُشرفون – المحترمون – إقامةَ المساواة المذكورة فيما بينهم إرضاءً للكل، فهيهات هيهات لِما يحاولون؛ وذٰلك لأنّه لو حصل أقصى ما يريدون ، فلا غروَ أنَّهم يخسرون المَوهوبين، و ذوي القدرات العالية من موظفيهم -و ما أقلّهم في كل مجال – فيُضرّون غيرهم و يتضررون.
و أيضاً كما نرىٰ رأيَ العين تعاملَ بعض الأساتذة مع طلابهم جميعاً في العِقاب والمؤاخذة يكون سواء بسواء ، إذا ارتكبوا خطأً ، مِن عدم كتابة الواجبات، أو التأخير عن المواعيد ، أو الغياب عن الحصّة ، على الرغم من فرق بيِّن بينَ من يتأخر دون عذر، و من يتأخر بعذر ، و من اعتاد الغياب ، و من اضطر إليه اضطراراً، و قِس على هذا.
و لو اختلف الطلاب في الأسباب و جعلناهم متساوين في النتائج ، لكان هذا ظلماً على اسم المساواة ؛ فلا تتعجبْ بعده على فقدان المواهب ، و ضياع القدرات ، و خسران المهارات، و يكون هذا على حساب الأمة لا غير، كما دلّت التجارب ، و أثبتت الحوادث عبر العصور ، و على مرّ الدهور .
و لا يُخفىٰ أنّ المساواة في بعض صورها، و أشكالها تكون عينَ ” العدل ” كـ مساواة الرجل في القَسْم بين زوجاته عدلٌ ، و التسوية في توزيع الهدايا على الأولاد عدلٌ، و تقسيم الرجل ممتلكاته في حياته من الأموال و العقارات بين الأولاد و البنات سواء بسواء عدلٌ فلا إشكال.
خلاصة الكلام و سُلالة المرام – أيها القاري الكريم – أن تتعامل مع الآخرين واضعاً الفرق بين مفهوم ” العدل ” و المساواة ” نُصب عينيك، و احرص دوماً كلَّ الحرص أن تكون عادلاً رابحاً ، و ألا تكون ظالماً خاسراً ، و لا طاغياً فاقداً .