إذا تداينتم بدين فاكتبوه
بقلم: المحامية ميمونة السليمانية
بدأ ببث شكواه وهمومه القانونية بابداء الصدمة من شخص وثق به وأسئلة مسيطرة على ذهنه من قبيل ” كيف يرضى على نفسه أن يبخس حقي؟” و ” كيف لم ألاحظ نواياه في خداعي؟” و السؤال الأكثر أهمية كان: “لماذا كنت أنا بالذات مستهدفا من قبل هذا الشخص المخادع؟”
حاول المحامي التهوين عليه في مصابه فقد خسر ١٤٠ ألف ريال لتوه! وأن القانون والقضاء كفيلين بإرجاع حقوقه المالية.
المحتال في هذه القضية شخص جاهل بالكاد يقرأ ويكتب..والضحية شخص جامعي وربما وصلت إلى مرحلة علمية أعلى من الجامعي. شغل بالي الأمر وتساءلت ماهي الحالة الذهنية التي يكون عليها شخص بهذه المؤهلات ليتعرض للإحتيال؟ وما هي الوسائل التي ينجح فيها المحتال في الإيقاع بضحاياه؟!
وقد تختلف القصص ولكن تجمعها قواسم مشتركة أود تلخيصها في مايلي:
المحتال يعرف ضحاياه تماما. يبحث عن شخص قام بما يلزم من تنظيم أموره المالية ولديه مدخرات لا يستهان بها. لا تشغلوا أنفسكم فهو لايذهب للمصارف والتحقق يكفيه أسئلة مبسطة لغرباء من حولكم ومراقبة مختصرة لنظام حياتك ومكان عملك!
المحتال شديد الإلحاح فتراه في عدة مناسبات..تظنها ببراءة أنها صدفة! بينما هو يخطط لكل فرصة ممكنة حتى الإيقاع بالمستهدف.
إن نجح هذا الشخص في مسعاه لإقناعه بأعطائه المال فإنه لايطالب بمبلغ بسيط من عشرة آلاف حتى ٢٠٠ ألف حسب ما تلاحظ ممن سبق أن احتال عليهم.
لن يقوم هذا الشخص بإعطائك مستندات أو أوراق ذات صلة بحقيقة الاستثمار الذي يدعي أنه سيجعلك ثريا! لايتعد الأمر بيع الوهم والكلام..فكر فيها إن كان بالفعل مستثمرا ناجحا لكان حاله هو أفضل .. هو أولى بالرفاهية منك! دعه يثبت له هويته. طالبه بأن يقنعك بنجاح الاستثمار في تحسين أوضاعه المالية أولا!
المحتال ليس لديه نشاط مرخص له ولامكتب يدير منه شؤونه..هو كالشخصية الوهمية..يباغتك في الاختفاء بعد أن يقبض الأموال.
تأكد أنك لست أول ضحاياه. فعادة ينتهي الأمر بسلسلة من الأفعال الاحتيالية التي قام بها هذا الشخص للإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا على أمل أن لاينكشف أمره! لاسيما وأنه متمرس في المماطلة والوعود الكاذبة لمدد زمنية تصل لأشهر بينما ينتظر الضحية الأحلام الوهمية في الثراء.
إن من أهم المحاذير في الشخصية الإحتيالية أن إلحاحه وإصراره على قيام الضحية بتسليم الأموال “نقدا” وليس عبر تعامل مصرفي أو تحويل من بنك إلى بنك. كما يرفض استلام الشيك ليقوم بصرفه لاحقا. سيطالبك المحتال ويلاحقك بشكل مزعج لتقوم بسحب المبالغ نقدا وتسليمها إياه في الطرقات وفي جنح الظلام! إن أحد هؤلاء المحتالين وصل به الحال لمرافقة الضحية إلى البنك وانتظار الضحية على الباب الخارجي لتسليمه المبلغ فور خروجه!
هذا ملخص الأفعال الاحتيالية التي يمارسها المحتال مع ضحاياه لعل فيها قليلا من النصح لكم.
اعزائي، إن استبعاد الضحية فكرة تعرضه للاحتيال لاتجد نفعا! لذا نصيحتي الأخيرة هي:
هناك وسائل استثمار متاحة وسهلة ومرخص لها فأنت لست مجبرا لتسليم أموالك لشخص غير مؤهل علميا على أمل..لابل وهم الربح السريع!
تجنب تمام تسليم الأموال نقديا ولاترضخ لأي أعذار فكلها واهية. إن تحويل الأموال عبر المصارف هو الأضمن لحقك وهو الحماية الوحيدة لإثبات تحويلك لها. لاسيما أن يتم تحويل المبلغ لحساب مصرفي في سلطنة عمان وأن يتطابق اسم الشخص مع المستفيد من تحويل المبلغ. وهي فرصة مواتية تماما أن يزودك الشخص بتفاصيل هويته كنسخة من البطاقة الشخصية ورقم الحساب المصرفي.
وفي كافة الأحوال فإن شرطة عمان السلطانية لديها كادر مؤهل للتعامل مع الجرائم الاقتصادية حيث تم استحداث هذا القسم منذ ما يقارب ال٢٠ سنة ومشهود لهذا الفريق فك طلاسم هؤلاء المحتالين.
غير أنه من الجدير في هذا المقام والمقال..التوقف عند قصص واقعية لعل فيها العظة. وتتلخص الحالة في استغلال المحتال حسن حديثه وذكره لعلاقاته لاسيما الاشخاص المشتركة الذين يعرفهم ويعلم أن الضحية على علم بهم. وعادة يستشهد بشخصيات تتمتع بسمعة طيبة ومحل ثقة من حولهم. هذا الإيهام بوجود قواسم مشتركة بين المحتال والضحية..وأن المحتال يتسم بنفس مستوى الثقة والطيب. والحقيقة أنه ليس وثيق الصلة بهؤلاء وربما لايعلمون بأساليبه الاحتيالية الماكرة! كما أنه من المثير للتساؤل استسلام الضحية وانعزاله أمام المحتال ..فقد نجح المحتال في السيطرة على ذهن الضحية ومداهمته في الوقت والإلحاح بحيث لم يتسن لها مشاورة أحد من المحيطين أو المتخصصين. فلم يفت هذا المجرم تكرار جملته التعيسة المتكررة ” أرجوك هذه صفقة هامة وستجعلك ثريا سريعا..أرجوك خلي الموضوع سر بيننا”!!!
ولا ختام ككلام الله تعالى في كتابه العزيز في الآية ٢٨٢ من سورة البقرة:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (282)
تأملوا الحكمة الإلهية في أن أحكام توثيق الديون والأموال جاء في آية واحدة وطويلة لتشمل الحكم الشرعي بكافة تفاصيله من كتابته إلى توثيقه إلى شهوده وهو جل وعلا لايقول لغوا.
تحروا التوثيق واكتبوا التصرفات واستخدموا التقنية المتاحة من تحويل للمصارف لإثبات حقوقكم والأهم تعاملوا مع أنشطة مرخصة وليس محتالين متجولين يتصيدون عقول الجامعيين ذوي الأموال فلاتكون صيدا سهلا.. وتحروا قول الله عز وجل “اذا تداينتم بدين فاكتبوه”. فإن تسليم الأموال لأي كان يعد دينا في ذمة من استلمه! فكروا فيها.. الكتابة لاتكلفك من وقتك أكثر مما قد تتكبده من معاناة اثبات حقك في التقاضي لسنوات! كن حكيما.